Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مع توسع دائرة الاحتجاجات... الاقتصاد التونسي أمام اختبار "صعب"

وكالات دولية تحذر: التصنيف الائتماني يواجه مخاطر مرتفعة... والفقر المُدقع يتوسع

بخلاف التداعيات الخطيرة التي خلفتها جائحة كورونا على الاقتصاد التونسي منذ ظهور الوباء، تتجه الأزمات الاقتصادية نحو التفاقم مع استمرار حالة عدم الاستقرار، واندلاع تظاهرات بشكل متكرر، ما يعزز  تراجع عديد من المؤشرات، وتعرض السياحة لمزيد من الخسائر.

ومع اتساع رقعة الاحتجاجات في تونس، فمن المتوقع أن تشهد البلاد التي تواجه ركوداً حاداً وانكماشاً عنيفاً في ناتجها المحلي الإجمالي مع تهاوي عائدات السياحة، مزيداً من الأزمات وربما تتوسع دائرة الفقر، بخاصة مع تأثر السوق المحلية سلباً بحالة عدم الاستقرار.

وكانت نسبة نمو الاقتصاد التونسي قد شهدت انخفاضاً حاداً خلال العام الماضي، نتيجة تداعيات جائحة كورونا، وأثرت تداعيات الأزمة في القطاعات المصدرة والموجهة للسوق الداخلية، وتعمّق تأثير الصدمة الخارجية بتأثيرات داخلية، ومنها تعطل قطاعات حيوية مثل الفوسفات ومشتقاته والطاقة، إضافة إلى الهشاشة الهيكلية للاقتصاد التونسي.

وتشير البيانات الصادرة عن البنك المركزي التونسي، إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في تونس، لم يشهد تراجعاً مثل المسجل حالياً منذ عام 1962، حيث هوى إلى مستوى 9 في المئة، بينما كان مقدراً بنحو 3 في المئة. وبذلك بلغ حجم تدهور الناتج المحلي الإجمالي 12 في المئة. وقد أثر هذا التراجع في الاقتصاد المنظم والاقتصاد الموازي، في حين انخفضت نسبة الاستثمار لتصل إلى 12 في المئة، فيما نزلت نسبة الادخار إلى نحو 6 في المئة.

وفي الوقت نفسه، فقد تدهور الميزان الغذائي بـ 574 مليون دينار (212.59 مليون دولار) مقابل 3 ملايين دينار قبل سنة، ويعود ذلك أساساً إلى تراجع مبيعات زيت الزيتون بنسبة 22.8 في المئة، متأثرة بالكمية وبأسعار اليورو. بينما شهدت واردات المواد الغذائية زيادة بنسبة 22.7 في المئة، والمواد الاستهلاكية بنسبة 20.8 في المئة، والمواد الأولية ونصف المصنعة 20.5 في المئة.

اضطرابات سياسة تنعكس على الوضع الاقتصادي

كان البنك الدولي قد أشار إلى تأثر الاقتصاد التونسي بشكل كبير بتداعيات جائحة كورونا، وكشف أن إجراءات الغلق أدت إلى تقليص العرض والطلب المحليين في آن واحد، ما أدى إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي بمقدار 21 في المئة خلال الربع الثاني من العام الماضي.

وفي الوقت نفسه، أدى انخفاض الطلب الخارجي والقيود المفروضة على السفر إلى خفض العائدات السياحية بنسبة 47 في المئة خلال العام الماضي، وتراجعت الصادرات من الصناعات الميكانيكية والكهربائية والمنسوجات بنسبة 27 في المئة بحلول منتصف عام 2020.

وهناك عوامل أخرى تؤثر في النمو هذا العام. حيث أضافت الاضطرابات السياسية الأخرى التي وقعت في أعقاب سقوط حكومة إلياس الفخفاخ، مزيداً من عدم اليقين، فضلاً عن تأثير انقطاع العمال عن العمل، في ناتج أنشطة التعدين. وهذه العوامل في مجموعها تسهم في انكماش من المتوقع أن تبلغ نسبته 9 في المئة خلال عام 2020، منخفضاً عن التوقعات الأولى لجائحة كورونا بنسبة -4 في المئة.

وتسببت الأوضاع القائمة في أن ترتفع نسبة البطالة من 15 في المئة إلى 18 في المئة، وهو المستوى الذي وصلت إليه البطالة آخر مرة في ثورة 2011. وتوقع البنك الدولي أن يتزايد الفقر والمعاناة، وأن يتراجع الاتجاه الذي لوحظ في السنوات الأخيرة المتمثل في الحد السريع من الفقر.

