Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غاب مدفع رمضان وسط صوت قذائف الحرب في سوريا

ينتظرون بفارغ الصبر عودة طقوس الإفطار بتوقيتها المعتاد وأن ترقد كل المدافع وآلات المعارك

 

مدفع قديم في متحف القلعة بمدينة حلب (اندبندنت عربية)

ظلت العادات الرمضانية صامدة على الرغم من التبدلات الكثيرة التي طرأت عليها، بفعل عوامل التطور التكنولوجي والاجتماعي، لكن في سوريا الأمر مختلف، بسبب ما خلفته الحروب المستمرة منذ ثماني سنوات من أثار على تلك العادات الرمضانية الاجتماعية، وحتى على ذاكرتها الشعبية.

مع آذان المغرب

قبل الحرب عرف السوريون جيداً مدفع رمضان، فهو من العادات المتأصلة التي ارتبطت بشهر الصوم الفضيل، ومن العادات الاجتماعية والتقاليد الرمضانية، قبل أن تكون مرتبطة بطقس ديني يظهر عند الإفطار، لهذا أطلق عليه أيضاً "مدفع الإفطار".

صوت المدفع الذي يأذن للصائمين بالإفطار بعد آذان المغرب، باقٍ في ذاكرة السوريين، فصوته مرتبط بصورة تجمع أفراد العائلة حول المائدة، كل فرد من أفرادها ينتظر أن يلتقط كأس الماء ليروي ظمأه بعد نهارٍ يمتنع فيه الصائمون عن الشراب والطعام، ومن جهة أخرى يُدخل هذا المدفع الفرحة إلى قلوب الأطفال الذين يحدقون للسماء لرؤية ضربات المدفع عالياً.

قبل الإفطار

دوي انفجار المدفع في الشهر المبارك لا يزال يتردد صداه في ذاكرة الحاج عدنان الشاشاتي، الذي يذكّره مدفع الإفطار بتجمع الناس قبل الإفطار لمشاهدة ما كان يُطلق عليه أيضاً "طوب رمضان"، وجاءت هذه التسمية من صوت صدى القذيفة.

يضيف قائلاً " كنت أحضر مع رفاقي الصغار في الحارات قبل آذان المغرب، لمشاهدة طقوس إطلاق المدفع، في زماننا قبل عقود طويلة، أُوكلت المهمة لموظف في البلدية للعمل عليه في كل يوم خلال شهر رمضان، وأتيح لي وقتها رؤية كيف كان موظف البلدية يحشو المدفع الكبير بالخرق والبارود ويشعل الفتيل لتنطلق نحو الأعلى، كانت أيام حلوة".

والهدف الأساسي من مدفع الإفطار، هو إعلام الناس ممن لا يسمعون صوت آذان المغرب من الجامع، بوجوب الإفطار، فسابقاً كما يقول العم أبو عمر الشاشاتي "لم يكن للمساجد مكبرات صوت تصل لكل الحارات في دمشق أو المدن وحتى القرى، وبهذه الطريقة كان الناس يعلمون موعد تناول الطعام".

الحنين للطقس

بطبيعة الحال، ينتظر السوريون بفارغ الصبر أن يعود مدفع رمضان بتوقيته المعتاد، ويطلق قذائفه، ويتشوقون إلى أن ترقد كل المدافع وآلات الحرب التي عاشوا قذائفها المدمرة، حتى ضاقوا ذرعاً منها، فطوال السنوات الأخيرة من عمر حربهم القاسية، أسككت آلات الحرب مدفع إفطارهم، الذي يزرع فضاء حياتهم بهجةً وفرحاً وأملاً.

وقول الشاب حسام عبد الرحمن (30عاماً) "أتذكر جيداً مدفع الإفطار وقتها كنت أسأل نفسي لماذا كل هذا؟! هل الموضوع بحاجة لمدفع حتى يفطر الصائمون!؟ ونحن نملك كل تلك الساعات والمنبهات الآلية المتوفرة لدينا، بالإضافة لمكبرات الصوت في المساجد وغيرها من وسائل الإعلام كالتلفزيون الذي يعلن آذان المغرب فوراً، لسنا بحاجة للمدفع هكذا كنت أقول على الدوام".

ولكن مع مرور الوقت ودخول الحرب، تبدلت آراء الشاب إلى شوق لطقس قديم فقده السوريون وتابع قائلاً "بصراحة كنت ضد هذا المدفع أيام السلم، ولكن بعد الحرب وفي كل موسم من رمضان أفتقده، ومع توقفه عن العمل شعرت بالحنين لهذا الطقس الذي لا يعوض".

ضحايا الحرب

تغيرت وجوه المدن السورية في الحرب، ولم يقتصر الأمر على مدفع رمضان، فالكثير من الطقوس الرمضانية اندثرت مع لوعة الشعب السوري الذي هُجّر ودُمرت بيوته، ودُمرت معها بريق الفرح وشمل العائلة مجتمعة في ليالي الشهر الكريم.

ويعلن المؤرخ الدمشقي سامي مبيض بكثير من الحزن عن تغير مدينة دمشق في السنوات القليلة الماضية، ولعل إحدى ضحايا الحرب هي عاداتنا في هذا الشهر الفضيل، بما فيها خصائص ومزايا بدأت تتلاشى تباعاً، ويضيف "لازلت أذكر مدفع رمضان الذي غاب عن عالمنا منذ ثماني سنوات، حين استبدل بأصوات مدافع أخرى، حفرت في ذاكرتنا كلنا وشوهتها".

حكاية المدفع

وتتفق العديد من الروايات أن مدفع الإفطار جاء بالصدفة في عهد السلطان المملوكي "خوشقدم" الذي أراد أن يجرب مدفعاً جديداً، وصادف إطلاق المدفع مع وقت المغرب في أول يوم من شهر رمضان، وظن الناس حينها أن السلطان تعمد إطلاق المدفع ليعلمهم بتوقيت الإفطار وينبه الصائمين. بينما تقول رواية أخرى إن "إطلاق المدفع جاء على يد محمد علي باشا، أثناء حكمه لمصر، وان الأمر جاء بتجريب مدفع في وقت المغرب".

أما الرواية الثالثة فتتحدث عن خطأ غير مقصود في عهد الخديوي إسماعيل حين كان الجنود يقومون بصيانة أحد المدافع لتنطلق على إثرها قذيفة دوت في سماء القاهرة، وتزامن ذلك مع وقت المغرب في أحد أيام رمضان.

تقاعد مبكر!

أحيل مدفع الإفطار إلى التقاعد باكراً بعد ثورة التكنولوجيا ووسائل الاتصال والتواصل، لكنه أعلن الحداد عليه بل على طقس من طقوس رمضان بعد توقفه عن عمل في وقت يتضرع فيه السوريون في شهر الصوم أن يحل السلام ديارهم، وتتوقف حمامات الدم على أرضهم، وأن تصمت كل المدافع ويبقى مدفع واحد يعمل كما كان هو مدفعك يا رمضان!

المزيد من العالم العربي