Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خلاف بين جمهورية التشيك وروسيا يكشف معركة على انتماء البلاد السياسي

في خضم الجدال الدائر بين براغ وموسكو طرد نحو 40 دبلوماسيا من البلدين وأميط اللثام عن صراع سياسي يضرب جذوره عميقا في جمهورية التشيك، كما يفيد ميليام ناتراس من العاصمة التشيكية

سيدة ترفع علم الاتحاد الأوروبي فيما يتجمع الناس للاحتجاج خارج السفارة الروسية في 18 أبريل في براغ (غيتي)

ليلة الإثنين، أضاءت قصر براغ أحرف زرقاء اللون من ضوء نيون انعكست على جدرانه لتهجئ كلمة "الخيانة العظمى". وكانت هذه الحركة موجهة ضد الرئيس التشيكي ميلوش زيمان، الذي بات علماً على نزاع مداره الانتماء السياسي لجمهورية التشيك في ظل الأزمة الدبلوماسية الدائرة بينها وبين روسيا.

 ويوم السبت، عقد رئيس الوزراء التشيكي أندريه بابيس مؤتمراً صحافياً طارئاً للإعلان عن "أدلة لا لبس فيها" تشير إلى تورط العملاء السريين الروس في انفجار ضخم راح ضحيته عاملان داخل مستودع للأسلحة قرب قرية فربيتيتسي في مورافيا في عام 2014.

وظهرت افتراضات بأن الأسلحة التي دُمرت في الانفجار كان من المزمع إرسالها إلى أوكرانيا وإلى قوات المتمردين في سوريا. والعميلان المتهمان بتنفيذ الهجوم- وهما ألكساندر ميسكين وأناتولي سيبيغوف- هما كذلك العميلان في جهاز الاستخبارات العسكرية الخارجي في روسيا "جي آر يو"، واللذان اتُهما بتنفيذ حادثة تسميم سالزبوري في المملكة المتحدة منذ أربع سنوات.

وقد وصف سياسيو المعارضة- وكان بابيس انضم إليها شخصياً مع بعض التردد- الانفجار بأنه "إرهاب دولة". وأُعطي 18 دبلوماسياً روسياً مهلة 48 ساعة لمغادرة البلاد، ولم تُضع روسيا أي وقت في الرد عبر طرد 20 دبلوماسياً من السفارة التشيكية في موسكو. وزادت الحكومة التشيكية حدة التوتر حين أعلنت عن طرد 63 موظفاً إضافياً من السفارة الروسية في براغ.

وتسبب الحادث في تدهور جذري في العلاقات التشيكية - الروسية، فيما سلط الضوء على الصراعات الداخلية على الولاءات بين الشرق والغرب داخل جمهورية التشيك.

ومنذ سقوط الشيوعية [أفول الاتحاد السوفياتي] في عام 1989، هذه البقعة من العالم مدار تنافس النفوذين الشرقي والغربي على الهيمنة.

فالرعيل الأول من زعماء جمهورية التشيك المستقلة أخلوا البلاد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، فيما كانت ذكرى اجتياح الدبابات الروسية للبلاد في عام 1968 ما تزال ماثلة في الأذهان. لكن منذ انتخاب في 2013 الرئيس زيمان المشكك في جدوى الاتحاد الأوروبي والموالي لروسيا، شهدت السياسة الخارجية التشيكية تحولاً [انعطافاً] ملحوظاً أبعدها عن الحلفاء الغربيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول جيري بيهي، العضو السابق في مجلس الوزراء السياسي التشيكي والمدير الحالي لجامعة نيويورك في براغ "إن جمهورية التشيك عضو في الناتو والاتحاد الأوروبي لكن الرئيس زيمان وفريقه دفعا بالبلاد شرقاً. أيد زيمان المشاركة الروسية في المشاريع الكبيرة مثل بناء مفاعلات جديدة في محطة دوكوفاني النووية، وأعرب مراراً عن معارضته العقوبات الغربية المفروضة على روسيا".

وسرت توقعات بأن مناقصة قيمتها 6 مليارات يورو (5.25 مليار جنيه إسترليني) رامية إلى  تطوير مشروع نووي في دوكوفاني هي مدار مناورات جيوسياسية كبيرة. فشركات غربية قدمت عروضها في مواجهة شركات صينية وروسية. وكان من المعروف أن زيمان يفضل الشركة الروسية روساتام، لكن في أعقاب أحداث الأسبوع الجاري، أُقصيت الشركة من عملية الاختيار.

وفي هذه الأثناء، تبدو أي صفقة محتملة لشراء لقاح "سبوتنيك في" متعذرة سياسياً. ويقول وزير الداخلية التشيكي يان هاماتشيك الذي كان من المفترض أن يسافر إلى موسكو لمناقشة موضوع اللقاح قبل ظهور قضية فيربيتيسي، إن اللقاح الروسي ما عاد نقاشاً قيد النقاش.

لكن وزير الصحة التشيكي ما زال متردداً في أمر استبعاد "سبوتنيك"- مع أنه من الصعب تخيل إعطاء دفعة من "دبلوماسية اللقاح" للكرملين في وقت يطرد الدبلوماسيون الروس من البلاد.

ابتداء بالطاقة ووصولاً إلى اللقاحات، تغيرت قِبلة الولاءات الجيوسياسية للجمهورية التشيكية فجأة. ويقول بيهي "إن الإعلان عن مسؤولية روسيا عن انفجار فيربيتيسي سيُضعف موقف الرئيس بشكل كبير ويقرب البلاد من الغرب". ورفض زيمان إلى الحين الحديث عن هذه المسألة علناً وصمته مثقل بالمعاني.

لطالما استخف الرئيس بخطر العمليات السرية في جمهورية التشيك، ولهذا السبب بات يعتبر أنه مسهل للعمليات العدائية على التراب التشيكي. ووصل الأمر بسياسيي المعارضة إلى تسميته "عميلاً لقوة معادية".

وتشكل هكذا ردود أفعال مؤشراً على تنامي الإحساس بأن العلاقات الودية مع روسيا تتعارض مع عضوية جمهورية التشيك في الاتحاد الأوروبي والناتو. وبدأ الموقف المتشدد بشأن أي نوع من الوجود الروسي في البلاد يتجذر- توازياً مع الخوف من أن يكون حجم التهديد الأمني الروسي قد بدأ يتكشف الآن.

ويبدو استبعاد الدبلوماسيين المعروفين بصلاتهم بالاستخبارات الروسية الخارجية تأكيداً على الشكوك القديمة بأن السفارة في براغ مركز للعمليات السرية. كما يقول بيهي "إن حجم السفارة الروسية كبير جداً بالنسبة لبلد صغير الحجم مثل جمهورية التشيك، وقد حذر خبراء مراراً من ضلوع كثير من أعضائها في العمليات الاستخباراتية".

وفي هذه الأثناء، وضعت دول من المنطقة استثمارات ضخمة في قواتها المسلحة منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 ويزعم الخبراء بأن انفجار فيربيتيسي برهان على احتمال وقوع هجمات ملموسة تشنها روسيا، إضافة إلى حملات التضليل المعلوماتي والهجمات السيبرانية.

ويقول الدكتور ماتوس هالاس، رئيس مركز الأمن في معهد العلاقات الدولية في براغ "سبّب الانفجار ضرراً مادياً هائلاً بدد أي وهم بشأن طبيعة الحرب الروسية غير الملموسة".

"ومن جوانب كثيرة، هذا أهم معاني الحادث، شأنه في التوكيد على الانتهاك المفترض للسيادة القومية التشيكية".

مع فضح الواقع الملموس للتهديد الروسي، أخذت محاولات التنافس على النفوذ الاقتصادي والسياسي في جمهورية التشيك طابعاً مهدداً جديداً.

بدت جمهورية التشيك خلال الأشهر الأخيرة ميداناً للصراع السياسي بين الشرق والغرب. لكن قناع حسن النية الروسي قد سقط، والآن، في الحرب على الانتماء السياسي للبلاد، بات الغرب يفوز.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات