Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنوى إيران إفساد مباحثات فيينا الجارية الآن؟

الإعلان عن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم يأتي فى إطار محاولات طهران للضغط على إدارة بايدن

منشأة نطنز النووية الإيرانية جنوب العاصمة الإيرانية طهران (أ ف ب)

منذ عام وإيران تتخلى عن التزاماتها في الاتفاق النووي مع عدم رفع العقوبات الأميركية عنها. وبعد تفجير مفاعل نطنز أعلنت أنها سترفع نسبة التخصيب إلى 60 في المئة، في الوقت الذي تخوض مباحثات في فيينا مع الدول التي لا تزال ملتزمة بالاتفاق، تمهيداً لعودة الولايات المتحدة إليه. بالتالي ما الذي يدفع إيران إلى إطلاق مثل هذه التهديدات على الرغم من بدء مسار المباحثات في فيينا بعد فترة جمود منذ مجيء الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض؟

واستدعى الإعلان الإيراني ردود فعل أوروبية وأميركية، فالنسبة المُعلَنة من شأنها تسريع الانتقال إلى التخصيب بنسبة 90 في المئة المؤدية إلى إمكانية إنتاج سلاح نووي. كما تحاول إيران أن توحي بأن موقفها أتى كرد فعل على الحادث الذي تعرض له مفاعل نطنز، لكنه يأتي أيضاً بعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى طهران، وإعلان دعمه العودة إلى الاتفاق النووي في صيغته التقليدية. أي أن الإعلان عن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم يأتي فى إطار محاولات إيرانية للضغط على إدارة بايدن لتسريع العودة إلى الاتفاق القديم، لا سيما أن بايدن أعلن مراراً تخوفه من امتلاك إيران السلاح النووي.
هكذا يبدو المشهد وكأن بايدن وضع خطاً أحمر بالنسبة إلى التعاطي مع إيران سيعمل على عدم تجاوزه، في حين أنه لو نظرنا لوجدنا أنه يعد تنازلاً لها، لأن طهران ذاتها قد لا تنوي امتلاك سلاح نووي لكنها تريد أن تكون دولة "عتبة نووية"، وهو ما تعمل عليه سراً وعلناً. لذا فإنه في ظل تنازلات بايدن لإيران بوضع خط أحمر وهمي يتحرك وفقاً له، بدلاً من الضغط عليها لدفعها نحو اتفاق موسع، أتت التحركات الإسرائيلية التي تستهدف أساساً إبطاء وإضعاف القدرات النووية الإيرانية، ومحاصرة محاولاتها لتوسيع نفوذها.
 


وبتتبع  مسار تحركات إيران على مدار سنوات طويلة، وبالأخص منذ بدء مفاوضاتها مع الترويكا الأوروبية من أجل برنامجها النووي، نجد أن مفاوضاتها التي استمرت على مدار عشر سنوات تُبرز أهمية الاتفاق النووي متعدد الأطراف بالنسبة لإيران، كما يوضح كيف حاولت طهران التكيّف مع ما فُرض عليها من ضغوطات لإتمام الاتفاق. فخلال الفترة الممتدة منذ عام 2003 وحتى عام 2013، تعامل المجتمع الدولي مع إيران بفرض تدابير أكثر حدة بشكل تدريجي. وأصبحت العقوبات الدولية جزءاً لا يتجزأ من تعامل المجتمع الدولي مع إيران، وتقييد الخيارات المتاحة أمام تحركها في كل أنحاء تأثير النفوذ الغربي. وفي عام 2003، بدأت فرنسا وبريطانيا وألمانيا دبلوماسية منفصلة المسار لكبح البرنامج النووي الإيراني، وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2003، تعهدت إيران في مقابل حصولها على التكنولوجيا النووية السلمية، تعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم، والتوقيع والتصديق على البروتوكول الإضافي الملحق بمعاهدة عدم الانتشار (السماح بإجراء عمليات تفتيش معززة). ووقعت إيران على البروتوكول الإضافي في 18 ديسمبر (كانون الأول) 2003، ثم أنهت التعليق بعد عدة أشهر، لكنها توصلت مع الاتحاد الأوروبي في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2004 إلى "اتفاقية باريس" التي أوقفت بموجبها تخصيب اليورانيوم في مقابل تجديد المحادثات التجارية وغيرها من المساعدات. وفي مارس (آذار) 2005، أيّدت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش اتفاقية باريس، بإعلانها أنها ستُسقط معارضة تقدم إيران للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية (WTO). وفي سبتمبر (أيلول) 2005، أعلن مجلس الوكالة عن عدم امتثال إيران لمعاهدة حظر الانتشار النووي. وفي 4 فبراير(شباط) 2006، صوّت مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على إحالة القضية إلى مجلس الأمن. وفي 29 مارس 2006، حددت رئاسة المجلس مهلة مدتها 30 يوماً لوقف التخصيب، فيما عرضت إدارة بوش في مايو (أيار) 2006 الانضمام إلى المحادثات النووية وتشكلت مجموعة التفاوض الموسعة (5+1) للتباحث حول تعليق تخصيب اليورانيوم من خلال تقديم مزيج من الحوافز الاقتصادية والعقوبات المحتملة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وركّز عرض مجموعة 5+1 لإيران في 6 يونيو (حزيران) 2006 على ضمان الوقود النووي الإيراني، والتهديد بالعقوبات إذا لم توافق إيران، وبالفعل تم فرض العقوبات وأصدر مجلس الأمن الدولي أربعة قرارات، أولها القرار رقم 1669 لعام 2006، الذي يهدف إلى تعليق تخصيب اليورانيوم، وتعليق بناء مفاعل آراك الذي يعمل بالمياه الثقيلة، والتصديق على البروتوكول الإضافي لاتفاق ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبعد رفض إيران مقترح تعليق التخصيب مؤقتاً، اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 1737 بالإجماع في 23 ديسمبر 2006، طالب فيه بتعليق التخصيب بحلول 21 فبراير 2007، وحظر بيع (أو تمويل بيع) التكنولوجيا التي يمكن أن تسهم في البرنامج النووي الإيراني، ومطالبة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتجميد الأصول المالية لإيران النووية والشركات والأشخاص المرتبطين بصناعة الصواريخ. ثم صدر القرار رقم 1747، وقد نص على ألا تقوم إيران بتوريد أو بيع أو نقل أي أسلحة. وصدر بعد ذلك، القرار رقم 1803 الذي أضاف كيانات أخرى إلى العقوبات المفروضة على إيران.
ومع تعثر مفاوضات المجموعة المتعددة الأطراف مع إيران حين عُرضت عليها حوافز لتعليق تخصيب اليورانيوم خلال عام 2009، تم تبني القرار 1929 في 9 يونيو 2010، بتصويت 12 دولة لصالحه واعتراض دولتين هما تركيا والبرازيل، مع امتناع واحد عن التصويت هو لبنان. ونصّ القرار 1929 على إخضاع شركات عدة تابعة لشركات "الحرس الثوري"، وحظر السفر، ومنح الدول الإذن لتفقد أي شحنات، والتخلص من أي شحنات إذا كان يُشتبه في أنها تحمل سلعاً مهرَّبة. ويحظر القرار 1929 على الدول السماح لإيران بالاستثمار في تعدين اليورانيوم، وما يتعلق به من التقنيات النووية، أو تكنولوجيا الصواريخ الباليستية ذات القدرة على حمل رؤوس نووية، وحظر بيع الأسلحة الثقيلة إليها، وأن تمتنع شركات الدول عن ممارسة الأعمال التجارية مع إيران إذا كان هناك اعتقاد بأن مثل هذه الأعمال يمكن أن تعزز برامج إيران النووية.
وبعد وصول حسن روحاني إلى الرئاسة في إيران، بدأت المفاوضات حول التسوية الشاملة في فبراير 2014. وفي 2 أبريل (نيسان) 2015، توصلت الأطراف إلى إطار عمل لـ"خطة العمل المشتركة الشاملة" (JCPOA). وتم الانتهاء من وضع تلك الخطة في 14 يوليو (تموز) 2015. وصادق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 بتاريخ 20 يوليو 2015 على خطة العمل المشتركة (JCPOA).
ويوضح المسار السابق للمفاوضات النووية والعقوبات، أهمية ذلك الاتفاق بالنسبة إلى إيران وتمسكها به، ذلك أنه يدمجها في المجتمع الدولي، وتريد من خلاله أن يتم الاعتراف بها كقوة إقليمية لها مصالح معترَف بها من الغرب الذي تريده أن يتعامل معها على أنها مفتاح حل لكثير من قضايا المنطقة، بالتالي فإن الاستفزازات التي تقوم بها أخيراً تحاول فقط توظيفها للضغط على بايدن من دون أن تفسد مسار المباحثات الذي انطلق ولا تريد تعطيله، لكن هذا لا يعني أنها لن ترد على الهجمات الإسرائيلية الأخيرة سواء في البحر أو في ما يخص مفاعل نطنز النووي، لكن هذا سياق آخر لعلاقتها بإسرائيل.

المزيد من آراء