Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تشهد إسرائيل جولة انتخابات جديدة؟

المعضلة الأساسية أن اليمين منقسم بسبب نتنياهو ويصعب عليه التحالف مع اليسار والعرب

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ ف ب)

أظهرت نتيجة الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وهي الرابعة في عامين، استمرار معضلة الحياة السياسية في تل أبيب، وأنه مع تباين النتائج في كل مرة تقريباً، خصوصاً هذه الجولة الأخيرة، فإن هذا التباين هامشي، ويصب في مجموعة من الدلالات الرئيسة التي تكشف حجم الورطة السياسية في البلاد ومدى تعقدها.

وحصلت الكتلة المؤيدة نتنياهو على 59 مقعداً، بينها الليكود 30 مقعداً، وشاس 9 مقاعد، ويهودت هتوراه ويمينا 7 مقاعد لكل منهما، و6 مقاعد للصهيونية الدينية. ومن ناحية حصل حزب "مش عتيد" أو "هناك مستقبل" على 17 مقعداً ليصبح الحزب التالي لليكود، الذي يمكن تكليفه تشكيل الحكومة في حالة فشل نتنياهو، ويليه شاس ثم حزب أزرق أبيض بثمانية مقاعد، الذي تحول إلى مرتبة متأخرة، بعد أن كان سابقاً يقود المنافسة ضد نتنياهو حتى خان جبهة المعارضة وتحالف مع رئيس الوزراء في رهان خاسر، وحصل حزب ليبرمان يسرائيل بيتنا على 7 مقاعد، وكذا حزب العمل، ثم كل من ميريت والحزب الصهيوني والقائمة العربية المشتركة على 6 مقاعد، وأخيراً القائمة العربية الموحدة 4 مقاعد، وفي الواقع أن هذه النتائج تتضمن عديداً من الدلالات.

الدوران في المسارات نفسها

منذ عقدت انتخابات 2019، يدور المجتمع الإسرائيلي في الدوائر المفرغة نفسها، ففي كل مرة لا يحقق أي تكتل أغلبية مريحة، تمكّنه من تشكيل حكومة مستقرة، وسواء كانت الكتلة التي يقودها نتنياهو أو الكتلة المعارضة له، ففي كل مرة كان كلاهما يعجز عن تشكيل حكومة مستقرة وقادرة على الصمود، وقد نجح نتنياهو خلال ذلك في الاستمرار في موقعه، بل وتمكّن من إضعاف أهم كتلة ضده، وهى أزرق أبيض برئاسة غانتس، الذي بلع الطعم في الجولة السابقة، وشارك نتنياهو بعد أن كان يتزعم معارضته، وقد أدّت انتهازيته هذه إلى خسارة فادحة في هذه الجولة الأخيرة، وتراجعه إلى مركز رابع لا يتيح له قيادة المعارضة ولا قيادة تشكيل حكومي.

كما نجح نتنياهو بالجولة الأخيرة في تقسيم الكتلة العربية التي حصلت على 6 مقاعد فقط، و4 آخرين للقائمة العربية الموحدة للإخوان المسلمين، منخفضة بإجمالي 5 مقاعد، حيث كانت قد حصلت في الجولة السابقة على 15 مقعداً وهي موحدة.

وهذه النتيجة لأهم خصوم نتنياهو تعني من دون شك نجاحاً للرجل، صحيح أن كتلته نفسها انخفضت بعدد 6 مقاعد، لكنه نجح في إضعاف خصمين مهمين بمهارته وقصر نظر هذين الخصمين، انتهازية غانتس، وتشرذم عرب إسرائيل وانتهازية الجناح الإخوانى ممثلاً في القائمة العربية الموحدة التي كان انشقاقها سبباً في تراجع التصويت العربي.

في جميع الأحوال معنى النتيجة الأخيرة أن الرئيس الإسرائيلي سيكلف نتنياهو أولاً تشكيل الحكومة، وإذا فشل كما هو متوقع سيكلف الكتلة التالية التي يصعب توقع نجاحها أيضاً، ما لم يتزايد الاقتناع السياسي في البلاد بأن الخلاص الوحيد من هذه الأزمة السياسية والركود الحالي هو بتكوين ائتلاف وطني واسع هدفه التخلص من هيمنة نتنياهو وإرثه المعقد.

وبالفعل تسعى بعض الأطراف، خصوصاً حزب يش عاتيد بزعامة يائير لابيد لحشد التأييد ليسند له رئيس الدولة ريفلين مهمة تأليف الحكومة، وفي سبيل ذلك اجتمع مع رئيس حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان، وكذا حزب العمل ميراف ميخائيلى، كما تبذل مساعى لإقناع رئيس حزب يمينا بالانضمام إلى هذا المعسكر مقابل ترؤسه الحكومة بالتناوب، وتواجه هذه المبادرات صعوبات شديدة مع تعهد بينيت ولابيد بعدم الاعتماد على دعم ميريتس والقائمة العربية المشتركة، ففي النهاية المعضلة الأساسية أن اليمين منقسم بسبب نتنياهو ويصعب عليه كذلك التحالف مع اليسار والعرب.

إرث نتنياهو المعقد

أمّا لماذا هو إرث معقد، فربما يكون من الموضوعية تقييم نتنياهو بشكل سليم، فمما لا شك أن هذا الرجل الراجح إدانته بتهمة الفساد المالي، وهو ما يمكن معه اتهامه بالفساد السياسي، ومن المؤكد أنه أكبر خصوم أي سلام حقيقي وتسويات قابلة للاستدامة بين إسرائيل والجانب الفلسطيني، لكنه حقق إنجازات للمشروع الصهيوني لم يحققها أغلب من سبقوه من زعماء الليكود، فهو قد نجح في ظل إدارة ترمب في تحقيق خطوات غير مسبوقة في الاقتراب من قبول إسرائيل إقليمياً.

كما أنه نجح في الإجهاز على أغلب فصائل اليسار الإسرائيلي وقوى السلام، وكذلك في تعزيز مواقع اليمين الإسرائيلي، حتى إن إجمالى اليمين الإسرائيلى الآن 80 مقعداً سواء المتحالفين معه أو المعارضين له، ونجح في إثبات مهارته السياسية الفائقة وشل وإضعاف خصومه، ويسجل له إنجازات في مواجهة أزمة كورونا، وفي توسيع شبكة تحالفات وعلاقات بلاده الخارجية.

معضلة اليسار والصوت العربي

لم يكن يتخيل أحد منذ نشأة إسرائيل، أن حزب العمل والتيارات اليسارية التي لعبت دوراً رئيساً في إنشاء الدولة الإسرائيلية سيتراجع وزنها بهذا الشكل الراهن الذي تعانيه الحياة السياسية الإسرائيلية، ولقد بدا هذا التراجع بشكل متدرج، في البداية انشقاق بخروج القوى الكثر دعماً لعملية السلام، وتأسيس حركة بهذا الاسم، حاولت أن تلعب دوراً ملحوظاً في العقود الخيرة من القرن العشرين، ثم تراجعت وخفتت إلى ما يشبه الاختفاء، وهو أمر يعده نتنياهو نجاحاً مهماً له.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والحال الآن كما سبق أن المجتمع الإسرائيلي قد تحول يميناً بشكل خطير حتى صار ثلثا أعضاء الكنيست منتمين لهذا التيار، ولا يوجد في الأفق أي مظاهر لاحتمال عودة هذه القوى اليسارية مرة أخرى إلى صدارة العملية السياسية، ربما بشكل يتجاوز تقدم اليمين عالمياً.

أما الصوت العربي فهو يعاني التباساً وتآمراً، تشارك فيه أطراف عديدة ليس فقط الليكود والقوى اليمينية، إنما أيضاً أبواق عربية وفلسطينية تحبط عزائم عرب 48، ويكملها الآن قوى فلسطينية من فصائل الإسلام السياسي تمارس سلوكها التاريخي في إضعاف قضيتها وتشويه الأولويات وخدمة المصالح الغربية والإسرائيلية، ولهذا كان موقف الانشقاق الأخير للقائمة العربية الموحدة التي تحيط بها كثير من التساؤلات، التي يردد البعض أنها قد تشارك في أحد هذه الائتلافات، وهو ما قد يكون قد اتضح الآن.

سياق أشمل

لا أستطيع أن أرى في استمرار تقدم اليمين الإسرائيلي، وتراجع مفاهيم ادعاءات الديمقراطية، وتزايد التشدد الديني والعنصري إلا نمواً طبيعياً للفكرة الصهيونية التي أعطاها مؤسسوها من حزب العمل الإسرائيلي مذاقاً ملتبساً، اختفى تقريباً الآن، وحل محله تصور ضيق واحد، فكرة تزداد اتساقاً مع نفسها، وتنفض أي مكون آخر لا يتفق مع تيارها ومحتواها الأكبر، ومن ثمَّ يتمكن رئيس الوزراء نتنياهو بكل ممارساته والاتهامات الموجهة ضده من الاستمرار وشل خصومه، كونه الأكثر تعبيراً عن محتوى هذه الفكرة، حتى لو ذهب غداً أو بعد غد.

من أجل هذا تبدو لي القضية أكبر من مناورات يجيدها رئيس الوزراء الإسرائيلي، يمكن أن تنجح، ويشكل حكومة قصيرة العمر ينتج عنها ضعف أطراف جديدة تكون قد قبلت التحالف معه، خلافاً لأجندتها الانتخابية، وتنتهي هذه المغامرات على الأرجح بانتخابات جديدة، فالقضية أبعد من هذا، وتتعلق بخلل هيكلي عميق في الحياة السياسية الراهنة، ربما لا يكون نتنياهو نفسه إلا عرضاً وناتجاً لهذه الخلل.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل