Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا ينبغي إسناد مهمة تحقيق الحرية القومية لشعبويين وغوغائيين

القومية الشعبوية هي روح العصر التي لم يستطع خصومها أن يفهموها على الإطلاق، الأمر الذي جعلهم يفشلون في محاربتها

"لم يكن "كوفيد وكوربين" هما سبب الهزيمة الكاسحة التي كانت من نصيب حزب العمال في هارتليبول" (أ ب)

كان إرسال الأسطول الملكي البريطاني إلى جزيرة جيرسي لمواجهة الفرنسيين بمثابة المقدمة الملائمة للانتخابات في بريطانيا التي تهيمن عليها قومية شعبوية بأنواع شتى. وقد وعد بوريس جونسون بـ "دعم لا يتزعزع" لحكومة الجزيرة، وهو وعد قد تجد أنه لا يبعث على قدر كاف من الاطمئنان.

يقرع الرئيس ماكرون، في باريس، بشكل مماثل طبول الوطنية، مستغلاً الذكرى المئوية الثانية لوفاة نابليون بونابرت كي يثني على "الطفل من أجاكسيو الذي صار سيداً لأوروبا". وفي محاولة فظة لخطف أصوات ناخبي جناح اليمين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، أشاد ماكرون بحياة الديكتاتور كما لو كانت "مغناة لقوة الإرادة "، مع أن نابليون قد ترك بلاده أضعف وأصغر عند رحيله مما كانت عليه حين وصول إلى السلطة.

إن أفعال جونسون وكلمات ماكرون تثير أحاسيس زائفة، لكن حقيقة أنهما يفعلان ويقولان هذه الأشياء، تبين في حد ذاتها أنهما يعترفان بأن القومية التي أُعيد تنشطيها قد أضحت الحامل الرئيس للمعتقدات السياسية والثقافية والاقتصادية والعرقية. وتختلف نسبة تمازج هذه العناصر من بلد إلى بلد آخر اختلافاً كبيراً، لكن في السنوات العشر الأخيرة، صارت القومية الشعبوية أشبه بالعلامة التجارية العالمية التي تفوق كل شيء آخر من حيث الرواج.

إنها "تزايتغايست"، روح العصر التي جهد خصومها من دون جدوى للعثور على الترياق المناسب للقضاء على سمومها. ويتجلى فشل حزب العمال المتواصل في القيام بذلك من خلال الانتصار الساحق الذي حققه حزب المحافظين في انتخابات هارتليبول الاستثنائية. لقد استمر ناخبو حزب العمال الذين هجروه في 2016 لكي يؤيدوا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، في النأي بأنفسهم عنه. وأظهرت استطلاعات الرأي أن أنصار الخروج لم يكونوا مستعدين للعودة إلى حزب العمال حتى في الفترة التي شهدت أسوأ حالات إساءة التقدير من جانب جونسون بشأن "كوفيد -19".

قد يحاول حزب العمال أن يقلل من شأن "بريكست" ويتجنب مناقشة ما يمكن أن يُسمى "المسألة الوطنية" في السياسة البريطانية، بيد أن القضية ستبقى حاضرة ولن تختفي. ربما كان من الأفضل بكثير للحزب أن يقبل أن السعي إلى الحصول على حق تقرير المصير هو واحد من القوى الدافعة في العالم الحديث وليس من الممكن التعامل معها كما لو كانت حادثة مشؤومة.

لم تعد الهوية المجتمعية ضاربة الجذور في الطبقة الاجتماعية بالقدر الذي كانت عليه في أي وقت مضى، بل صارت الآن نتاج الانقسام الذي يزداد عمقاً بين المناطق الحضرية المزدهرة وبين المناطق التي تخلفت عن الركب، ويتزامن الانقسام الجغرافي جزئياً مع الصراع المتنامي بين المتعلمين وغير المتعلمين من جهة، وبين الشبان والكبار في السن من جهة ثانية.

ربطت القومية الشعبوية نفسها بهذه الفروق، لكنها أضافت أيضاً فروقاً أخرى أكثر خطورة إلى ترسانة أسلحتها السياسية. وهي بدأت تأخذ شكلها النهائي كصيغة تساعد على الفوز بالسلطة والاحتفاظ بها، أول الأمر قبل حوالي 25 سنة، على الرغم من أن أكبر انتصاراتها عموماً قد تحققت في أوقات ليست بعيدة بهذا القدر. وكنت قد شهدت للمرة الأولى كيف استُعملت القومية الشعبوية بنجاح حين تابعت توظيف بنيامين نتنياهو لها عند انتخابه في العام 1996 رئيساً لوزراء إسرائيل، وهو منصب لايزال يحتله مع أنه غادره أحياناً وعلى الرغم من مزاعم الفساد التي لاحقته على الدوام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان هناك كثيرون ممن قلدوا رئيس الوزراء الإسرائيلي على مر السنين، وخصوصاً في الأعوام الأخيرة، وهم سياسيون موزعون من البرازيل إلى الفليبين، ومن تركيا إلى الهند، ممن يزعمون أنهم يعيدون تأكيد قوة دولتهم القومية. وهم يصورونها عرضة للتهديدات والأخطار الآتية من كل حدب وصوب، وغالباً ما ينطوي ذلك على شيطنة أقليات محلية مثل الفلسطينيين في إسرائيل، والمسلمين في فرنسا، والسود والمهاجرين في أميركا، والأكراد في تركيا.

وعادة ما يكون هناك نوع من عبادة الفرد في هذا النوع من الأنظمة، وأتباع ينسبون قوى سحرية لقادة من أمثال دونالد ترمب في أميركا، ولناريندرا مودي في الهند، ورجب طيب إردوغان في تركيا، ولسوء الحظ فإن قائمة الأسماء طويلة إلى حد يتعذر معه ذكرها كلها.

وتسمى هذا الظاهرة أحياناً "شعبوية- البلوتو"، باعتبار أن هناك دائماً نواة من أشخاص من نوع البلوتوقراط (مفرطي الثراء) يحاولون الترويج لنجاح الحركة واستغلالها. وتأتي الفوائد التي يجنونها من ذلك على شكل ضرائب أقل، وتنظيم أقل صرامة للأعمال التجارية، وعقود مربحة، فيما يتم تهميش الجزء الشعبوي والراديكالي اجتماعياً من برنامجهم ونسيانه. هكذا سرعان ما حقّق ترمب لأنصاره الأثرياء ما يريدونه بشأن الضرائب واللوائح التنظيمية، لكنه أهمل وعوده المتعلقة بإعادة بناء البنية التحتية الأميركية والعودة إلى الوظائف الصناعية ذات الأجر الجيد، وكل هذا لم يحصل على الإطلاق.

يمكن لتصاعد مدّ القومية الشعبوية في أنحاء العالم كلها أن يعطي الانطباع بأنها أشبه بمدحاة تمضي أبداً إلى الأمام ولا يقف في وجهها شيء. ومع ذلك، فإن نجاح القادة الذين ينفثون السم غالباً ما جاء نتيجة لعدم الكفاءة المذهل لخصومهم والانقسامات الحادة التي يعانون منها. وقد صرح دونالد ترمب مراراً أنه لم يكن ليُنتخب لو أن هيلاري كلينتون لم تشن أسوأ حملة انتخابات رئاسية عرفها التاريخ الأميركي.

ربما كانت النسخة البريطانية من القومية الشعبوية أقل عنفاً وخزياً من نظيراتها في أمكنة أخرى، إلا أنها تشاطرها العديد من خصائصها.

لم يكن "كوفيد وكوربين" هما سبب الهزيمة الكاسحة التي كانت من نصيب حزب العمال في هارتليبول وأماكن أخرى، كما أعلن اللورد بيتر ماندلسون، وهو وزير سابق في عهد توني بلير، بل تعود الهزيمة إلى تداعيات "بريكست" على المدى الطويل التي دمرت التحالفات التقدمية التي اعتمد عليها حزب العمال. ولم يكن "بريكست" نفسه إلا أحد الأعراض لمدى تبني كل قضية سياسية مهمة للغاية حالياً شكلاً قومياً أو أنها تتمتع بجانب قومي مهم. وكان التصويت لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبالتالي لنسخة محددة من القومية الإنجليزية، من قبل ناخبي حزب العمال السابقين في مناطق فاليز الويلزية و الشمال الشرقي الصناعي، قد بدأ كتصويت احتجاجي ضد الوضع السياسي والاجتماعي الراهن، لكنه سرعان ما صار جزءاً من هوية أولئك الناخبين. وإن عكس نتائج التصويت التي تمخض عنها الاستفتاء لم يكن ليصبح ممكناً على الإطلاق، وأدت المحاولات الرامية لقلبها رأساً على عقب فقط إلى إثارة رد فعل قوي.

ليس الاتجاه القومي – الشعبوي حتمياً لا يمكن قلبه رأساً على عقب، ولكن من الصعب دفعه في الاتجاه المعاكس. لقد خسر ترمب البيت الأبيض، ولو بفارق بسيط، فقط بسبب إساءة تعامله مع جائحة "كوفيد- 19" على نحو فظيع. وعلى النقيض من ذلك، يستفيد جونسون وحزب المحافظين من الادعاء المريب بأن الفضل كله يعود إليهم لنجاح برنامج اللقاحات، على الرغم من أن هذا النجاح تحقق بسبب جودة العلوم البريطانية و"خدمات الصحة الوطنية" أيضاً.

لم يستوعب حزب العمال، وغيره من خصوم القومية الاجتماعية، على الإطلاق نقاط قوتها وضعفها في إنجلترا واسكتلندا. كان ينبغي عدم النظر إليها على أنها واحدة من حيل التاريخ القذرة أو أنها مرحلة مخربة لكنها مؤقتة. إن السعي لتحقيق الحرية القومية ونيل حق تقرير المصير، هو واحد من القوى التقدمية العظيمة في العالم ولم يكن ينبغي إسناده بخنوع إلى ديماغوجيي الجناح اليميني كحامل لمعتقداتهم السامة.  

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء