Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلغاء نظام الترخيص أنتج آلاف الجمعيات في تونس

ملاحقات قضائية لبعضها بسبب تهم تتعلق بالتمويل الأجنبي

اضطرت تونس لتعديل تشريعاتها بهدف الحد من أخطار تبييض الأموال وتمويل الإرهاب (غيتي)

شهد تأسيس الجمعيات في تونس طفرة منذ ثورة 14 يناير (كانون الثاني) 2011، وذلك بعد إلغاء نظام الترخيص من وزارة الداخلية والاعتماد على نظام الإعلام فقط لدى الإدارات التابعة لرئاسة الحكومة. وفي حين أن تأسيسها حق يكفله الدستور التونسي، إلا أن كثرتها وصعوبة مراقبة نشاطها ومصادر تمويلها، أصبح هاجساً يقلق التونسيين بخاصة على المستوى الأمني. وتُثار تساؤلات حول التمويل الأجنبي المفترض لبعض الجمعيات.
ووفقاً للمرسوم عدد 88 لعام 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات في تونس، فيضمن فصله الأول حرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها والنشاط في إطارها. ويشترط هذا المرسوم على الجمعيات أن تحترم في نظامها الأساس وفي نشاطها وتمويلها مبادئ دولة القانون والديمقراطية والتعددية والشفافية والمساواة وحقوق الإنسان، وأن تنأى بنفسها عن الدعوة إلى العنف والكراهية والتعصب والتمييز على أسس دينية أو جنسية أو جهوية.
في المقابل، يمنع المرسوم على الجمعيات أن تجمع الأموال لدعم أحزاب سياسية أو مرشحين مستقلين للانتخابات الوطنية أو الجهوية أو المحلية أو أن تقدم الدعم المادي لهم.

التمويل المقنّع

ولا يزال الجدل حول الخروقات الحاصلة في الانتخابات التونسية الماضية دائراً، ومع بداية الحديث عن إمكانية تنظيم انتخابات سابقة لأوانها بسبب الأزمة السياسية التي تعيشها تونس، تعالت أصوات للمطالبة بتغيير النظام الانتخابي الحالي والتشدّد في مسألة علاقة المرشحين بالجمعيات.
وتقول أستاذة القانون العام، الناشطة في المجتمع المدني هناء عبدة، بشأن موضوع المنظمات المجتمع المدني والتمويل الأجنبي بأنه "غير ممنوع قانوناً، وبالتالي لا يمكن اعتباره تهمة"، مضيفة أن "العمل مع المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية التي تنشط في تونس بصفة قانونية، هو مساعدة في وضع برامج إصلاحية للبلاد في شتى الميادين". وقالت إن "المساعدات المالية الأجنبية لتونس تكون إما للدولة مباشرة أو من خلال تنفيذ برامج من قبل المنظمات". وأفادت بأن عدداً كبيراً جداً من أصدقائها وزملائها يتعاملون مع هذه المنظمات، مؤكدة أن هذه المنظمات الأجنبية "لم تتدخل في كتابة تقارير الجمعيات"، مضيفة في السياق ذاته أنه "من حق تلك الجمعيات الاختيار مع مَن تتعامل وأن تستفسر عن الممول". وزادت أن "أغلب الشباب التونسي الفاعل في المجتمع المدني يحاول الحصول على تمويلات لتنفيذ برامج للاستفادة منها على المستوى الوطني".
وأثار تقرير محكمة المحاسبات حول نتائج تمويل الحملات الانتخابية للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، والانتخابات التشريعية لعام 2019، ومراقبة مالية الأحزاب جدلاً واسعاً، بسبب ما كشفه من تجاوزات عدة، يتعلق جزء منها باستغلال مرشح للرئاسة نشاطات إحدى الجمعيات في حملته الانتخابية. كما أشار جانب من التقرير إلى محدودية آليات الرقابة على الحملات الانتخابية، مقراً بوجود آليات جديدة للدعاية والتمويل المقنّع من قبل الجمعيات التي يسمح لها القانون بتلقي هبات وتبرعات وتمويلات أجنبية معلومة المصدر، في وقت يمنع القانون حصول الأحزاب على تمويلات أجنبية وفق التقرير ذاته.

جمعيات مشبوهة

في هذا الصدد، رأى الكاتب الصحافي مراد علالة أن "مسألة الجمعيات في تونس أصبحت معقدة ومرتبطة بالإرادة السياسية القوية والصادقة". وأضاف في حديث خاص أن "تضاعف عدد الجمعيات بمختلف أصنافها واختصاصاتها بعد ملحمة يناير 2011 غير المكتملة، يعود إلى سببين رئيسين، أولهما المناخ غير المسبوق من الحرية وحرية التنظم والتعبير، وثانيهما اعتماد نصوص قانونية فضفاضة كي لا نقول مائعة وملغومة، من بينها مرسوم الجمعيات الذي عوّض قانون الجمعيات الزجري القديم".
ونتيجة لذلك اعتبر علالة أن "بعد تضخم العدد وحصول انفلات في الأدوار، أصبحت الجمعيات تنشط من دون رقيب أو حسيب، وهذه الوضعية غذتها بطبيعة الحال عثرات الانتقال الديمقراطي وتعاقب منظومات الحكم وعدم استقرارها، إضافة إلى جِدّة الهيئات الرقابية وضعفها". والأخطر من ذلك بحسب علالة، هو "تداخل السياسي بالمدني والحصانة أو الحماية التي وفرتها قوى سياسية وأحزاب بعينها لجمعيات مارقة خارجة عن القانون وعن العقد الاجتماعي ومتمردة على الدولة ومنخرطة في أجندات ومهمات لا تخدم المواطن التونسي ولا التجربة التونسية، بقدر ما تسدي خدمات مسمومة وتسهم في تمرير رؤى وبرامج قوى إقليمية ودولية نافذة". في هكذا مناخ، قال مراد علالة "أصبحت الخشية مشروعة من جمعيات خصوصاً منها تلك المرتبطة بجماعات الإسلام السياسي والمتنكرة بعباءة العمل الخيري ونشر الثقافة الدينية، وكأن البلاد لم تعرف الأديان عموماً وأساساً الدين الإسلامي منذ 14 قرناً".

إلا أن مسؤولاً في وزارة حقوق الإنسان والعلاقة مع الهيئات الدستورية، رفض الكشف عن اسمه، أعلن أن وزارته قامت بحل أكثر من 40 جمعية وهي تقاضي حوالى 450 أخرى بسبب تهم ترتبط بتمويل الإرهاب وغسل الأموال.

ويذكر أن تونس اضطرت لتعديل تشريعاتها بهدف الحد من أخطار تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، بعد أن أدرجها الاتحاد الأوروبي عام 2017 ضمن القائمة السوداء للدول المعرضة بقوة لتلك الأخطار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ترويج خطاب الكراهية

ولوحِقت أكثر من جمعية في تونس بشبهة ترويج خطاب الكراهية والعنف وبشبهة الإرهاب أيضاً تجنيداً أو تمويلاً أو دعاية أو تحريضاً. وعلى الرغم من شح المعلومات حول الجمعيات المعنية سواء منها تلك التي تفطنت إليها الجهات الرسمية واتخذت إجراءات قانونية حيالها، من ضمنها الحل، أو تلك التي لا تزال تعمل تحت عناوين الفضل والاحسان والإسلام والديمقراطية، فإن السؤال يُطرح حول قدرات هذه الجمعيات وأموالها وارتباطاتها وجمع مسؤوليها بين الانتماء إلى الجمعيات والأحزاب.
وقال علالة تعليقاً على ذلك، إن "هذا المشهد يؤرق ويقلق التونسيين، فهو يمس بسلامة المجتمع وقيمه واعتداله ويهدد الأمن القومي ويضرب في العمق السيادة الوطنية من دون أن ننسى التدخل أيضاً في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة والصديقة، والإساءة أيضاً إلى المنجز الإنساني المتعلق بحقوق الإنسان ومبادئها السامية". وأضاف أن "الحل اليوم ليس فقط في مراجعة فورية للتشريعات وفي مقدمتها مرسوم الجمعيات، وإنما في توفر إرادة سياسية قوية وصادقة من أجل تفعيل الهيئات والآليات الرقابية والضرب بيد من حديد على كل جمعية مارقة تعرض حياة العباد والبلاد للخطر".

وارتفع العدد الإجمالي للجمعيات الناشطة في تونس إلى 23676 جمعية، حتى تاريخ 10 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، بحسب أحدث إحصاءات نشرها مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات، التابع لرئاسة الحكومة التونسية، على موقعه الإلكتروني.
واستأثرت الجمعيات ذات النشاط الثقافي والفني بالنصيب الأوفر من مجموع الجمعيات بنسبة 19،74 في المئة (4670 جمعية)، تليها الجمعيات الناشطة بالمجال المدرسي بـ 19،41 في المئة (4593 جمعية)، ثم الجمعيات الرياضية بنسبة 12،18 في المئة (2881 جمعية). كما استحوذت الجمعيات الخيرية والاجتماعية على حصة هامّة في صلب مشهد الجمعيات في تونس بنسبة 11،17 في المئة (2643 جمعية).
وبلغ عدد الجمعيات الأجنبية الناشطة في تونس 200 جمعية، منها 155 مقرها في ولاية العاصمة التونسية، فيما تعمل 14 جمعية في ولاية أريانة، وتتوزع بقية الجمعيات الأجنبية على ولايات أخرى في البلاد.

المزيد من العالم العربي