ووفقاً لسلسلة من المقابلات الهاتفية التي أجراها المعهد الوطني للإحصاء والبنك الدولي، ثمة شواهد تشير إلى أن الجائحة غيرت من عادات تناول الطعام. حيث قللت الأسر الفقيرة من الكميات المستهلكة أو بدأت في استهلاك أغذية أقل تفضيلاً. ولمواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، أو تعويض خسارة الوظائف، لجأت الأسر إلى السحب من مدخراتها، أو الحصول على مساعدات، أو اقتراض النقود من الأقارب، وأجلت سداد التزاماتها.

زيادة حدة الفقر المدقع

 في عام 2020، ظل معدل الفقر المدقع المحسوب باستخدام خط الفقر الدولي البالغ 1.9 دولار على أساس تعادل القوة الشرائية، أقل من 1 في المئة، ولكن معدل الفقر وفقاً لخط الفقر البالغ 3.2 دولار على أساس تعادل القوة الشرائية، سيرتفع بحوالى 1.3 نقطة مئوية، من 2.9 في المئة إلى 4.2 في المئة.

ورجح البنك الدولي أن ترتفع نسبة السكان المحرومين المعرضين للانزلاق إلى براثن الفقر في عام 2020، حيث يتوقع أن ترتفع النسبة من 16.6 في المئة إلى 22 في المئة من مجموع السكان، وذلك باستخدام حد إنفاق قدره 5.5 دولار، على أساس تعادل القوة الشرائية.

وبقي عجز حساب المعاملات الجارية مرتفعاً عند نسبة يتوقع أن تبلغ 7.1 في المئة من إجمالي الناتج المحلي عام 2020، مع تراجع الواردات بمعدل أسرع من الصادرات. وتساند هذه العوامل النمو المتواصل في احتياطيات النقد الأجنبي، التي بلغت 142 يوماً من الواردات بحلول شهر أغسطس (آب) الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

وتوقع التقرير أن يصل عجز الموازنة العامة إلى 12 في المئة، ويتفاقم هذا الوضع بسبب انخفاض الإيرادات بنسبة 11 في المئة، الأمر الذي يعكس انخفاض النشاط الاقتصادي، وإجراءات تأجيل الضرائب. فيما تسببت زيادة الأجور في ضغط كبير على الإنفاق، ويشير إلى انعدام التقدم في احتواء أجور الخدمة المدنية. ومن شأن هذه التطورات أن تزيد من مخاطر الديون. ومن المتوقع أن يرتفع الدين العام من 72.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي عام 2019، إلى الذروة بنسبة 86.6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي عام 2020، وهو مستوى أعلى بكثير من المعيار القياسي لعبء الديون البالغ حوالى 70 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

المؤشرات تهوي بنسب صعبة

وضاعفت جائحة كورونا من الأزمة الاقتصادية في تونس، حيث تراجعت الاستثمارات الدولية بنسبة 26.4 في المئة حتى نهاية الربع الثالث من العام الماضي، وشمل التراجع أغلب القطاعات في مقدمها الاستثمارات في البورصة بنسبة 68.1 في المئة وفي مجال الطاقة بنسبة 23.5 في المئة وقطاع الخدمات بنسبة 47.7 في المئة. فيما هوت إيرادات قطاع السياحة الحيوي بنسبة 65 في المئة، بينما هبط عدد السائحين بنسبة 78 في المئة.

وعرفت تونس انكماشاً قياسياً غير مسبوق للاقتصاد خلال العام الماضي بنسبة بلغت نحو 8.2 في المئة بعد سنوات من تعثر النمو رافق الانتقال السياسي منذ 2011. فيما تشير بيانات المعهد التونسي للإحصاء إلى ارتفاع نسبة التضخم إلى مستوى 6.3 في المئة خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي.

في الوقت نفسه، تتوقع موازانة تونس 2021، أن يصل الاقتراض إلى 7.2 مليار دولار بما في ذلك حوالى 5 مليارات دولار في شكل قروض خارجية. ويقدر سداد الديون المستحقة هذا العام عند 16 مليار دينار (5.818 مليار دولار) ارتفاعاً من 11 مليار دينار (4 مليارات دولار) خلال عام 2020.

ونهاية العام الماضي، عدلت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، نظرتها للاقتصاد التونسي من مستقرة إلى سلبية، نتيجة زيادة حدة الأزمات القائمة والتداعيات الكارثية التي خلفتها جائحة فيروس كورونا على البلاد. وأبقت الوكالة على تصنيف تونس الائتماني طويل الأجل عند "B"، وهو يعني درجة مخاطرة عالية.

وأوضحت "فيتش"، أن التوقعات السلبية للاقتصاد التونسي، تعكس تفاقم مخاطر السيولة المالية والتدهور الحاد في المالية العامة وبيئة الاقتصاد الكلي، الناجمة من صدمة جائحة فيروس كورونا.