Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إغلاق "كورونا" حوَّل امرأة وغيرها من ضحايا العنف الأسري إلى سجينات يغمرهن النسيان

محنة النساء المعنفات من أصول أفريقية وآسيوية ومن أقليات عرقية أخرى أثناء الإغلاق في بريطانيا، لم تحظ بالاهتمام اللازم

بعض النساء يخشين الإبلاغ عن الإساءة ضدهن، أو يتخوفن من ألا يتم تصديق روايتهن (غيتي)

من الواضح أن وباء "كوفيد-19" شكل في حد ذاته أزمة وطنية ضاغطة على الناس، إلا أن الزيادة الهائلة في العنف المنزلي، ليس فقط في المملكة المتحدة، بل في مختلف أنحاء العالم، أصبحت هي، بحسب الوصف الذي أطلقته عليها منظمة الأمم المتحدة، "جائحة الظل".

وتقدر أرقام "منظمة الصحة العالمية" أن امرأة من كل ثلاث نساء على مستوى العالم، تقع ضحية العنف الجسدي أو الجنسي سواء من جانب شريكها أو من غيره خلال إحدى مراحل حياتها. وتنبه المنظمة إلى أن وباء كورونا قد زاد من تعرض النساء للتعنيف. 

وكشف تحقيق أجراه برنامج "بانوراما" Panorama (وثائقي تبثه محطة "بي بي سي") ومنظمة دعم النساء Women’s Aid العام الماضي، أن ثلثي عدد النساء المنخرطات في علاقات مسيئة لهن، قد عانين من مزيد من العنف من شركائهن أثناء فترة تفشي فيروس "كورونا"، وما تلتها من عمليات إغلاق في المملكة المتحدة.

هذه الأزمة كان من المفترض أن يتوقعها الخبراء في المجال الاجتماعي والأسري، لكنهم لم يتهيأوا لها. وفي الواقع لقد أخفقوا في تأمين الموارد اللازمة للتعامل مع هذه الزيادة في حالات العنف الأسري. وفيما يتعرض الذكور والإناث للعنف المنزلي، إلا أن النساء هن على الأرجح الضحايا الأكثر عرضة له.

يُشار إلى أن هذه الأرقام قد تكون أعلى من التقديرات المذكورة، لأن بعض النساء يخشين الإبلاغ عن الإساءة ضدهن، أو يتخوفن من ألا يتم تصديق روايتهن. وينطبق ذلك بشكل خاص على النساء من الأقليات العرقية اللواتي يُرجح أن يتم إغفالهن في الإحصاءات، أحياناً نتيجة "تقاعس الشرطة عن التعامل مع حالات العنف الأسري في مجتمعات الأقليات، وذلك بسبب الحساسية الثقافية".

من هنا، فإن محنة النساء من أصول أفريقية وآسيوية ومن أقليات عرقية أخرى، من اللواتي يعشن ضمن أسر تمارس الإساءة والتعنيف ضدهن أثناء مرحلة الإغلاق، لم تلق صداها أو حقها في الإعلام، ولم يتم تداولها بشكل كاف. لكن ما يثير لدي الإحباط هو أن المناقشات الكثيرة التي تتناول قضية العنف الأسري تتجه في كثير من الأحيان إلى إهمال هذه الفئة المهمشة والمستضعفة من النساء، الأمر الذي يجعلهن سجينات أوضاعهن المروعة.

وقد جاء في تقرير بحثي بعنوان "العنف المنزلي وسط المجموعات الإثنية من أصول إفريقية وآسيوية ومن أقليات عرقية أخرى" Domestic Abuse in Black, Asian and Minority Ethnic Groups، أن "العنصرية المؤسسية تمتد إلى ما هو أبعد من نظام العدالة الجنائية، لتصل إلى خدمات تابعة على سبيل المثال لوكالات منع العنف الأسري، وإلى المهنيين في مجال الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية. وتبين من خلال الأبحاث التي أجريت على اللاجئين في إنجلترا، أن القوالب والصور النمطية وبعض المواقف العنصرية تنشط على ثلاثة مستويات، ما بين مستخدمي الخدمات (أطراف أخرى)، ووسط العاملين في هذا المجال، والمسؤولين على مستوى الدولة (على سبيل المثال من خلال سياسات الهجرة التي تحظر على النساء الوصول إلى الخدمات العامة أو الأموال العامة)".

مجلة "فمباور" Fempower التي تصدرها شبكة "نساء مناهضات للعنف في أوروبا "Women Against Violence Europe (WAVE) (تضم منظمات نسائية أوروبية غير حكومية ناشطة في مجال مكافحة العنف ضد النساء والأطفال)، نشرت مقالة للدكتور رافي ك. ثيارا، وهو زميل باحث في "جامعة ووريك"، قال فيه إن "مجموعات كثيرة من النساء من "أصول إفريقية وآسيوية ومن أقليات عرقية أخرى" BME، ما زلن لا يستخدمن بما فيه الكفاية خدمات الإبلاغ عن العنف المنزلي، ويعانين عنصرية ضدهن على مستوى الخدمات الرئيسية، التي لا تراعي خلفيتهن الثقافية الدينية وحاجاتهن الأخرى. إنه لمن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن التركيز على التنوع وحده (على الرغم من أنه يعد خطوة مهمة) لا يضمن المساواة للنساء والأطفال من تلك المجموعات العرقية."

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خلال فترة الحجر الصحي، انخرطتُ مع مجموعة دعم تعمل على مساعدة النساء العالقات في علاقات يتعرضن فيها للإساءة، وقد تم اعتماد نوع من الشيفرة أو الرمز لتمكين تلك النساء من التواصل، وذلك باستخدام ألوان أحمر الشفاه، فاللون الأحمر يدل على أنهن في خطر، والوردي يعني أن "الجاني في المنزل"، أما ملمع الشفاه فيعني أن "الجاني ليس في البيت". وفي إمكان الضحية أن تستخدم هذه الألوان خلال التواصل مع مجموعة الدعم، سواء من خلال الرسائل النصية أو عبر الهاتف.

إنني الآن أقوم بدعم أم شابة تعرضت لعنف شديد من جانب شريكها إلى درجة أنها أدخلت إلى المستشفى وأبقيت فيه لمدة أسبوع، فجهازها المناعي الذي تعرض للخطر بسبب الإساءة والإجهاد، جعلها عرضة لكثير من الالتهابات والمشكلات الطبية الأخرى.

أما على المستوى النفسي، فهي تعيش في حال من الخوف، لأنها لم تُمنح إذناً بالإقامة في البلاد إلى أجل غير محدد (إقامة دائمة)، ولا تستطيع التواصل باللغة الإنجليزية، كما أنه لا يوجد أي تواصل مع عائلتها. وخلال فترة الإغلاق، أصبحت سجينة، وكانت خائفة جداً من أن تغادر المنزل لأنه لم يكن لديها مكان آخر تلجأ إليه، ولم تتمكن تالياً من الاتصال بخدمات الدعم لأنها لا تجيد الإنجليزية، ولم تكن تعرف كيف تطلب هذا الدعم. في تلك الأثناء، كان السلوك المسيطر لشريكها يزداد حدة، ومع تخفيف إجراءات الإغلاق بدأ يشعر بأن تحكمه بها أصبح مهدداً، مما أدى إلى تصعيد معاملته القهرية لها وعنفه، إلى أن بلغ ذروته وتسبب في دخولها إلى المستشفى. ولم تدرك السلطات حدوث تلك الانتهاكات إلا بعد دخولها للاستشفاء.

ونشأت في المملكة المتحدة مبادرة خاصة تُعنى بحماية تلك اللاجئات تحت مسمى The Step Up Migrant Women UK (SUMW). هذه المبادرة التي يتشارك فيها ائتلافٌ من أكثر من 50 منظمة، تعمل وتدعو إلى دعم هذه الفئة من النساء اللواتي يعانين سوء المعاملة والعنف، ومساعدتهن على التماس الحماية. وبما أن وضع الهجرة غير الآمن يمكن أن يشكل أداة تحكم قد يستخدمها الجناة للإمعان في سوء معاملة شركائهن وتهديدهن بالترحيل، فقد دعا هذا الائتلاف إلى إدخال تعديلات على "مشروع قانون العنف المنزلي" Domestic Abuse Bill لحماية بعض النساء الأكثر تهميشاً وضعفاً في المجتمع.

لكن ماذا يحدث عندما يكون أفراد الشرطة هم الطرف المعتدي؟ أخبار "القناة الرابعة" البريطانية Channel 4  أفادت بأنه في كل أسبوع، تبلغ امرأة عن شريك لها ينتمي إلى قوة الشرطة بسبب قيامه باعتداء بالغ عليها أو على أطفالها، لكن الشكوى الكبرى التي قدمها "مركز العدالة للنساء" Centre for Women’s Justice كشفت عن فجوة قائمة في عدم معالجة حالات العنف المنزلي المرتكبة من جانب عناصر الشرطة. وعلى الرغم من أن التقرير لم يحدد الانتهاكات المرتكبة ضد نساء من أصول أفريقية ومن أقليات عرقية أخرى، فإن هذا لا يعني أنها لا تحدث، بل أن هؤلاء النساء لم يملكن الشجاعة الكافية للإبلاغ عنها.

وفي التقرير الذي بثته "القناة الرابعة"، وصف قائد سابق في الشرطة ارتكابات العنف المنزلي التي قام بها أفراد من الشرطة بأنها "وباء" متفش في مفاصل هذه القوى. وإضافة إلى ذلك، تواجه النساء المهاجرات مخاوف إضافية تتعلق بتهديدهن بالاحتجاز أو بترحيلهن أو بالوقوع في العوز إذا ما قمن بالاتصال بالشرطة، إلى جانب الخوف من استبعادهن من حقهن في الحماية والسكن والرعاية الاجتماعية.

إن الحادثة المأساوية الأخيرة التي تعرضت لها السيدة عبيدة كريم من باكستان، البالغة من العمر 39 عاماً والتي قُتلت على يد زوجها خلال فترة الجائحة بعد معاناتها لأعوام من سوء المعاملة، لا بد أنها ما زالت تقض مضاجع كثيرين. وقد تحدثت ابنتها ريا لـ "بي بي سي" كيف نشأت وهي ترى والدها ينهال بالضرب على والدتها. وقالت إن أمها لم تكن تعرف أي شخص آخر في المملكة المتحدة، وإن أباها كان يقول لها "إذا تركتني فلن يمكنك أن تصلي إلى أي مكان من دوني". 

الجائحة أسهمت في ترسيخ جذور عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية والهيكلية التي كانت قائمة من قبل، وفي تعميقها. ومن المرجح، بحسب الإحصاءات الواردة أن النساء المنتميات إلى أصول أفريقية وآسيوية وأقليات عرقية أخرى، هن أكثر عرضة للمعاناة من الفقر والحرمان الاقتصادي. من هنا، فإن العنف الأسري بات يشكل هو الآخر قضية اجتماعية، إذ إن بعض النساء المهاجرات اللواتي فقدن عملهن أثناء  الجائحة، ولا يمكنهن اللجوء إلى الأموال العامة، كن مرغمات على الاعتماد مالياً على شركائهن الذين يمارسون العنف ضدهن.

وتشير منظمة Women’s Aid  إلى أن النساء من أصول أفريقية وآسيوية ومن أقليات عرقية أخرى، واللواتي يحاولن الهرب من العنف المنزلي، قد يتعرضن أيضاً للإساءة من أقارب آخرين ضمن الأسرة. يُضاف إلى ذلك المخاوف التي تدفع بمزودي خدمات الدعم إلى تحاشي التدخل، خشية أن يعتبر الطرف المعتدي ذلك عملاً عنصرياً. 

وإذا ما بدا، في ظل تخفيف إجراءات الإغلاق، أن المسائل الحساسة السابقة بدأت تخمد، فينبغي ألا نفترض أن الخطر لم يعد قائماً. ويتعين علينا بدلاً من ذلك أن نحافظ على الحوار مع الأفراد المتأثرين بالإساءة، وأن نطرح أسئلة صريحة عليهم ونطمئن المعرضين منهم للخطر.

من المهم جداً مع تخفيف تلك القيود، ألا تنسى منظمات الصحة العامة لدينا والجهات التي تعمل مع ضحايا العنف والقهر، نساء مثل عبيدة.

يمكن لأي شخص يحتاج للمساعدة أو للدعم، الاتصال بـ "الخط الوطني لمساعدة ضحايا العنف الأسري" National Domestic Abuse Helpline ، وهو مفتوح يومياً طيلة أيام الأسبوع السبعة، وعلى مدى 365 يوماً في السنة: 0808 2000 247 ، أو يمكن التواصل عبر الموقع الإلكتروني الخاص:  nationaldahelpline.org.uk

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء