تحاول السعودية بشكل مستمر أن تلحق الركب العالمي في جهود الحفاظ على البيئة عبر تقليل انبعاثات الكربون وإنتاج الطاقة المتجددة بطرق مختلفة ومبادرات عدة، بداية من تشييد مدن صديقة للبيئة ونهاية بعقد اتفاقيات مع شركات عالمية لتعزيز حضورها في المجال الجديد.
الدولة الخليجية ذات الأطراف المترامية وجدت لمستقبلها موقعاً في شمالها الغربي، حتى بدأت بإنشاء المدينة السعودية "الحالمة" نيوم، التي تعرّف نفسها بالمكان الذي "سيتجلّى فيه الإبداع في مجال المحافظة على البيئة" والهادفة إلى تشغيل ذاتها كلياً بأساليب الطاقة المتجددة المختلفة 100 في المئة.
وآخر خطواتها نحو الهدف البعيد، كشفت شركة "هايزون موتورز" عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة "نيوم" بغرض تطوير مصنع لتجميع المركبات التي تعمل بطاقة الهيدروجين وحلول خلايا الوقود، في المدينة المستحدثة التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار أميركي.
18 شهراً
ومن المفترض أن تكون "هايزون" الموفّرة الأساسية لمركبات الأسطول التجاري شديدة التحمّل داخل السعودية، وستعمل الأطراف المشاركة في الاتفاقية على الانتهاء من الخطط والمواصفات الخاصة بمصنع التجميع الإقليمي، التي يتوقع أن يتم الانتهاء منها خلال عام ونصف العام.
وبهدف تسهيل العملية، ستندمج "هايزون موتورز" إحدى الشركات العالمية الموردة للمركبات التجارية، التي تعمل بوقود خلايا الهيدروجين عديم الانبعاثات، مع المجموعة الحديثة للاستثمار الصناعي القابضة، تحت شركة مشتركة أطلقت عليها "هايزون موتورز الشرق الأوسط".
#NEOM has signed an MoU with @hyzonmotors, jointly with Modern Group, for the development of a vehicle assembly facility in NEOM.https://t.co/pRqs3yBvar#DiscoverNEOM
— NEOM (@NEOM) April 29, 2021
وستصبّ الشركة المدمجة تركيزها على توريد المركبات التجارية ذات الانبعاثات الصفرية للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي. ويرمي المصنع المنشود إلى إنتاج نحو 10.000 مركبة مطابقة للمواصفات.
وأشار كريغ سانت، الرئيس التنفيذي والعضو المؤسس لـ"هايزون"، أن "الهيدروجين المستهدف في المشروع يعتبر وقوداً أساسياً في وسائل النقل التجارية شديدة التحمل، ونعمل على تحريره من الوقود الحفري".
وتعتبر الأشهر الـ18 المقبلة مفصلية في طريق المشروع، إذ أشارت "هايزون" إلى أن أهداف هذه المرحلة ليست ملزمة على أي من الأطراف حتى يتم تنفيذ الاتفاقيات والخطط الخاصة بمصنع التجميع.
الأولى هي الأكبر عالمياً
ولم تكن الشراكة الجديدة سابقة في تاريخ المدينة السعودية الجديدة، إذ أعلنت شركة "نيوم" في يوليو (تموز) 2020 اتفاقية شراكة مع "إير بروداكتس" و"أكوا باور" لبناء منشأة لإنتاج الهيدروجين بطريقة صديقة للبيئة، بقيمة 5 مليارات دولار أميركي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وترمي المنشأة المتفق عليها إلى تصدير الهيدروجين للأسواق العالمية "بغرض توفير حلول مستدامة لقطاع النقل العالمي ولمواجهة تحديات التغيّر المناخي"، ويخطط لأن يكون المشروع جاهزاً بحلول عام 2025، بحسب وكالة الأنباء السعودية.
والمشروع الذي سيستخدم الهيدروجين كوقود حيوي لأنظمة النقل والمواصلات، سينتج يومياً 650 طناً من الهيدروجين الأخضر، و 1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء سنوياً، "ليسهم ذلك في الحدّ من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بما يعادل ثلاثة ملايين طن سنوياً"، ليصبح بذلك الأكبر من نوعه في العالم.
لماذا الهيدروجين الأخضر؟
يتجه العالم إلى الحدّ من انبعاثات الكربون ومحاولة إنقاذ البيئة من التأثيرات المرتبطة بالتغيّر المناخي، تفادياً لزيادة درجات الحرارة المرتفعة، مما دفع علماء البيئة ونشطائها إلى ترشيح الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من السبل، إلا أنها لا تستطيع حل المعضلة الأكبر.
وتتمثّل المشكلة في أن أساليب الطاقة البديلة تساعد في توليد الكهرباء بشكل خاص، إلا أن الأوجه الأخرى للاقتصاد لم تتم معالجتها، إذ تمثّل قطاعات مثل الشحن ملوثاً بيئياً أخطر ومستهلكاً نهماً للوقود ذي الانبعاثات، فكان "الهيدروجين الأخضر" هو الأنسب لتأدية المهمة.
وبحسب مجلة "ساينتفك أميركان" يجري إنتاج الهيدروجين الأخضر عبر التحليل الكهربائي باستخدام آلات تعمل على فصل الماء إلى عنصرَي هيدروجين وأوكسجين، ويراعي العاملين على إنتاجه استخدام مصادر الطاقة النظيفة لتوليد الكهرباء اللازم، مما يجعل العملية صديقة للبيئة بشكل أكبر.
وبالرغم من الاندفاع العالمي إلى استخدام العضو الجديد في أسرة الطاقة المتجددة، إلا أنه واجه انتقادات واسعة وتشكيكات حول فاعليته في الحفاظ على البيئة، إذ يشير محلل شؤون تمويل مصادر الطاقة الجديدة مايكل ليبرك في مقال نشره على "بلومبيرغ" إلى أن "الهيدروجين الأخضر لا يوجد بشكل طبيعي في البيئة، لذا من الواجب استخدام طاقة لتوليده، ويتطلب ضغطاً هائلاً لتخزينه، فضلاً عن أنه قابل للانفجار".
ويبدو أن العالم مندفع بشكل كبير إلى استخدام النوع الجديد من الطاقة، إذ تعمل أستراليا على تصدير الهيدروجين الأخضر، في الوقت ذاته الذي تفحص تشيلي إمكانية إنتاجه في المناطق القاحلة ضمن أراضيها.
وحماسة الصين للطاقة الجديدة دفعتها إلى التخطيط لإطلاق مليون مركبة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين بحلول 2030، وتعمل دول أخرى على استخدامات شبيهة، منها كوريا الجنوبية والنرويج وأميركا.
وتتوقع مؤسسة "غولدمان ساكس" أن قيمة الاستثمارات السوقية في إنتاج الهيدروجين الأخضر ستبلغ 12 تريليون دولار في 2050.