Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المسؤولون اللبنانيون يتقاذفون كرة مرسوم تعديل المساحة البحرية

وكيل الخارجية الأميركية في بيروت للحضّ على تشكيل حكومة وتطبيق الإصلاحات

على وقع زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل إلى لبنان، تحوّل مشروع مرسوم تعديل المساحة البحرية جنوباً مع إسرائيل، إلى كرة نار تنقّلت بين قصر الرئاسة في بعبدا والسراي الحكومي في بيروت، فكانت النتيجة تأجيل بتّ المرسوم، وتراجع الزخم الذي عمل عليه الوفد اللبناني العسكري المفاوض، لتسجيل اعتراض لبنان لدى الأمم المتحدة وفق الخط رقم 29 وليس 23 وتعديل المساحة لتبلغ 2290 كيلومتراً بدلاً من 860 كيلومتراً وذلك قبل أن تبدأ إسرائيل العمل في حقل "كاريش" الغازيّ البحري.

المرسوم بين السراي وبعبدا

وبعد توقيع وزير الأشغال اللبناني ميشال نجار ووزيرة الدفاع زينة عكر وبعد موافقة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب على مشروع المرسوم 6433، لم يتبقَ سوى توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون، إلا أن المفاجأة كانت بعدم توقيع الأخير على المرسوم، بعكس ما كان يَعِد مراراً وتكراراً الوفد اللبناني المفاوض. وأعاد عون المرسوم إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، مطالباً بأن يحصل على قرار الحكومة مجتمعةً، حتى في ظل وجودها في طور تصريف الأعمال، نظراً إلى أهميته والنتائج المترتبة عليه، مستنداً بذلك إلى قرار هيئة التشريع والاستشارات.
وذكرت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية في كتاب الإحالة الموجّه إلى أمانة مجلس الوزراء أنه يعود "لرئيس الجمهورية أن يحدد ما يرتئيه الأفضل لحفظ الوطن وهو مؤتمن على ذلك بالدستور والقسم". ونقل البيان عن الرئيس عون قوله إلى اللبنانيين "تأكدوا أن الأمور لن تجري إلا بما يؤمّن كامل حقوق لبنان برّاً وبحراً". موقف رئيس الجمهورية الذي ربطه بالدستور، جمّد المرسوم، لا سيما أنه أتى مناقضاً لما سبق أن اقترحه رئيس حكومة تصريف الأعمال بأن يأخذ المرسوم موافقة استثنائية من عون لإصداره على أن يُصار إلى عرضه لاحقاً على مجلس الوزراء، على سبيل التسوية.

ماذا يقول القانون؟

يؤكد المحامي مجد حرب أن "إقرار المرسوم الخاص بالمنطقة الاقتصادية الخالصة بتوقيع وزيرين ورئيس حكومة تصريف أعمال ورئيس الجمهورية كما كان مطروحاً، مخالف للدستور، لكن في ظل حكومة تصريف أعمال وحرصاً على تيسير الأمور الملحّة والضرورية، يمكن أن يصدر المرسوم بموافقة استثنائية من رئيس الجمهورية وموقَّعاً من قبل كل الوزراء في الحكومة المستقيلة، فيُعتبر بذلك وكأنه مرسوم صادر عن الحكومة مجتمعة، على أن تأتي الحكومة الجديدة بعدها وتوافق عليه. أما إذا طلب رئيس الجمهورية أن تعقد حكومة تصريف الأعمال اجتماعاً لاتخاذ القرار المناسب بشأن هذا المرسوم، فهذا يُعدّ تجاوزاً لسلطة حكومة تصريف الأعمال، لأن هذا الموضوع ليس من ضمن المواضيع المحددة في المواد الدستورية التي تنصّ على عمل الحكومة المستقيلة، وموضوع بهذا الحجم لا يمكن أن يكون من صلاحيات حكومة تصريف أعمال".
في المقابل، لفت انضمام حزب "القوات اللبنانية" إلى معركة استعادة لبنان حقوقه جنوباً، فغرّد خارج سرب القوى السياسية الحاكمة، إذ دعم رئيس لجنة الإدارة والعدل في البرلمان النائب جورج عدوان، الذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس حزب القوات، موقف الوفد اللبناني المفاوِض، لكنه رأى أن الحل هو في عقد جلسة لمجلس الوزراء. كما دعا عدوان رئيس الجمهورية إلى توقيع المرسوم لأنه "مؤتمَن على المصلحة الوطنية الكبرى وعلى الدستور"، كما دعا دياب إلى "عقد جلسة لمجلس الوزراء اليوم قبل الغد لتعديل المرسوم رقم 6433، متمنّياً عليه وضع كل الاعتبارات أيّاً كان نوعها جانباً أمام المصلحة الوطنية الكبرى".

الاعتبارات السياسية

أبعد من الاعتبارات القانونية والدستورية التي يتحجج بها كل من عون ودياب وقوى سياسية أخرى معنيّة بالملف، تتحكم بمواقف المسؤولين اعتبارات سياسية وحسابات لا تمتّ إلى المرسوم وحق لبنان بمساحة إضافية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، بصِلة. فمن المعلوم أن رئيس الجمهورية أراد الاستفادة من عدم التوقيع لإعادة تفعيل حكومة تصريف الأعمال، في ظل استبعاد تشكيل حكومة جديدة واستحالة التعايش بينه والرئيس المكلف سعد الحريري. من هنا، أراد عون اتخاذ مرسوم الحدود كعذر لدفع حكومة دياب إلى الاجتماع لدراسته وللوصول إلى طرح مواضيع أخرى يعلنها عنواناً لمعركته الحالية كـ"التدقيق الجنائي" في حسابات مصرف لبنان المركزي مثلاً. في المقابل، يتجنّب دياب تفعيل حكومة تصريف الأعمال ويرفض دعوات عون المتكررة لعقد جلسة استثنائية حتى لمناقشة الموازنة، كما أنه يدرك أن إقرار المرسوم يعني اعترافاً غير مباشر بتنازل أسلافه فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي عن حق لبنان خلال مفاوضات بهذا الشأن جرت في عهدهما. ولن يقدّم دياب الطموح إلى الانضمام إلى نادي رؤساء الحكومات السابقين (فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام)، على خطوة كهذه. وفي الحسابات السياسية هناك مَن يتحدث عن حرص القوى الرافضة لتعديل المرسوم والتوقيع عليه لأسباب لها علاقة بالإبقاء على أفضل العلاقات مع الولايات المتحدة، وذلك بسبب العقوبات بشكل أساسي. فالكل يذكر كيف سبقت عودة مفاوضات ترسيم الحدود في الناقورة (أقصى جنوب لبنان) بوساطة أميركية، بعد صدور عقوبات بحق وزير المال السابق علي حسن خليل المقرب من رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس القريب من رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية. وكثر الحديث أخيراً عن إمكانية استخدام رئيس الجمهورية ورقة المرسوم في مقابل موافقة الإدارة الأميركية على إلغاء العقوبات على رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وهو ما تنفيه مصادر الرئيس عون.
كما ربط البعض تأجيل بتّ المرسوم إلى ما بعد زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية دايفيد هيل إلى بيروت. وتبرز مجدداً انتخابات رئاسة الجمهورية كسبب مؤثر يتحكّم بمواقف المرشحين المحتمَلين، وهو ما يفسّر أيضاً موقف فرنجية الذي رفض في البداية أن يوقع وزير الأشغال، المحسوب عليه، المرسوم، لكنه وتحت ضغط اتهامه بالتفريط بالحقوق اللبنانية، عاد وأعطى الضوء الأخضر لنجار بالتوقيع، مشترطاً كما عون، أن يُعرض المرسوم على الحكومة مجتمعةً للموافقة عليه.
وإلى كل هذه الأسباب، تتحدث مصادر سياسية عن الصراع الخفي بين المرشحين المفترضين لرئاسة الجمهورية وقائد الجيش العماد جوزيف عون، المنافس الأقوى في السباق الرئاسي، الذي يفاوض فريقه العسكري على إسقاط خط "هوف" (الخط البحري الذي طرحه الموفد الأميركي الخاص السفير فريدريك هوف عام 2012 لترسيم الحدود البحرية اللبنانية مع إسرائيل) واستعادة المساحة البحرية كاملة. ويرفض السياسيون منح العماد جوزيف عون إنجازاً قد يحسَب له في سجل الإنجازات الوطنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


هيل: الأولوية لتشكيل حكومة  

وفيما كان سياسيو لبنان يتقاذفون مرسوم تعديل مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة جنوباً، وصل إلى بيروت وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية دايفيد هيل في زيارة مخصصة بالدرجة الأولى لحضّ اللبنانيين على تشكيل حكومة جديدة وبالدرجة الثانية، لمواكبة التطورات في شأن المفاوضات المتوقفة مع إسرائيل. وفيما كانت وزارة الخارجية الأميركية استبقت الزيارة بالإعلان عن أن الهدف منها هو تأكيد مخاوف واشنطن من تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في لبنان والمأزق السياسي الذي يسهم في تدهور الوضع، وبأن هيل سيضغط على المسؤولين وقادة الأحزاب للالتقاء وتشكيل حكومة قادرة وملتزمة تنفيذ إصلاحات اقتصادية وإدارية حتى يتمكّن الشعب اللبناني من تحقيق كامل إمكاناته، كشفت مصادر دبلوماسية عن أن زيارة هيل تأتي بعد الاتصال الذي حصل بين وزير خارجية بلاده أنتوني بلينكن ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان والذي تناول الوضع اللبناني المتأزم.
وعُلم أن الولايات المتحدة أرادت إعادة تأكيد التزامها الملف اللبناني والمساعي الفرنسية للدفع في اتجاه تشكيل حكومة. وبحسب مصادر مطلعة على الزيارة، فإن هيل لا يحمل عصاً سحرية، فضلاً عن أن الأولوية بالنسبة إلى الإدارة الأميركية هي، كما بالنسبة إلى الفرنسيين، تشكيل حكومة. أما الانتخابات النيابية المبكرة، فلا تبدو واشنطن مؤيدة لها طالما أن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لا يحبّذانها.
واستثنى هيل من لقاءاته، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ورفضت مصادر السفارة الأميركية إعطاء أسباب لذلك، علماً أن العقوبات الأميركية بحقّه، قد تكون من أبرزها. ولم يكن امتناع هيل عن لقاء باسيل وحده الخبر، بل لفت استهلال جدول لقاءات الضيف الأميركي بزيارة عين التينة، مقرّ رئيس مجلس النواب نبيه بري، بدلاً من البدء بالاجتماع مع رئيس الجمهورية، الذي تُرك إلى اليوم الثاني من زيارته. ومن مقر رئاسة البرلمان، أدلى هيل بتصريح مكتوب، لم يتطرّق فيه إلى ملف ترسيم الحدود. وفي إطلالته الأولى وقبل أن يغوص في الاستماع إلى السياسيين، عبّر عن قلق أميركا وشركائها الدوليين إزاء ما وصفه بـ"الفشل الحاصل في إطلاق برنامج الإصلاح الحاسم الذي طالما طالب به الشعب اللبناني". وكما الفرنسيين، كذلك الأميركيون، إذ اتهم هيل السياسيين اللبنانيين بعدم الوفاء بما تعهدوا به من إصلاحات مالية واقتصادية وحوكمة رشيدة. وقال "لم يُحرَز سوى تقدّم ضئيل جداً".
واعتبر المسؤول الأميركي أن الضائقة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها لبنان هي "تتويج لعقود من سوء الإدارة والفساد وفشل القادة اللبنانيين في وضع مصالح البلاد في المقام الأول". وختم بالقول "حان الوقت لكي ندعو القادة اللبنانيين إلى إبداء المرونة الكافية لتشكيل حكومة راغبة وقادرة على الإصلاح الحقيقي والأساسي. هذا هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة. كما أنها ليست سوى خطوة أولى. وستكون هناك حاجة إلى تحقيق تعاون مستدام إذا كنا سنرى اعتماد وتنفيذ إصلاحات شفافة".

المزيد من العالم العربي