بعد نحو ثلاثة أيام من إعلان مجلس صيانة الدستور في النظام الإيراني عن عدم إقرار قانون الانتخابات الجديد الذي كان يناقش في البرلمان، وأن الانتخابات الرئاسية المقبلة في 18 يونيو (حزيران) ستجري بناء على القانون القديم أو المعمول به في الانتخابات الأخيرة، عاد ليصدر تعميماً وجهه لوزارة الداخلية الإيرانية المسؤولة عن تسجيل أسماء مرشحي الانتخابات، ضمّنه مجموعة من الشروط المطلوبة في أي مرشح للانتخابات الرئاسية.
التوجيهات التي أصدرها مجلس صيانة الدستور تطلب من الداخلية عدم تسجيل أسماء المرشحين إلا الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و75 سنة، إضافة إلى كل من سبق أن تم رفضه للترشح للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية في سنوات سابقة، إلى جانب كل من لديه إدانة قضائية سابقة وصدر بحقه حكم قضائي أو سجن لقضية جزائية أو جرمية أو سياسية. وأن يكون المرشح حائزاً شهادة جامعية على الأقل دراسات عليا، وأن يكون قد تولى منصباً قيادياً أو وزارياً أو نيابياً أو كان برتبة فريق في القوات المسلحة.
ويأتي قرار مجلس صيانة الدستور في وقت ترتفع فيه حدة معركة الانتخابات الرئاسية بين القوى السياسية الإصلاحية والمحافظة، سواء داخل صفوف هذه القوى والعدد الكبير لمرشحيها، أو في ما بين هذين المعسكرين وسعي كل واحد منهما للوصول إلى رئاسة السلطة التنفيذية. ما يعني أن القرار قد أخرج أربعة أشخاص حتى الأن من السباق كانوا قد أعلنوا ترشحهم أو أعلنوا نيتهم بذلك، كوزير النفط الأسبق محمد غرضي البالغ من المعمر 79 سنة، وأمين عام حزب المؤتلفة المحافظ التقليدي أسد الله بادمتشيان البالغ من العمر 80 سنة، إضافة إلى وزير الاتصالات الحالي المعتدل آذري جهرمي.
إخراج أحمدي نجاد
التعميم الجديد لصيانة الدستور قطع الطريق على شخصيات إشكالية يمكن أن تتسبب بكثير من الإحراج للنظام وسلطاته نتيجة المواقف التي تعلنها، بالتالي استطاعت السلطة التخلص منهم ومنعهم من الاستمرار في حملاتهم الانتخابية، وقد تفتح الطريق أمام التعامل معهم بقسوة في حال تصاعد مواقفهم الانتقادية والهجومية ضد النظام ومؤسساته، مثل الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، الذي شكلت له عدة ملفات قضائية ووضع أكثر مساعديه في السجن في قضايا فساد، وسبق أن نصحه المتحدث باسم صيانة الدستور قبل نحو عام، بأن لا يترشح، خصوصاً وأن المرشد سبق له أن أمره بعدم الترشح في الانتخابات السابقة، لكنه خالف رأيه وتم رفض صلاحيته.
إضافة إلى أحمدي نجاد، فإن التيار المحافظ والسلطة تخلص من شخصية إصلاحية توصف بالحدة في مواقفها المعارضة والمنتقدة، التي لا تتردد بتصويب سهامها إلى المرشد الأعلى مباشرة، مثل مصطفى تاج زادة الذي حصل على المرتبة الثالثة من بين المرشحين المحتلمين للتيار الإصلاحي في استطلاع للرأي بعد وزير الخارجية محمد جواد ظريف والنائب الأول لرئيس الجمهورية إسحاق جهانغيري.
هذا الإجراء أشعل نقاشاً قانونياً ودستورياً حول صلاحية مجلس صيانة الدستور في اللجوء إلى مثل هذا التعميم، وحتى وإن كان يستند إلى مادة سبق أن أقرها هذا المجلس في نقاشاته الداخلية قبل انتخابات عام 2017، ولم تطبق لأنها لم تكتسب صفة القانون، ما يعني أن الإجراء الأخير الذي جاء في التعميم الصادر عن هذا المجلس لوزارة الداخلية لا يتخذ صفة القانون، ويشكل خرقاً للدستور من جهة هي المسؤولة عن صيانة الدستور ومنع أي من الجهات الإدارية والتشريعية من خرقه، خصوصاً وأن ما جاء في التعميم من شروط تتجاوز المادة التي أقرت داخلياً وتتطابق مع المادة التي يجري نقاشها في التعديل المقترح لقانون الانتخابات الجديد الذي لم يقر.
