Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تدخل ماكرون لم يلغ اعتذار الحريري وبري لا يرى بديلا عنه

رئيس البرلمان يهاجم الفريق الرئاسي والراعي و"المستقبل" يعودان لانتقاد دور "حزب الله" في مأزق الفراغ 

خيار اعتذار الحريري يمكن أن ينقل لبنان المأزوم إلى حقبة جديدة من الصراع السياسي (أ ب)

في انتظار ما سيتفق عليه رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، في اجتماعهما الثلاثاء 15 يونيو (حزيران)، وما سيتبعه، يبقى خيار اعتذار الحريري خياراً جدياً معلقاً، يمكن أن ينقل لبنان المأزوم في شكل مأساوي، إلى حقبة جديدة من الصراع السياسي، الذي أطال الفراغ الحكومي أكثر من 10 أشهر، منذ استقالة حكومة الرئيس حسان دياب في 10 أغسطس (آب) 2020.

يستمر هذا الصراع في الحؤول دون إدارة الحد الأدنى للمأزق المالي الاقتصادي الذي غرق فيه لبنان منذ صيف 2019، من أجل التخفيف من حدته على الفقراء والطبقة الوسطى، بالتالي في التسبب بتدهور مريع للأوضاع المعيشية للبنانيين الذين باتوا يعانون من فقدان، أو نقص خدمات أساسية في حياتهم اليومية، إن في المحروقات والتيار الكهربائي، أو الطبابة والاستشفاء، أو المواد الغذائية... وهو أمر يعطل مؤسسات أساسية في الدولة والمجتمع. ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القول في 10 يونيو إن بلاده تبحث مع المجتمع الدولي "آلية مالية دولية تضمن استمرار الخدمات الرئيسة في وقت يكافح البلد أزمة حادة وسط الاضطراب السياسي".

تدخل ماكرون لدى الحريري

عكس كلام ماكرون ترجيحاً لانسداد أفق المعالجات، وسط عاملين هيمنا على المسرح  السياسي في الأيام التي سبقت ورافقت تصريحه وسط متابعة خلية الأزمة التي شكلتها تفاصيل مبادرة رئيس البرلمان نبيه بري لإنقاذ البلد من الفراغ. العامل الأول هو تصاعد الحديث عن اتجاه الحريري نحو الاعتذار، الذي تؤكد مصادر متقاطعة قريبة من الحريري وأخرى متصلة بالجانب الفرنسي لـ"اندبندنت عربية"، أن ماكرون تدخل مرتين لدى زعيم "المستقبل" لثنيه عن فكرة التخلي عن مهمة تشكيل الحكومة، في الأسابيع القليلة الماضية، فسحاً في المجال أمام وساطة بري بينه وبين الفريق الرئاسي، بمساعدة "حزب الله".

أما العامل الثاني فهو ما تسرب من معلومات عن فشل لقاءين مطولين عقدهما موفدون لبري و"حزب الله" مع رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل لتليين موقفه من تشكيل الحريري الحكومة، في ظل ما وصفته مصادر "الثنائي الشيعي" النقاش الحاد الذي دار بين الموفدين وباسيل. وترجمت محطة "أن بي أن" التلفزيونية الناطقة باسم حركة "أمل" وبري انسداد الأفق على يومين متتاليين، إذ هاجمت مقدمتها الإخبارية باسيل وفريقه من دون أن تسميه ليل 12 يونيو. وقالت إنه "لم يعد الشعب ينتظر شيئاً من الشعبويين لأنه لم يعد هناك شيء أصلاً يستحق الانتظار سوى رحمة الله بعباده في لبنان، بعدما عاشوا عن غير وجه حق، في جهنمكم". والسبب الذي جعل المراقبين يجمعون على أن هذا الكلام موجه إلى باسيل أنه جاء رداً على تصريح للأخير انتقد فيه البرلمان لأنه يتأخر في إقرار قانون استحداث البطاقة التمويلية المخصصة لإعانة 750 ألف عائلة فقيرة، للتعويض عن رفع الدعم عن المواد الأساسية والطبية المفقودة في البلد، في وقت كان بري أحال مشروع قانون وضعته حكومة تصريف الأعمال على البرلمان لمناقشته تمهيداً لإقراره.

حملة بري على باسيل

وحملت محطة بري التلفزيونية على ممارسات الفريق الذي تولى حقيبة قطاع الكهرباء على مدى 10 سنوات (باسيل ووزراء "التيار الوطني الحر") فيما يملأ الفضاء الإعلامي منذ سنوات، في الداخل والخارج، الحديث عن فضائح هذا القطاع، إذ شددت مقدمتها على أنه "لم نعد ننتظر الكهرباء التي أغرقت البلاد بالديون، ولا ننتظر البواخر (المستأجرة لتوليد الطاقة) التي عومت الجيوب بالسمسرات. لم نعد ننتظر أن يصبح لبنان دولة نفطية كما قلتم، لأن لبنان تحول إلى دولة مطفية تحكمها العتمة". وانتقدت تجميد رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوم التشكيلات القضائية منذ أشهر...

وفي اليوم التالي، في 13 يونيو، وعلى الرغم من أن بري يردد بأن مبادرته لإنهاء الفراغ الحكومي مستمرة مع أن التسريبات الإعلامية كشفت مراوحة وساطته و"حزب الله" مع باسيل، قالت محطة "أن بي أن" إنه "لا يبدو الطريق الحكومي مفروشاً بالورد، إذ فيه كثير من الأشواك ذات المنشأ المعروف بالاسم والعنوان، وكل تفاصيل الهوية الشخصية والسياسية والشعبوية".

المجلس الشرعي الإسلامي و"أمل" والتوازنات الوطنية

مع الصورة السوداوية هذه ظل بري يسرب بأن مبادرته مستمرة. ورددت  مصادره أنه ما زال ينتظر جواباً من باسيل، مراهناً على ضغوط "حزب الله" على الأخير، مقابل تسريب مصادر "التيار الحر" أنه ينتظر جواباً من الحريري. الأمر الذي نفته أوساط "الثنائي الشيعي". وفي الوقت نفسه، حذر بري الحريري من الاعتذار. ما اضطر الأخير إلى الإعلان أنه هو وبري واحد، وأنه الوحيد الذي وقف معه. فرئيس البرلمان يعتقد أنه بعد أشهر التعطيل من الفريق الرئاسي، وتمسك الحريري بالأصول الدستورية سيصعب تسمية رئيس جديد للحكومة لا يلتزم هذه الأصول ويخضع لشروط الفريق الرئاسي. بالتالي، سيواجه البلد المعضلة نفسها، فضلاً عن قناعة بري بأن الحريري أقدر على استجلاب المساعدات المالية لمواكبة الإصلاحات المؤلمة المطلوبة من المجتمع الدولي كشرط لإسعاف البلد بتمويل تعافيه المالي والاقتصادي.

وبصرف النظر عن التفاصيل المملة والمكررة، التي يقع الخلاف حولها في شأن تسهيل ولادة حكومة الاختصاصيين غير الحزبيين من 24 وزيراً موزعين على ثلاث ثمانات يحق لفرقاء تسميتهم من دون الحصول على الثلث المعطل فيها، فإن عودة الحريري إلى فكرة الاعتذار عن متابعة المهمة على الرغم من مطالبة مناصريه بعدم الإقدام عليها، مطالبينه بالتمسك بتكليفه إلى ما لا نهاية في وجه الفريق الرئاسي الذي يريد التخلص منه، بدا خياراً جدياً هذه المرة نظراً إلى مباشرته التمهيد لها مع الدائرة الضيقة من فريقه الذي بدأ إعداد بيان الاعتذار. وأجرى الرئيس المكلف مشاورات مع نواب تكتله النيابي حول الاعتذار، ثم مع المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، مع تأكيده أنه سيتخذ القرار النهائي بعد اجتماعه مع الرئيس بري الذي سانده وأقر بأنه تجاوب معه في وساطته. ومع أن الفريق الرئاسي، لا سيما باسيل، اتهم الحريري أكثر من مرة بعدم الرغبة في تشكيل حكومة لحسابات إقليمية، فإن بري اعتبر أن هذا الفريق واصل وضع الشروط التعطيلية للمخارج من الفراغ الحكومي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأعقب ذلك، الاثنين 14 يونيو، بيان للمكتب السياسي لحركة "أمل" حذر من "النتائج الكارثية لتعطيل المبادرة التي بناها الرئيس بري على ركائز المبادرة الفرنسية لتكون بوابة حكومة إصلاح تنقذ البلد وتضعه على سكة الخروج من أزماته". ولمّح بيان "أمل" إلى شروط باسيل على الحريري ومنها سعيه للحصول على الثلث المعطل في الحكومة مداورة عبر اشتراطه عدم تسمية الرئيس المكلف لوزيرين مسيحيين، فأكد أنه "لا يزال البعض يمعن في ضرب القواعد الدستورية بمحاولة خلق أعراف جديدة تمس أسس التوازنات الوطنية والمرتكزات التي أرساها اتفاق الطائف، مما يعطل قبول مهمة فيها نسف للأصول والأعراف". وهو موقف يلاقي البيان الصادر عن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى إثر اجتماع الحريري لوضعه في صورة المصاعب التي يواجهها في استيلاد الحكومة، طارحاً خيار الاعتذار، الذي شدد على أنه "لا يمكن السماح بالمس بصلاحيات رئيس الحكومة المكلف، وأي سعي إلى أعراف جديدة في ما يتعلق بالدستور أو باتفاق الطائف أمر لا يمكن القبول به"، مؤكداً "دعم الرئيس المكلف وصلاحياته ضمن إطار الدستور". وأيد المجلس الشرعي مبادرة بري.

سلبيات استمرار التكليف بلا تأليف

ومع أن الحريري كان أعد العدة للاعتذار فإن إصرار أعضاء المجلس الشرعي برئاسة المفتي عليه الإحجام عن الفكرة، وبعدها رؤساء الحكومات السابقين، جعله يتريث من دون أن يلغيها في انتظار لقائه بري، لأنه أخذ على نفسه عدم الإقدام على أي خطوة إلا بالاتفاق مع رئيس البرلمان.

مع ذلك، فإن مصادر قيادية في تيار "المستقبل" أبلغت "اندبندنت عربية" أنه لم يلغ خيار الاعتذار، وأن إصرار جمهوره عليه الصمود في وجه فريق عون- باسيل، هو موقف عاطفي، قد يرتد عليه سلباً لاحقاً، ولا يسمح بمعالجة المأزق المالي الاقتصادي المتمادي. فالوضع المعيشي سيستمر في التدهور وسعر صرف الليرة سيرتفع بطريقة صاروخية، ومع أن معظم الأوساط الشعبية يحمل المسؤولية للفريق الرئاسي، فإن هذه الأوساط ستحمله قسطاً من المسؤولية بحجة أنه لم يفسح المجال لغيره كي يحاول، بعدما أخفق هو في التأليف. وإذا صحت التقديرات، كما يوحي بذلك كلام ماكرون عن الإعداد لآلية دولية لتمويل الخدمات الأساسية تعويضاً عن انهيارها، بأن لبنان سيبقى بلا حكومة حتى الانتخابات النيابية المقبلة بعد 11 شهراً، فإن ذلك سينعكس ضده في صناديق الاقتراع.

مخرج التقدم بتشكيلة جديدة قبل الاعتذار

ويشير مصدر سياسي مطلع على نتائج تشاور الحريري مع رؤساء الحكومات السابقين حول نيته الاعتذار، بأن هؤلاء نصحوه بناء على رأي الرئيس فؤاد السنيورة (ممن يعارضون الاعتذار) والرئيس تمام سلام، بأن يتريث في قراره، ويتصرف وفق الدستور ويلتقي الرئيس عون ويقدم له تشكيلة حكومية من 24 وزيراً من الاختصاصيين غير الحزبيين، لا ثلث معطلاً فيها لأي فريق، استناداً إلى المبادرة الفرنسية ومبادرة بري المدعومة من "حزب الله"، ويأخذ مهلة يومين، على الرغم من فقدانه الأمل بإمكان قبوله بها، يقرر على إثرهما الاعتذار أم لا. ويكون بذلك استنفد محاولاته وانسجم مع مبادرة رئيس البرلمان.

في انتظار قرار اللجوء إلى هذه المحاولة، بقي السؤال الذي شغل الوسط السياسي يدور حول موقف "حزب الله" الذي كان تعهد مساعدة بري في وساطته مع فريق عون- باسيل، ولم ينجح خلال اجتماعين مطولين مع الأخير. فالأوساط السياسية المعارضة للحزب عادت لتتهمه بأنه لا يمارس الضغط الكافي على عون وباسيل من أجل إنهاء الفراغ الحكومي، على الرغم من أن الانطباع الذي تركته قيادة الحزب عند انطلاقة مبادرة بري قبل 3 أسابيع، أن الحزب يرغب في الخروج من حالة الفراغ الذي أخذت مفاعيله تنعكس عليه سلباً، بسبب تدهور الأحوال المعيشية الذي يصيب مناطق نفوذه كسائر المناطق، من دون أن تنفع الخطوات الاستعراضية التي قام بها من نوع اقتراح استيراد البنزين والمازوت من إيران، وتخصيص بطاقة ائتمانية لبعض مناصريه لشراء مواد غذائية بأسعار معقولة.

عودة إلى تحميل "حزب الله" مسؤولية الفراغ

 من الذين لم يقتنعوا بأن الحزب يعجز عن الضغط على حليفه الثنائي عون- باسيل، البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي. فعظته الأخيرة، الأحد 13 يونيو، إضافة إلى تلميحه إلى مسؤولية الفريق الرئاسي عن "تفاقم الأزمة والانهيار السريع"، عادت إلى انتقاد دور "حزب الله" بطريقة غير مباشرة، حين قال "حان الوقت لخروج الدولة من لعبة المحاور الإقليمية لتعيد النظر في خياراتها التي أثبتت التطورات أنها لا تصب في مصلحة البلاد، وأنها قضت على علاقات لبنان العربية والدولية، وضربت هذه الجماعة السياسية سمعة لبنان الدولية".

ومع أن أوساط الثنائي الشيعي سربت في الأيام الماضية معلومات عن انزعاج قيادة "حزب الله" من تشبث باسيل بشروطه التي تعيق تأليف الحكومة، وأخذت تتحدث عن خلافات حادة معه، فإن الأجوبة عن التساؤلات حول أسباب عدم نجاح الحزب في تليين موقف حليفه كانت من نوع أن الحزب مع رغبته في عدم إفشال الحريري حرصاً على عدم إثارة الحساسية السنية- الشيعية، لا يريد خسارة الحليف المسيحي العوني بالافتراق كلياً عنه في هذه الظروف الإقليمية. كما أن أوساط الحريري التي كانت تتجنب انتقاد تقصير الحزب في الضغط على حليفه العوني، وتركز على تحميل باسيل ورئيس الجمهورية مسؤولية التسبب بالفراغ الحكومي، عادت إلى الغمز من قناته. فمنسق الإعلام في تيار "المستقبل" عبد السلام موسى قال في تصريح لقناة "الحدث" الإخبارية يوم السبت 12 يونيو "حزب الله على تناغم مع عون وباسيل. ولو كان يريد حكومة فعلاً لكان عون وباسيل توقفا عن التعطيل. لكن يبدو أن الفراغ حاجة لحزب الله... انطلاقاً من أن الفراغ يعطي نافذة لتوسيع نطاق الدويلة على حساب الدولة".

المزيد من تقارير