في عملها "فخ يسمى الجسد"، تقدم المصورة والفنانة الكويتية مها العساكر تصوراتها حول فكرة التحرش عبر معالجات فوتوغرافية تتسم بالرمزية. وغالباً ما تتناول أعمال الفنانة الكويتية طائفة من القضايا والإشكالات الملحّة التي تخص المرأة. ترى الفنانة أن المرأة تخضع طوال حياتها لعملية تكييف جسدي ونفسي، وتهيئة اجتماعية للدور الذي أُعد لها، وهو لا يبتعد في أغلب الأحيان من إطار الوظيفة البيولوجية التي تعد ضرورة للتكاثر من خلال الزواج. ترى العساكر أن دور الأنثى يتلخص أحياناً في وظيفتها الإنجابية، وتستمد من هذه الوظيفة ملامح شخصيتها الاجتماعية وسلوكها، والتي تتجلى حتى في حركات جسدها العفوية، فهناك وعي شديد كما تقول لدى النساء بأجسادهن في كل حركة أو انحناء، لذا فهي تحاول التعبير عن شعور النساء بأجسادهن عبر أعمالها، هذه الأجساد التي تراها محاصرة بعدد من التفاصيل والأفكار.
الأعمال التي تقدمها الفنانة الكويتية تمثل جانباً من معرض جماعي ينظمه متحف الخليج الرقمي بعنوان، "كفى يعني كفى" بمشاركة 12 فنانا وفنانة من دول الخليج العربي، وهو يهدف لزيادة الوعي المجتمعي حول التحرش والاعتداء الجنسي. تقدم الأعمال معالجات مباشرة ورمزية لفكرة التحرش، وهي ظاهرة تعاني منها عدد من المجتمعات حول العالم.
توثيق فني
خلافاً للفنانة مها العساكر، يشارك أيضاً فنانون بارزون من دول خليجية عدة، بينهم الكويتية رباب بو عليان، وكذلك الفنانة السعودية شهد ناظر، التي تشارك بعمل تمزج خلاله بين "الغرافيك" والكتابة و"الفوتوغرافيا"، ويمثل امرأة تحمل لافتة كتب عليها، "ما طلبت يغتصبني"، باللغتين الإنجليزية والعربية، وهي تعبر هنا كما تقول عن فكرة لوم الضحية وإلقاء اللوم عليها في مثل هذه الاعتداءات. ومن البحرين تعرض الفنانة هدى جمال عملها المرسوم بالألوان الزيتية بعنوان، "مضايقات في عالم مواز"، وفيه تتخيل عالماً تتبدل فيه الأدوار، حيث يصبح الرجال هم الضحايا والموصومين بالقصور وعدم الأهلية. جمعت الفنانة عدداً من التغريدات التي وجدتها على موقع "تويتر"، والتي تلقي اللوم على ضحايا التحرش في هذه الاعتدءات التي يتعرضون لها. ومن بين الأعمال التي عرضتها جمال لوحة تمثل صحيفة موضوعة على كرسي تحتوي على مقالة تتحدث عن التحرش، غير أن الضحايا هنا هم الرجال، في تبادل ساخر للأدوار كما تقول الفنانة.
"المتحف الرقمي للفن الخليجي" الذي يستضيف هذا المعرض أسسته رائدتا الأعمال الإماراتيتان منار وشريفة الهنائي، وهو أول متحف رقمي للفنون الخليجية على الإطلاق. أسست الأختان المتحف الرقمي قبل عام تقريباً في ذروة انتشار وباء كورونا. ويمثل المتحف مساحة افتراضية مُخصصة لعرض أعمال الفنانين والمصورين من دول الخليج العربي وترويجها، ويحتفي المتحف بالإبداع الخليجي وكافة الابداعات للفنانين الكبار والناشئين معاً، وهو يعد سجلاً وتوثيقاً للحركة الفنية في المنطقة، ويتم تطوير المتحف بالكامل من قبل فريق تقني خليجي، ويستضيف عروضاً فردية وجماعية بشكل منتظم على مدار العام.
متحف مفتوح
تهتم كل من منال وشريفة الهنائي بالمجال الثقافي، فهما كاتبتان ومؤسستان لمجلة "سكة" المهتمة بالشأن الثقافي. تخرجت منار من جامعة ليز في بريطانيا، بينما درست أختها شريفة في جامعة أكسفورد، وحصلتا معاً على جائزة المرأة العربية عن فئة الإعلام عام 2020. وعبر عملهن في مجال الإعلام اكتشفتا مدى الصعوبات التي تواجه الفنانين الشباب من أجل تقديم مواهبهم وعرضها على الجمهور، فتولدت من هنا فكرة المتحف الرقمي، ومع انتشار وباء كورونا تضاعفت التحديات التي تواجه هؤلاء المبدعين، بخاصة مع حال الإغلاق والحد من الحركة، فشعرت الأختان أنه الوقت المناسب لإطلاق الفكرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما يميز المتحف الرقمي الخليجي أنه يدار بالكامل من قبل فريق من النساء الشابات، وهناك حرص كذلك على تمثيل متساو في الفعاليات التي تتم استضافتها للنساء والرجال معاً، كما يوفر المتحف تجربة انسيابية للمستخدم من خلال الهاتف، وهو مفتوح لكافة الإبداعات والوسائط والممارسات الفنية.
ومع انطلاق المعرض الأول الذي حمل عنوان "خليجيون في زمن كورونا"، حظي موقع المتحف بعدد مُشاهدات تخطت الـ 10 آلاف، مما شجعهم على مواصلة العمل بحماسة، فكان معرضهم الثاني "رمضان في العزل" ثم تبعه معرض "الفن من أجل التغيير"، إضافة إلى عدد من العروض الفردية، كمعرض الفنانة السعودية الراحلة زكية الدبيخي، ومعرض آخر لميهان بنت شهد آل سعيد بعنوان "انعكاسات"، ومعرض للفنان السعودي فيصل الخريجي بعنوان "الثقافة بشكل مختلف". ومن المشاريع الخلاقة التي دشنها المتحف أخيراً شراكته مع "دبي فيستيفال سيتي" لتنظيم عروض رقمية في الهواء الطلق هي الأولى من نوعها في منطقة الخليج، لعرض أعمال الفنانين على واجهة مبنى ارتفاعه 36 طابقاً في دبي، وقد نُظم عرضان بهذا الأسلوب حتى الآن، كان آخرهما في شهر مايو (أيار) الماضي واستمر لمدة أسبوعين.