الضرب تحت الحزام
وعلى الرغم من أن أجهزة النظام لا تتردد في تمهيد الطريق أمام مرشحي التيار المحافظ، وتبعد من أمامهم أي مرشح قد يشكل مصدر تحد لهم وإمكانية خطر كامن، سواء كان إصلاحياً أو محافظاً، إلا أن حجم الصراع الداخلي بين مرشحي هذا التيار بدأ يخرج عن السيطرة، خصوصاً وأن هذا التيار يعاني من تخمة في المرشحين. فكل واحد من هؤلاء يرى أنه الأحق في أن يكون مرشح اجتماع للقوى المحافظة وممثلاً للنظام والسلطة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صعوبات التيار المحافظ قد تسهم في زعزعة صفوفه وتشتتها، خصوصاً وأنه لم يتوصل بعد على الرغم من كل الجهود التي تبذل لتوحيده، من التوصل إلى تفاهم بين قطبين أساسيين هما فريق لجنة تحالف الأصوليين التي يرأسها وزير الخارجية الأسبق منوتشهر متكي والتي تضع رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي على رأس مرشحيها، وتذهب إلى خيارين بديلين في حال لم يترشح، هما رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي السابق سعيد جليلي، والفريق الآخر هو ائتلاف الأصوليين الذي يرفض الانضمام إلى مساعي توحيد الجهود ويضع قاليباف مرشحاً أساسياً له.
في هذه الأجواء، التي يبدو أن كلا الفريقين استبعد حتى الآن أياً من الشخصيات العسكرية التي أعلنت ترشحها عن لوائحه، تتصاعد حدة الحملات بين العسكريين المرشحين ضد بعضهم بعضاً، ففي حين شن الجنرال رستم قاسمي وزير النفط الأسبق وقائد مقر خاتم الأنبياء للإعمار في "حرس الثورة" الأسبق هجوماً قاسياً على زملائه المرشحين، معتبراً أن المرحلة المقبلة لإيران هي مرحلة حرجة ودقيقة وتحتاج إلى شخصية ذات خبرة، مؤكداً أنه يعد من الخبراء الاقتصاديين القادرين على إخراج البلاد من أزماتها. رد عليه زميله وسلفه في مقر خاتم الأنبياء الجنرال سعيد محمد الذي أكد أنه يعتبر المصادق الحقيقي للمعادلة التي رسمها المرشد الأعلى للرئيس المقبل بأن يكون شاباً وثورياً، إضافة إلى ما يملك من خبرات اقتصادية سمحت له بقيادة مشاريع اقتصادية كبرى من خلال الموقع الذي شلغه.
تردد رئيسي السلبي
في الوقت الذي يبدو أن إجماعاً شبه تام داخل التيار المحافظ بأن المرشح الأفضل القادر على المنافسة وتحقيق النصر هو رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، لما يملكه من تجربة إدارية سابقة وحالياً بدأت تظهر ملامح نجاحاتها في قيادة السلطة القضائية، إضافة إلى أنه حصل على أكثر من 16 مليون صوت في الانتخابات الأخيرة التي نافس فيها الرئيس حسن روحاني عام 2017، إلا أن الرجل يبدو أنه ما زال متردداً في حسم موقفه من دخول السباق من عدمه. ما دفع كثيرين لاعتبار هذا التردد سيترك آثاراً سلبية على موقف المعسكر المحافظ في المعركة الانتخابية التي وصلت إلى مرحلة لا بد من حسم المواقف، وأن الفرصة المتبقية أمام رئيسي لحسم هذا الجدل تنتهي مع انتهاء موعد تسجيل الترشيحات في 25 الشهر الجاري، وقد يتحول الأمر إلى مزيد من السوء على موقف هذا المعسكر حتى ذلك التاريخ.
ويبدو أن الجميع بات مقتنعاً بأن رئيسي لا يمكن أو ليس قادراً على اتخاذ خطوة حاسمة ما لم يحصل على ضوء أخضر من المرشد الأعلى، خصوصاً وأن المرشد يعد الرئيس المباشر له كون الأخير هو الذي اختاره وعينه في هذا الموقع، وعليه أن يعود إليه في قرار ترك المنصب أو الاستقالة منه، فضلاً عن أن المرشد يملك صلاحية عزله وإبقائه. من هنا فإن قرار رئيسي مرتبط مباشرة بالتقدير الذي يراه المرشد مباشرة، فإذا وجد أن من مصلحة النظام والسلطة الزج به في السباق الرئاسي مع ضمان نجاحه، فإن إمكانية اللجوء إلى هذا الخيار ترتفع، وإلا فإن الإبقاء عليه في موقعه والتضخية بشخصية أخرى تكون أقل ضرراً في حال تخلف عن الفوز.