انتقل الحراك الشعبي في الجزائر إلى صيغة من "الإجماع" حول شخصية أحمد طالب الإبراهيمي، بعد 11 جمعة شهدت فيها العاصمة ومعظم المحافظات الجزائرية، مسيرات مليونية من دون أن ترفع "ممثلاً" عنها، واقتنع الحراك بشكل "عفوي" بضرورة تقديم شخصية لقيادة "المرحلة الانتقالية" دفعاً لتهمة "غياب ممثلين عن الحراك" لأكثر من شهرين ونصف الشهر.
وبشكل واضح، تكررت الهتافات في أكثر من محافظة في المسيرات رقم 11، باسم أحمد طالب الإبراهيمي، وهو وزير خارجية أسبق، اعتزل السياسة منذ عقدين من الزمن، انسحب من السباق الرئاسي عام 1999 برفقة خمسة منافسين آخرين، بحجة "النتائج المسبقة" لمصلحة المرشح الحر حينها عبد العزيز بوتفليقة.
إجماع على "أحمد طالب الإبراهيمي"
بمرور الجمعات، باتت ممكنة ملاحظة تقلص خيارات الجزائريين في شخصيات تقود "المرحلة الانتقالية"، وبات اسم أحمد طالب الإبراهيمي، الأكثر تداولاً ورفعاً في الشعارات، فقد رفع آلاف المشاركين في مسيرات الجمعة الـ 11 من الحراك الشعبي السلمي بمدينة قالمة (500 كيلومتر شرق العاصمة)، مطلب تولية الدكتور الإبراهيمي نجل العلامة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين)، لمرحلة انتقالية، ورحيل بن صالح وبدوي وجميع بقايا نظام بوتفليقة.
ورفع المشاركون في المسيرات صوراً للمرحوم البشير الإبراهيمي وأخرى للدكتور طالب نجله، كما أرفقوها بصور للراحل هواري بومدين عبر مسار المسيرة السلمية.
وتردد اسم الإبراهيمي، في أكثر من مسيرة في محافظات شرقية، غربية وجنوبية، إذ يصر الحراك على "مرحلة انتقالية" تقودها هذه الشخصية مع تعطيل المسار الانتخابي المؤدي لرئاسيات الرابع من يوليو (تموز) المقبل، وعلى النقيض، تصر المؤسسة العسكرية على وصف المرحلة الانتقالية بالشكل الحالي، أي خارج نص الدستور بـ "المؤدية إلى الفوضى".
خيارات متاحة أمام الجيش
وبقدر ما تستميت المؤسسة العسكرية في رفض المقترح القائل بـ "مرحلة انتقالية" على أساس خارج نص الدستور، بقدر ما يستميت الشارع في المطالبة به، وقدمت شعارات في محافظة "البليدة" حلاً وسطاً بين الشارع والمؤسسة العسكرية يؤدي إلى النتيجة نفسها، مقترحين تولية أحمد طالب الإبراهيمي، منصب رئيس المجلس الدستوري، ثم إعلان استقالة بن صالح، ما يعني توليه تلقائياً رئاسة الدولة، ويومها يشكل حكومة جديدة بعد استقالة حكومة نور الدين بدوي.
الإبراهيمي اعتزل السياسة
قبل أيام، أعلن رئيس حزب الحرية والعدالة محمد السعيد، الذي يعتبر أكثر الشخصيات السياسية قرباً من أحمد طالب الإبراهيمي، أن الأخير تلقى دعوة من رئاسة الجمهورية، للمشاركة في ندوة المشاورات التي دعا إليها عبد القادر بن صالح، رئيس الدولة. وقال محمد السعيد إن "الإبراهيمي رفض الاستجابة لها".
واختفى الإبراهيمي (87 سنة) عن النشاط السياسي العلني عام 1999، لكنه حاول العودة لممارسة العمل السياسي، عام 2004، حين رفض المجلس الدستوري ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية، بسبب عدم اكتمال الملف، ويرتبط الإبراهيمي بحزب الحرية والعدالة، الذي تأسس عام 2012، لارتباطه بحزب الوفاء، الذي أسّسه نجل البشير الإبراهيمي برفقة وزير الاتصال السابق محمد السعيد عام 2000.
ورفضت السلطات منحه الاعتماد للنشاط، واتهمت السلطات حينها، بعض المؤسسين في الحزب، بأنهم محسوبون على "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحلولة، وفقاً لتصريح وزير الداخلية آنذاك، محمد يزيد زرهوني، الذي قال إن من أعضاء المجلس الوطني من شارك في هجوم "قمار" بمحافظة وادي سوف، والذي يعد أول عمل إرهابي شهدته الجزائر مطلع التسعينات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خيبة أمل
وخاب أمل الإبراهيمي في بلوغ طموح الرئاسة مرتين، الأولى عام 1999، في ما يعرف بالانسحاب الجماعي للمترشحين الستة عشية الموعد الانتخابي، والمرة الثانية عام 2004 عندما رُفض ملف ترشحه من قبل المجلس الدستوري. ولم يبد أحمد طالب الإبراهيمي رأياً علنياً من الحراك، إذ يواصل الاعتكاف في منزله بدعوى "المرض"، لكن مقربين منه يقولون إن الرجل "يحافظ على مبادئه" من الحريات العامة، وإنه يدعم المترشح المشترك للمعارضة إن حصل الاتفاق بشأنه، لكنه أكد بالمقابل أنه "معتزل السياسة".
وقال الإبراهيمي الذي يصنف في خانة "الصامتين الكبار" بعد لقاء جمعه بزعيم جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله، في إطار المشاورات القائمة بين مختلف أطيافها، "أنا تركت السياسة نهائياً عام 2005، وأنا أعتني بوضعي الصحي لا غير"، وقال إنه "سيقدم النصيحة فقط، وفكرة المرشح المشترك فكرة إيجابية"، وبخصوص إمكانية دعمه لمرشح توافقي، إذا حصل توافق فعلي حول اسم فلمَ لا".
أحمد بيتور لخلافة بدوي
كما توضح الإجماع على المستوى الشعبي، حول الشخصية المثلى لتولي رئاسة الحكومة، ويطرح اسم أحمد بن بيتور، من دون غيره، في المسيرات الأخيرة، وتولى بن بيتور رئاسة أول حكومة شكلها الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، في ديسمبر (كانون الأول) عام 1999 بعدما ورث حكومة إسماعيل حمداني عن الرئيس الذي سبقه ليامين زروال، وقبل ذلك، تقلد منصب وزير الخزينة في حكومة مقداد سيفي بين عامي 1994 و1995، وبعد رحيله عن الحكومة عام 2000 خلفه علي بن فليس، كما أنه ترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2014.
واستقال أحمد بن بيتور من رئاسة الحكومة، وسبق وسرد لـ "اندبندنت عربية" سر خلافه مع بوتفليقة قائلاً "اكتشفت بعد أيام من رئاستي الحكومة أن بوتفليقة لا يرضى بصاحب قرار غيره، ولو كان ذلك من صلاحياتي كرئيس حكومة"، ويضيف "اكتشفت قرارات وقوانين عدة تعد خارج دائرة علمي"، لذلك "قررت الاستقالة وأخبرته بذلك لكنه رفض شفهياً، وكان يريد أن يقيلني لأنه شخصية لا تقبل أن يستقيل أحد خارج رغبتها".
مصطفى بوشاشي حقوقي يتعرض لـ "التشويه"
وبين الشخصيات التي يرافع الحراك لها، الحقوقي مصطفى بوشاشي، وهو محامٍ وناشط حقوقي، تولى في فترة سابقة رئاسة الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، ويدافع بوشاشي عن الحريات الأساسية الفردية والجماعية، وعلى الرغم من أن رأيه من مقترحات المؤسسة العسكرية تبدو "عقلانية"، إلا أن الرجل يتعرض لحملة "تشويه" كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بصفته أحد "عملاء فرنسا" والداعين لـ "التخلي عن المبادئ الأساسية لهوية الجزائريين".
خريطة طريق
ويطرح اسم بوشاشي لرئاسة المجلس الدستوري، في المرحلة الانتقالية التي قد تكون ضمن إطار دستوري، على أساس خريطة طريق، تقوم على تعيين طالب الإبراهيمي، رئيساً للمجلس الدستوري أولاً، قبل استقالة بن صالح، لينوب عنه تلقائياً طالب الإبراهيمي، ثم يعين الأخير أحمد بن بيتور رئيساً للحكومة، وبوشاشي (أو غيره) رئيساً للمجلس الدستوري.
ويقدم الحراك هذه الخريطة، كخيار وسطي، بين المؤسسة العسكرية والأطراف التي ترفع مطالب "تعجيزية"، كما قال الجيش في خطاب سابق لرئيس الأركان الفريق أحمد قايد صالح، بمعنى خريطة طريق "انتقالية" ضمن "المسار الدستوري" نفسه، ويتوقع مراقبون أن يشهد الأسبوع الجاري قرارات جديدة، إذ لم تحدث أية تغييرات عميقة منذ الجمعة التاسعة، حيث يستمر الوضع ببقاء بن صالح رئيساً للدولة وبدوي وزيراً أول.