اختارت الحكومة الإيرانية أن يتم التوقيع على اتفاقية التعاون التجاري والاستراتيجي لمدة 25 عاماً خلال عطلة رأس السنة الفارسية، لتفادي أي ردود فعل داخلية. وكانت وسائل التواصل على الإنترنت في إيران شهدت العام الماضي موجة من التعليقات المنتقدة للاتفاق ووصفته بأنه "ارتهان للبلاد لدولة أجنبية". وواجهت الحكومة مناقشات عاصفة في البرلمان جعلت الرئيس حسن روحاني يؤكد أنه لن يتم التوقيع على اتفاق لا تعلن تفاصيله للشعب. لكن التوقيع السبت على الاتفاقية من قبل وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف ونظيره الصيني وانغ يي، لم يتطلب الإعلان عن أي تفاصيل للاتفاق. وإن كانت صحيفة "فاينانشيال تايمز" ذكرت أنه ربما لا يختلف كثيراً عن المسودة التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" في يوليو (تموز) العام الماضي وتقع في 18 صفحة.
وأشارت تلك المسودة إلى اتفاق "شراكة اقتصادية وأمنية" بين بكين وطهران يتضمن استثمارات صينية في قطاعات الاقتصاد الإيراني بنحو 400 مليار دولار مقابل توريد إيران للنفط بشكل دائم ومستقر إلى الصين على مدى 25 عاماً هي مدة الاتفاق. وفي مقابل أن يكون النفط الإيراني للصين بأسعار مخفضة، تدخل الشركات الصينية في مجالات مختلفة في الاقتصاد الإيراني. وتشمل تلك المجالات القطاع المصرفي والموانئ والسكك الحديد وعشرات المشروعات الأخرى في مجالات الطاقة والبتروكيماويات والطاقة النووية. ولم تذكر "نيويورك تايمز" تفاصيل التعاون الأمني في مسودة الاتفاق، لكنها قالت إن ذلك التعاون يمنح الصين وجوداً في منطقة الخليج بعد أن أقامت أول قاعدة عسكرية لها خارج البلاد في جيبوتي.
حجم الاستثمار المشترك
من غير الواضح حجم الاستثمارات التي يمكن أن تضخها الشركات الصينية في إيران، إن كانت أصلاً ستضخ استثماراً مباشراً. وإذا كان الاتفاق يأتي ضمن مشروع الحزام والطريق الذي تعتبره حكومة الرئيس الصيني شي جين بينغ أولوية قصوى، فإن مبادرة الحزام والطريق يقدر أن تتكلف تريليون دولار، وتضم عشرات البلدان التي توقع معها الصين اتفاقيات. ومن الصعب تصور أن تكون نصف كلفة المبادرة تقريباً هي قيمة الاتفاق مع إيران فقط.
تعد الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، وفي العام السابق على وباء كورونا (2019) بلغت واردات الصين 10 ملايين برميل يومياً. وتستورد الصين النفط الإيراني بكثافة، لكن العقوبات الأميركية في فترة رئاسة دونالد ترمب قللت كثيراً من واردات النفط الإيراني للصين. وإن كان بعض المسؤولين الأميركيين أشاروا في الآونة الأخيرة إلى زيادة صادرات النفط الإيراني للصين.
كما أن الأسواق الإيرانية مكتظة بالبضائع الصينية، على الرغم من العقوبات التي لم تلغها إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن. وتتراوح السلع والمنتجات الصينية في الأسواق الإيرانية ما بين الآلات والمعدات إلى قطع الغيار والملابس ولعب الأطفال. ونقلت "فاينانشال تايمز" عن مسؤولين في إدارة بايدن قولهم، إن واشنطن أبلغت بكين بأن إدارة بايدن ستعمل على تطبيق العقوبات على إيران بصرامة.
صادرات النفط
تأتي الصين في مقدمة شركاء إيران التجاريين. فمن بين 73 مليار دولار هي حجم التجارة الإيرانية مع الخارج في العام الأخير، كان نصيب التجارة مع الصين 18.6 مليار دولار. إذ بلغت صادرات إيران للصين 8.9 مليار دولار أغلبها من النفط، بينما استوردت بضائع صينية بنحو 9.7 مليار دولار.
أما مسألة استثمار الصينيين في إيران فهي محل شك كبير، كما تشير "فاينانشال تايمز". ونقلت الصحيفة عن رجال أعمال إيرانيين قولهم، إن الصين أثبتت أنها لا يعتمد عليها في العقود الكبيرة، وأن التاريخ يمكن أن يكرر نفسه على الرغم من هذا الاتفاق الأخير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ففي عام 2009 وقعت شركة الصين الوطنية للبترول اتفاقية مع إيران لتطوير حقل جنوب أزادغان النفطي بعد انسحاب شركة "إيمبكس" اليابانية من المشروع. ونتيجة التأخير المتكرر وعدم كفاءة الأداء ألغت إيران الاتفاق مع الشركة الصينية. كما أبرمت الشركة الصينية عقداً بمليارات الدولارات مع إيران لتطوير حقل جنوب بارس للغاز، بعد انسحاب شركة "توتال" الفرنسية منه بسبب العقوبات الأميركية، لكنها لم تنفذ تعاقداتها وألغي العقد أيضاً.
العودة للاتفاق النووي
ويرى أغلب المحللين أن الاتفاق الصيني الإيراني، أياً كانت تفاصيله، ستتوقف نتائجه الفعلية على ما يمكن أن تسفر عنه أي محادثات محتملة بين إيران والولايات المتحدة بشأن عودة واشنطن للاتفاق النووي، بالتالي رفع العقوبات الأميركية.