خصصت منظمة الصحة العالمية تقريرها السنوي المرتبط بالصحة النفسية لمرض الاكتئاب، بوصفه أكثر الاعتلالات النفسية شيوعاً.
وبين التقرير أن الإصابة بالاضطرابات النفسية، ومنها الاكتئاب والقلق، من أقوى العوامل النفسية في خلق الشخصية الإجرامية.
وأضاف أن كل دولار أميركي يستثمر في العلاج السلوكي المعتمد على المعلومات المرجعية للمريض بدلاً من الاتجاه المباشر إلى الأدوية والعقاقير يوفر ما يصل إلى سبعة دولارات أميركية من تكاليف معالجة نتائج وقوع الجريمة ومحاولة تحقيق العدالة الجنائية، بصفتها أحد أبرز إفرازات الأمراض بحسب التقرير.
المراحل
وحول مراحل تكون الشخصية الإجرامية يقول صالح الدبل، المتخصص في علم الجرائم، "يبدأ بشعور المصاب بالألم النفسي، وعدم القدرة على التأقلم مع الحياة وضعف جودتها، ليعبر عن ذلك بفعل سلوكي إجرامي".
وتابع، "يتمثل ذلك في الاعتداءات والمشاجرات والتخريب والسلوكيات الشاذة، وقد يزداد الأمر سوءاً عند شعوره بتحامل المجتمع عليه، أو أنه لم يحظَ بالمساعدة التي يستحقها، أو في حالات معينة عندما ينظر إليه المجتمع نظرة احتقار أو دونية، فيتحول هذا الفرد إلى شخص كاره للمجتمع، ويتحين أي فرصة لعمل سلوك ضار مضاد للمجتمع".
وفي حين لا توجد نسبة للجرائم التي يكون دافع مرتكبها اضطراباً نفسياً أو اكتئاباً، قال "أشارت دراسات إلى أثر الاضطرابات النفسية في حدوث السلوك الإجرامي، إحداها أجريت في الأردن، ووضعت هذا العامل في الدرجة الثانية بعد العوامل الاجتماعية، وأخرى في الجزائر بينت أن العوامل النفسية أدت إلى الجرائم، ومنها القتل العمد، والمخدرات، والسرقة بنوعيها البسيطة والكبيرة".
وفي جانب نوع الجرائم التي يقوم بها المصابون باضطرابات نفسية أو اكتئاب، ذكر منها جرائم تعاطي المخدرات والمسكرات، موضحاً أن "اللجوء لهذا الفعل يدفعه الرغبة في الهروب من الواقع"، وواصفاً مرتكبي هذه الجرائم بالضحايا الذين "يحتاجون إلى وقفة فعالة لمعالجتهم، ومساعدتهم برحمة وشفقة، لكونهم ضحايا هذا السلوك المنحرف، ومن وجهة نظر أخرى، فهم عرضة للابتزاز والاستغلال، وقد ترتكب في حقهم الجرائم".
وثيقة الإصابة بالاكتئاب
وفي ظل اعتراف المراكز والمرجعيات الطبيعة بتأثير الأمراض النفسية في دفع الأشخاص إلى ارتكاب الجرائم، ما موقف الأجهزة القضائية التي تباشر ذلك؟ الأمر الذي يجيب عنه الدبل بالتفريق بين المرض النفسي العصبي والمرض العقلي الذهني "المرض النفسي لا يلغي المسؤولية الجنائية عن الجاني، بحكم أن قدرته العقلية والإرادة ماثلة ومتحققة، وإن كان دافع الجريمة نفسياً، وقد يستغل ذلك من قبل المغرضين، ويدعون المرض النفسي هروباً من العدالة"، أما المريض العقلي "فقد تقع المسؤولية الجنائية على ولي أمره، إن كان قد تركه دون وصاية أو متابعة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حالات المرض العقلي البسيط، فقد يكون مسؤولاً قانونياً عن أفعاله، وبخاصة في الجرائم الكبيرة مثل القتل، فيلزمه في كل الأحوال التزام العقوبة وفقاً لما تقتضيه الحالة.
أشد حالات الاكتئاب
وفي الجانب ذاته، يصنف استشاري الطب النفسي ورئيس اللجان النفسية المدنية والجنائية بمجمع إرادة بالدمام، وليد الملحم، الاكتئاب بين خفيف ومتوسط إلى شديد، واصفاً النوع الأول بـ"الأكثر شيوعاً".
وبين أن الأعراض تبرز بوضوح في حالة الاكتئاب المتوسط، إذ تطفو على الظاهر، إضافة إلى "عدم الشعور بالراحة والطمأنينة والبهجة، ويؤثر ذلك في مستوى التركيز والانتباه، وفقدان الطموح، وسيطرة الأفكار السلبية المتشائمة، واسترجاع الأحداث المؤلمة والإخفاقات السابقة، ومن الأعراض أحياناً أن يشكو من الشعور بالنسيان".
إمكانية معاودة الإصابة
ولفت إلى إمكانية معاودة الإصابة بعد الشفاء قائلاً "قد يتعرض المصاب إلى انتكاسة بعد شفائه، وذلك يستدعي معرفة أسباب وعوامل الخطورة التي تسبق الانتكاسة، ومنها الجنس، والعامل الاقتصادي، والحالة الزوجية، والسن الذي بدأ فيه المرض، وعدد فترات نوبات الاكتئاب، وشدة النوبة الأولى، والأمراض المصاحبة، وكذلك المعطيات النفسية والضغوط الاجتماعية والصفات الشخصية، والمستوى المعرفي، والتاريخ المرضي في العائلة، والعوامل الوراثية التي تؤدي إلى تكرار الاكتئاب".
وشدد على رابط العلاقة بين حدة الاكتئاب ووقوع الانتحار، مشيراً إلى أن "أحد أهم أسباب الموت في مرحلة الشباب بين عمر الخامسة عشرة إلى التاسعة والعشرين عاماً، هو الإصابة بأزمة شديدة مثل الفشل في الحياة العملية، أو خسارة الأموال، أو فقدان وظيفة، ويحدث أيضاً لدى الأطفال والمراهقين"، إذ لوحظ زيادة في عدد الوفيات الناتجة عن الانتحار من 662000 إلى 817000 في عام 2016، ما أدى إلى "موت شخص كل أربعين ثانية نتيجة الانتحار، وتصل نسبة الانتحار إلى 1.4 في المئة من كل المتوفين".
العلاج بالتحدث
وكان تقرير المنظمة قد أوصى بتطبيق العلاج بالتحدث بشكل موازٍ للأدوية، الأمر الذي يدعمه الطبيب النفسي عبدالله المضيان، قائلاً "فعال بنسبة كبيرة جداً، ويسرع من عملية التعافي، وبخاصة في درجة الاكتئاب الطفيفة، أما في حالة الاكتئاب المتوسط فينصح بالجمع بين العلاج الدوائي وبالكلام، استناداً إلى نصيحة الجمعية الأميركية للطب النفسي"، إذ إن الهدف الأساسي من علاج الاكتئاب هو القضاء على الشعور بالحزن المستمر والأعراض المصاحبة له.
وأضاف المضيان أن المرحلة الأخطر في الإصابة بالاكتئاب، تتمثل في عدم إدراك المريض لحاجته إلى المساعدة أو فقدانها في محيطه، وهو ما يفاقم من تدهور حالته النفسية، نظراً لما يصاحب هذه المرحلة من "أفكار سوداوية، توصله إلى مرحلة اليأس والشعور بانعدام المعنى للذات، فيلجأ إلى الانتحار حلاً لمعاناته".