عقد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب دورة غير عادية يوم الثلاثاء 11 مايو (أيار) الحالي، بناءً على طلب دولة فلسطين وتأييد الدول الأعضاء، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، لبحث التحرك العربي والدولي لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على حياة ومقدسات الشعب الفلسطيني في القدس، بما فيها ما يجري حالياً من تحركات إسرائيلية تستهدف تهجير أبناء الشعب الفلسطيني في حيّ الشيخ جراح في مدينة القدس.
وطالب وزراء الخارجية العرب في قرارهم رقم 8660 الصادر عن الاجتماع الوزاري، المحكمة الجنائية الدولية بالمُضي قدماً بالتحقيق الجنائي في "جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية" التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، بما في ذلك، تهجير عائلات من بيوتهم في حيّ الشيخ جراح وبقية المناطق والأحياء المحتلة، ودعوة المحكمة إلى توفير كل الإمكانات المادية والبشرية لهذا التحقيق ومنحه الأولوية اللازمة.
كما دان المجلس بشدة في القرار الصادر في ختام أعمال الدورة غير العادية التي عُقدت برئاسة قطر، "المخططات للاستيلاء على منازل المواطنين المقدسيين، بخاصة في حيّ الشيخ جراح في محاولة لتفريغ المدينة المقدسة من سكانها وتهجير أهلها، والجرائم التي ترتكبها القوات الإسرائيلة بحق المصلين المسلمين العُزّل في المسجد الأقصى، والتي تصاعدت على نحو خطير خلال الأيام الماضية من شهر رمضان، وأدّت إلى وقوع عشرات الإصابات والاعتقالات في صفوف المصلين، وإلى اقتحام وتدنيس قدسية المسجد الأقصى". وحذّر القرار من أن هذه "الاعتداءات والجرائم تُعتبر استفزازاً صارخاً لمشاعر المؤمنين في كل مكان، وتنذر بإشعال دوامة من العنف تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم"، مع "الإدانة الشديدة لتقويض السلطات الإسرائيلية حرّية العبادة في المواقع المقدسة الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، بما في ذلك الاعتداء على المصلين المسيحيين العُزّل في كنيسة القيامة خلال مناسباتهم الدينية".
وحمّل وزراء الخارجية العرب إسرائيل مسؤولية ما ينتج من تلك الإجراءات التي تشكّل انتهاكات فاضحة لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. وطالب الوزراء العرب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المتخصصة، بما في ذلك مجلس الأمن، بـ"تحمّل المسؤوليات القانونية والأخلاقية والإنسانية من أجل الوقف الفوري لهذا العدوان الإسرائيلي، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني والحفاظ على حقه في حرية العبادة، وحفظ الأمن والسلم في المنطقة والعالم".
كما أكد مجلس الجامعة العربية عزم الدول الأعضاء على اتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة على جميع الصعد والمستويات، بما في ذلك "إطلاق تحرك دبلوماسي مكثف، من خلال الرسائل والاتصالات واللقاءات الثنائية، من أجل حماية مدينة القدس والدفاع عن مقدساتها الإسلامية والمسيحية، ودعم حقوق أهلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية".
لجنة وزارية عربية
كما قرر المجلس تشكيل لجنة وزراية عربية لمتابعة التحرك العربي ضد السياسات والإجراءات الإسرائيلية غير القانونية في مدينة القدس المحتلة، والتواصل بهذا الشأن مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وغيرها من الدول المؤثرة دولياً، لحضّها على اتخاذ خطوات عملية لوقف السياسات والإجراءات الإسرائيلية غير القانونية، على أن تتكوّن اللجنة من الدول الأعضاء التالية: رئاسة المجلس الوزاري- قطر، ورئاسة القمة العربية- تونس، وفلسطين، والأردن، ومصر، والسعودية، والمغرب إضافة إلى الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط.
كما دان المجتمعون بشدة "العدوان الواسع للاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في كل أرجاء الأرض الفلسطينية المحتلة، تحديداً القصف الهمجي الذي تعمّد استهداف المدنيين في قطاع غزة المحاصر واستخدام القوة المفرطة ضدهم، ما أدى إلى قتل وجرح عدد كبير من الأطفال والمدنيين الأبرياء"، ودعوا "المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل على كل الصعد، للجم استهتار الاحتلال الإسرائيلي المتكرر بحياة المدنيين الفلسطينيين، والعمل على وقف هذا العدوان ومنع تكراره".
كما كلّف المجلس، المجموعات العربية في الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان و"يونيسكو"، مباشرة المشاورات والإجراءات اللازمة، كل في مكانه، لمواجهة ووقف الاعتداءات والسياسات الإسرائيلية الممنهجة في مدينة القدس المحتلة.
الأردن هو الجهة الوحيدة المخوّلة إدارة شؤون الأقصى
وأكد الوزراء العرب "أهمية الوصاية الهاشمية التاريخية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، ودورها في حماية هذه المقدسات والوضع القانوني والتاريخي القائم فيها، وفي الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية والمسيحية لهذه المقدسات". وشددوا على أن "إدارة أوقاف القدس والمسجد الأقصى الأردنية هي الجهة الوحيدة المخوّلة إدارة جميع شؤون المسجد الأقصى والحرم القدسي".
وقرّر وزراء الخارجية العرب إبقاء المجلس في حالة انعقاد دائم لمتابعة تطورات المخططات العدوانية الإسرائيلية، وتكليف الأمين العام اتخاذ اللازم لمتابعة تنفيذ هذا القرار وتقديم تقرير بذلك للدورة المقبلة للمجلس.
جرس إنذار
من جانبه، دعا أبو الغيط مجلس الأمن إلى تحمّل مسؤولياته حيال الانتهاك الصارخ لقراره 2334 (لعام 2016) وغيره من القرارات الدولية، وأن "تعمل القوى المؤمنة بالتسوية السلمية كافة على وقف هذه الهجمة الاستيطانية الشرسة التي تهدد بتفجير الوضع في القدس، وفي الأراضي المحتلة بوجه عام".
وقال أبو الغيط في كلمته إن "ما يجري في القدس والأراضي المحتلة جرس إنذار يتوجب التنبّه إلى دلالاته، فلم يعُد بالإمكان الاطمئنان لاستمرار الوضع القائم أو استدامة الاحتلال ومظاهره المشينة"، مشيراً إلى أن "الهدف من الاجتماع الوزاري اليوم (الثلاثاء) ليس فقط إدانة ما يجري في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة بوجه عام، إنما لإيصال رسالة واضحة للعالم بأن الوضع في فلسطين غير قابل للاستمرار على هذا النحو، وأن الهدوء -الذي طالما ادّعى الاحتلال وجوده- ليس إلا هدوء على السطح، يُخفي تحته عناصر لانفجار وتصعيد لن تقف آثاره عند حدود المنطقة".
وحضّ أبو الغيط الرباعية الدولية على تحمّل مسؤولياتها، "إذ إنه من دون أفق للتسوية السياسية أو تحرّك جاد نحو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، ستظل هذه القضية رهينةً لأجندة اليمين الإسرائيلي، وسيسيطر المتطرفون والمستوطنون على المشهد ويحددون الاتجاه بكل ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر". وقال "لا أبالغ إن قُلت إنها تهدد السلم الدولي".
وشدد على أن "هذه السياسات المتهورة والإجراءات المخالفة بالكلية للقانون الدولي الإنساني الذي كفلت نصوصه حرية إقامة الشعائر الدينية والوصول إلى الأماكن المقدسة تأتي في سياقٍ لا تخطئه عين يستهدف الاستئثار بالقدس والتحكم في دخول الفلسطينيين إلى الأقصى، فيما تمنح -على الجانب الآخر- الجماعات اليهودية المتطرفة حق الدخول إلى باحات الأقصى في زيارات استفزازية واستعراضية".
القدس خط أحمر
من جانبه، قال وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي إن "القدس خط أحمر ولن نسمح بتخطّيه وهي لأهلها ومرابطيها وعاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة"، مشدداً على أن "الاعتداء على الأقصى المبارك ليس الأول ولن يكون الأخير". وأضاف أن "إسرائيل اعتقدت أن قرارها بضمّ القدس الشرقية واعتبارها جزءًا من القدس الموحدة كعاصمة أبدية، سيجبر الفلسطينيين على التنازل عن قدسهم وعاصمتهم، وأن سياستها العنصرية بحق المقدسيين وإجراءاتها القمعية وجرائمها الفاشية، ستجبر المقدسيين على الاستسلام وترك مدينتهم وقدسهم ومقدساتهم".
وتابع المالكي "من الواضح تماماً أن نتنياهو أيضاً يحارب من أجل بقائه مستغلاً معركة القدس، فهو يهدف إلى مزيد من التصعيد في المدينة لمآربه الخاصة وأمام إمكانية محاكمته وعزله عن العمل السياسي وأمام فشله في تشكيل حكومته، يدفع إلى صرف الانتباه عن ذلك والدفع إلى تصعيد سيؤدي حتماً إلى حرب دينية، تبقيه في سلّم الرئاسة وتمنع عنه محاكماته الكثيرة. ويجب أن نمنع نتنياهو من جرّنا إلى هذه الحرب الدينية، ويجب تحميله وتحميل إسرائيل كامل المسؤولية عما يحدث حالياً وما يُرتكب من جرائم بحق الفلسطينيين. كما يجب إجبار وإلزام تل أبيب احترام الوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى، ويجب أن تعترف أن القدس الشرقية هي جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة وأن تلتزم مسؤولياتها كسلطة احتلال بموجب القانون الدولي".
ودعا المالكي المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته وأن "يحمّل اسرائيل المسؤولية عن جرائمها بحق الشعب الفلسطيني".
وأكد أن القدس الشرقية هي جزء أساس من دولة فلسطين المحتلة وعاصمتها الأبدية انسجاماً مع قرارات الأمم المتحدة، تحديداً مجلس الأمن، مردفاً "انطلاقاً من الصياغات القانونية والتاريخية، فإن المسجد الأقصى ومحيطه يُسمّى بالحرم الشريف وليس جبل الهيكل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مصر تدعو إلى وقف التصعيد
كذلك، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري في كلمته أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب الطارئ أن "الانتهاكات الإسرائيلية لم تتوقف عند أسوار المسجد الأقصى، بل تخطّتها ووصلت إلى حيّ الشيخ جراح الذي بات عنواناً للصمود ومرادفاً للكرامة، فالمحاولات المستمرة لتغيير هوية القدس وحرمان أهلها العرب من حقوقهم، لم تكُن لتمرّ مرور الكرام، لذا لم يكن مستغرباً ما رأيناه من أهل القدس الذين يخوضون معركة دفاع عن الهوية والوجود يتردد صداها في كل جنبات العالم الحر، وينظر إليها كل عربي بفخر واعتزاز. ولعل في هذا الالتفاف وراء أهل القدس في هذه الأيام العصيبة، ما ينفي تماماً أي مقولات تدّعي أن الشعوب العربية لم تعُد تهتم بالقضية الفلسطينية، كما أن في اجتماعنا اليوم في بيت العرب، ما يدحض هذا الادعاء".
وأشار شكري إلى أن "الاهتمام العربي – شعبياً ورسمياً – بما يحدث في القدس، لهو أكبر رسالة تؤكد أن فلسطين كانت وستظل هي قضية العرب المركزية".
وأوضح أن "مصر تعلن رفضها التام واستنكارها لتلك الممارسات الإسرائيلية الغاشمة، وتعتبرها انتهاكاً للقانون الدولي، وتقويضاً لفرص التوصّل إلى حل الدولتين، وتهديداً جسيماً لركائز الأمن والاستقرار في المنطقة". وأضاف أن "القاهرة نقلت رسائل إلى إسرائيل وكل الدول الفاعلة والمعنية لحضّها على بذل ما يمكن من جهود لمنع تدهور الأوضاع في القدس، غير أننا لم نجد الصدى اللازم، وما زالت مصر تجري اتصالاتها المكثفة مع كل الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة من أجل ضمان تهدئة الأوضاع في القدس".
كما طالبت مصر السلطات الإسرائيلية "بوقف أي ممارسات تنتهك حرمة المسجد الأقصى وشهر رمضان، أو تستهدف الهوية العربية لمدينة القدس ومقدساتها، أو تسعى إلى تهجير أهلها، بخاصة في حيّ الشيخ جراح".
الوضع خطير في القدس
في السياق، أكد سفير فلسطين في القاهرة ومندوبها لجامعة الدول العربية دياب اللوح لـ"اندبندنت عربية"، أنهم يعوّلون كثيراً على "هذه التحركات السياسية والدبلوماسية، وعلى هذه الاجتماعات، بخاصة اجتماع مجلس جامعة الدول العربية واللقاءات على المستوى العربي أو الإسلامي أو الدولي وعلى مستوى مجلس الأمن أو أي مؤسسات أخرى، التي تشكّل دعماً للموقف الفلسطيني في مواجهة المخططات الإسرائيلية في مدينة القدس وأنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة".
وشدد على "أهمية اللحظة التاريخية التي تمر بها مدينة القدس وخطورة ما تتعرّض له المدينة المقدسة من مخططات إسرائيلية تستهدف تصفية الوجود الفلسطيني فيها والمسجد الأقصى وتستهدف تهجيراً قصرياً لمئات المواطنين من بيوتهم في حيّ الشيخ جراح".