Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النقل البحري الأكثر غموضاً على مستوى العالم

يرى بن تشو أن العرقلة في قناة السويس تسلط الضوء على قطاع دولي رئيسي يفتقر إلى المساءلة والشفافية

 لا تقتصر المشكلة على غياب الشفافية عن قطاع الشحن البحري في أزمة سد مجرى قناة السويس (رويترز)

عندما علقت سفينة شحن بحجم مبنى "إمباير ستايت" في قناة السويس هذا الأسبوع، ما عرقل طريقاً رئيساً للتجارة العالمية، كان السؤال الطبيعي هو من هي الجهة المسؤولة عن السفينة؟.

وتبين أن الإجابة معقدة إلى حد ما. فالسفينة "إفر غيفن" مسجلة في بنما، لكن شركة شحن تايوانية تدعى "إفرغرين مارين" تشغلها.

غير أن "الإدارة الفنية" للسفينة تعود إلى شركة "بيرنهاردت شولتي لإدارة السفن"، التي تتخذ من هامبورغ مقراً لها.

من هي الجهة التي تمتلك السفينة إذاً؟ تبين أنها شركة يابانية تدعى "شوي كيسن كايشا"، وهي تحديداً تابعة لشركة "إيماباري لبناء السفن" اليابانية.

وبالمناسبة فإن أفراد الطاقم الذين يبلغ عددهم 25 شخصاً ليسوا بنميين أو تايوانيين أو ألماناً أو يابانيين بل مواطنين هنوداً.

ليس هناك أمر غير عادي في شكل خاص في تعدد الجنسيات هذا في عالم النقل البحري التجاري. فقد يتوقع المرء أن يكون قطاع مثل الشحن البحري العالمي معولماً.

ومع ذلك تثير الشبكة المعقدة من مسؤوليات التسجيل والملكية والتشغيل تساؤلات حول المساءلة.

تقول محللة شؤون الشحن في دورية "لويدز ليست"، ميشيل ويز بوكمان، إن من اللافت إلى أي حد رؤساء الشركات المشاركة في هذه الأزمة غير مرئيين (مختفين عن الأنظار).

وتقول، "أتوقع أن ترسل إفرغرين رئيسها التنفيذي إلى السفينة ليقدم شرحاً، هذا ما قد يتوقعه المرء في أي قطاع آخر".

والمشكلة في نظر المنتقدين لا تقتصر فقط على غياب الشفافية عن قطاع الشحن البحري في أزمة كهذه.

هي أيضاً مشكلة عندما يتعلق الأمر بحماية رفاه البحارة، والحد من الانبعاثات الكربونية الكبيرة التي يطلقها القطاع، والحد من الفساد.

رفاه البحارة

لم يثر تسجيل "إفر غيفن" في بنما ملاحظات أو انتقادات في قطاع النقل البحري. فالدولة الواقعة في أميركا الوسطى التي يبلغ عدد سكانها 4.2 مليون شخص تملك أكبر سجل للسفن في العالم.

لعقود من الزمن، اختار مالكو السفن في مختلف أنحاء العالم تسجيل سفنهم في بنما كوسيلة في المقام الأول، وفق المنتقدين، ليخفضوا الضرائب المتوجبة عليهم ويتجنبوا أيضاً القيود التنظيمية البحرية الأكثر صرامة التي تفرضها بلدانهم.

ويشن الاتحاد الدولي لعاملي النقل حملة ضد ما يُسمى "الأعلام المناسبة" (رفع علم الدولة حيث سجلت السفينة أو الناقلة عوض جنسية الجهة المالكة) منذ خمسينيات القرن العشرين، مشيراً إلى أن هذا من شأنه أن يقوض رفاه البحارة وظروفهم ويجعل من الصعب على النقابات أن تحصل على الاعتراف.

وعام 2014، وصف الاتحاد نظام السلامة البنمي بأنه "معيب في شكل خطير في مجالات مثل الإشراف والتحقيق في الحوادث ومساعدة الطواقم"، وإن كانت وجهة النظر العامة تشير إلى أنه تحسن في السنوات الأخيرة.

بيد أن المخاوف في شأن سلامة البحارة في النقل البحري التجاري العالمي ازدادت حدة أثناء انتشار الجائحة.

في سبتمبر (أيلول)، قدرت غرفة الشحن الدولية أن 400 ألف بحار تجاري غير قادرين على مغادرة سفنهم بسبب القيود المفروضة في ظل فيروس كورونا، و400 ألف آخرين ينتظرون الانضمام إلى أفراد الطواقم الموجودين على البر الذين يحصلون على أجر ضئيل أو لا يحصلون على أجر.

وفي سبتمبر أصدر رئيس تحرير المنشور البحري "جي كابتن"، جون كونراد، شريط فيديو مؤثراً يسرد مجموعة من الحوادث البحرية، واقترح أن عديداً من هذه الحوادث كانت نتيجة لتراجع معايير السلامة البحرية في السنوات الأخيرة.

وحذر قائلاً، "كانت المصالح البحرية مجزأة ومشتتة في مختلف أنحاء العالم، ولا يملك البحارة من كل بلد فرصة كبيرة للتواصل".

ويعتقد الاتحاد الدولي لعاملي النقل بوجوب التخلي عن نظام الأعلام المناسبة، ويؤكد ضرورة وجود "صلة حقيقية" بين مالكي أي سفينة والبلد الذي تُسجل السفينة فيه.

التلوث

يُقدر أن النقل البحري مسؤول عن 2.5 في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية السنوية.

وحددت المنظمة البحرية الدولية، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة، هدفاً يتمثل في خفض إجمالي الانبعاثات السنوية من غازات الدفيئة الناتجة من النقل البحري بنسبة 50 في المئة على الأقل بحلول عام 2050 مقارنة مع مستوى عام 2008 عن طريق زيادة كفاءة الوقود في السفن وتطوير وقود حيوي.

ولا تشمل أهداف اتفاقية باريس التابعة للأمم المتحدة لعام 2050، التي تتلخص في الإبقاعلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية عند مستوى أقل من درجتين مئويتين، الانبعاثات الناتجة عن الشحن البحري، لكن المنظمة البحرية الدولية تزعم أن أهدافها ستكون "متسقة" مع هذه المستهدفات.

وعلى الرغم من هذا، وجد الباحثون أن الإشراف على مسائل المناخ على مستوى مجالس الإدارة في شركات النقل البحري ذاتها منخفض للغاية، مقارنة مع غيرها في قطاعات أخرى، فضلاً عن أن الكشف عن التلوث يكون هزيلاً.

وتشتبه ميشيل ويزي بوكمان من "لويدز ليست" في أن عديداً من مالكي السفن ليسوا جادين حقاً في تقليص انبعاثات الكربون.

وتقول، "هناك عناصر قوية للغاية في القطاع لا تحب أي تغيير، أو ما قد يكلفها المال".

ولعل عدم شفافية الشحن على مستوى الشركات ساعدها في التهرب من هذه المسؤولية قياساً إلى قطاعات النقل الأخرى الأكثر تماساً مع المستهلكين مثل الطيران أو السيارات.

الفساد

تقول مؤسسة مجموعة "ترايس" لمكافحة الرشوة، أليكساندرا رايج، إن قطاع الشحن البحري، بطبيعته، يواجه تحديات مشكلات فساد أكثر من معظم القطاعات الأخرى، لأن السفن تنتقل من كيان ذي سيادة إلى آخر كل الوقت. وتسهم الطبيعة المجزأة لهذا القطاع أيضاً في هذا الخطر المتمثل في عدم التزام شركات النقل البحري أفضل المعايير والممارسات.

وتلاحظ السيدة رايج قائلة، "من منظور مؤسسي، تكاد هذه الشركات أن تكون مكتفية ذاتياً (من دون الاحتكام إلى معايير ناظمة)".

وتشير إلى حادثة قناة السويس باعتبارها مثالاً لذلك النوع من الإغراءات التي تنجم من ذلك (عدم التقيد بمعايير).

وتقول، "بمجرد أن يتمكنوا من فتح (القناة)، سيكون هناك عدد كبير من السفن وسيكون لكل سفينة من هذه السفن مسوغات استثنائية للاقتراب من مقدمة الصف.

"فالفرصة السانحة أمام الفساد هناك واضحة إلى حد كبير. ويمكن لتوفير ساعات [خلال الرحلة] أن يوفر أموالاً للشركة، والآن من الممكن تقليص عدد أيام [الانتظار]".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقول السيدة رايج إن بعض شركات الشحن تحاول تنظيف [إزالة الشوائب القانونية عن] عملها لكن "شركات كثيرة لا تفعل ذلك".

ومع ذلك، شددت على أن الحكومات تحتاج أيضاً إلى القيام بمزيد من العمل من خلال رقمنة العمليات لتقليل عدد الاجتماعات وجهاً لوجه حيث قد تحدث الرشوة.

وزعمت قائلة: "إن شركات الشحن قادرة على إعطاء أولوية أعلى للحوكمة والشفافية، لكن الحكومات التي تسيطر على الموانئ لا بد لها من أن تزيد الضغط أيضاً".

تغيير في قوانين النقل البحري؟

يتفق الخبراء على أن غياب الشفافية في قطاع الشحن العالمي يبلغ مرحة حرجة. وبالنسبة إلى أولئك في القطاع الذين يريدون تجنب التدقيق والمساءلة، فهذا مبتغاهم وما يحلو لهم.

لكن تماماً كما يصعب تجاهل سفينة شحن عالقة في إحدى القنوات، قد يجد الآن قطاع اعتاد على العمل بعيداً عن الأنظار [والمساءلة] صعوبة كبيرة في القيام بذلك.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد