Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد أزمة السفينة الجانحة... هل من بديل لقناة السويس؟

"وول ستريت جورنال" تتوقع تحديات مستقبلية للحكومة المصرية وشركات شحن اختبرت مسارات أطول وأكثر كلفة

تحول جنوح سفينة الحاويات العملاقة "إيفر غيفن" في قناة السويس إلى واحدة من أهم الأزمات الدولية بعدما أدت إلى اضطراب في عمليات التوريد العالمية، وزادت الكلفة على الاقتصاد الدولي إلى 9.6 مليار دولار كل يوم، ما أثار تساؤلات حول متى وكيف يمكن إعادة تسيير السفن في القناة التي يمر عبرها 10 في المئة من حجم التجارة الدولية، وكيف سيؤثر ذلك على أسعار الوقود والسلع عالمياً، وما التحديات التي تواجه القناة مستقبلاً، وهل كان مشروع شق مجرىً ملاحياً موازياً عام 2014 كافياً لضمان مستقبل أفضل للقناة؟

أزمة تتفاقم

وتتفاقم أزمة سفينة الحاويات العملاقة "إيفر غرين" الجانحة في قناة السويس المصرية كل يوم، إذ تنتظر أكثر من 200 ناقلة وحاوية في البحرين الأحمر والمتوسط على جانبَي القناة، ويتزايد عددها بمعدل 50 سفينة كل يوم، فيما تواجه كل من شركات الشحن والتأمين خسائر بمليارات الدولارات، ولا يدري أصحاب الناقلات الضخمة في عرض البحر، ما الذي يتوجب عليهم فعله، ما يزيد الضغوط لفتح القناة في أقرب وقت ممكن.

وبينما يكثف المحققون المصريون جهودهم لمعرفة كيفية جنوح الحاوية العملاقة التي يبلغ ارتفاعها 1300 قدم، وعلى الرغم من الحديث المبدئي عن سوء الأحوال الجوية، يحذر خبراء شحن دوليون من أن الأمر قد يستغرق أياماً عدة أو أسابيع لاستئناف حركة النقل بشكلها الطبيعي في المجرى الملاحي للقناة، فيما بدأت بعض الدول عرض مساعداتها على مصر وعلى رأسها الولايات المتحدة التي قالت إنها تدرس وتقيّم الوضع ومستعدة لتقديم يد العون للشركاء المصريين. 

مقامرة صعبة

ولكن في النهاية، قد تُضطَر شركات الشحن والشركات المالكة للناقلات والحاويات إلى المراهنة على ما إذا كان سيعاد فتح القناة قريباً، أو المقامرة بالبحث عن طرق بديلة باهظة الثمن وتستغرق وقتاً طويلاً، في وقت تقدر فيه شركة "لويدز" للتأمين أن الانتظار يكلفهم أكثر من 400 مليون دولار كل ساعة.

وفي ذات الوقت، لا يبدو أن القاهرة تخشى ضرراً مالياً كبيراً في الوقت الحالي على الأقل، لكنها تتوجس من الضرر الذي ربما يلحق بالقناة من حيث التسويق لها في منافسة البدائل، حيث عبّر أحمد درويش، الرئيس الأسبق للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، عن اعتقاده في حديث لصحيفة "وول ستريت جورنال" بأن الضرر الناجم من الحادث ربما يكون ضرراً تسويقياً أكثر منه ضرراً مالياً.

أهمية القناة

وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن الحكومة المصرية قررت قبل سبع سنوات، شق قناة سويس جديدة على طول القسم الشمالي من القناة، لتعزيز حركة الشحن العالمية واستيعاب تدفق السفن التي تنقل النفط والملابس والإلكترونيات وغيرها من السلع بين أوروبا وآسيا، على الرغم من كلفة المشروع التي بلغت نحو 8.5 مليار دولار، إلا أن الرهان كان يتعلق بتعظيم مكانة القناة عالمياً، وتحقيق مزيد من الإيرادات للدولة المصرية، إذ توقع الرئيس الأسبق لهيئة قناة السويس آنذاك، أن تتضاعف إيرادات القناة من نحو 5 مليارات دولار سنوياً عام 2015 إلى أكثر من 13 مليار دولار بحلول عام 2023، لكن الزيادة لم تصل إلى سقف هذه التوقعات التي بدت متفائلة حتى بالنسبة إلى الحكومة المصرية، حيث وصلت إلى 5.8 مليار دولار عام 2019، قبل أن تتراجع إلى 5.6 مليار دولار العام الماضي بسبب تباطؤ التجارة العالمية خلال جائحة فيروس كورونا.

وفي حين تمثل عائدات القناة نحو 1.5 في المئة من إجمالي الناتج الاقتصادي لمصر، إلا أنها تُعد مصدراً مهماً للعملة الأجنبية في بلد يعاني من عجز تجاري كبير، لا سيما في ظل تضرر حركة السياحة حول العالم التي كانت تدر مليارات الدولارات لمصر.
لكن حاوية "إيفر غيفن" جنحت في الجزء الجنوبي من القناة، الذي لا يوجد فيه سوى مجرى ملاحي واحد فقط، بعدما قررت الحكومة عدم شق ممر ملاحي مواز للممر الحالي على طول الجزء الجنوبي من القناة، على اعتبار أنه لا عائد استثمارياً لهذا الجزء، وأنه يمكن تأجيله للمستقبل، وفق ما قاله أحمد درويش الرئيس الأسبق للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس لصحيفة "وول ستريت جورنال".

تحديات مستقبلية

وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال" إن القناة تواجه تحديات مستقبلية تتمثل في المنافسة بين الممرات المائية الدولية بما في ذلك التهديد الذي يمكن أن يشكله تراجع أسعار النفط في أي وقت، وما يعنيه ذلك من خفض كلفة الشحن عبر رأس الرجاء الصالح حول جنوب أفريقيا، بالإضافة إلى ما أدى إليه الاحترار العالمي من وجود طريق ملاحي عبر البحر المتجمد الشمالي ليكون ممراً تجارياً بين شرق آسيا وأوروبا، الأمر الذي يهدد عوائد مصر من القناة مستقبلاً بحسب رأي بعض الخبراء.
وعلى سبيل المثال، اختارت شركات الشحن العام الماضي 2020، السير في الطريق حول أفريقيا وتجنب دفع رسوم عبور قناة السويس بسبب عاملَين رئيسَين هما السعة الضخمة لبعض السفن، وانخفاض أسعار الوقود آنذاك.

وهناك طريق آخر، لكنه مُقيّد بقيود شديدة، حيث يتم الترويج لطريق أقصر عبر القطب الشمالي يُعرف باسم الممر الشمالي الشرقي، أو طريق البحر الشمالي (أن أس آر)، الذي يمر عبر روسيا، حيث زاد عدد السفن التي تستخدمه إلى عدة مئات كل عام. ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى الاحتباس الحراري الذي أدى إلى انخفاض كثافة الجليد القطبي، لكن على الرغم من ذلك لا تزال حركة المرور هناك، مجرد جزء بسيط مما يمر عبر قناة السويس.
ولا يزال طريق البحر الشمالي غير عملي من قبل معظم شركات الشحن العالمية الكبرى، فعلى سبيل المثال، في عام 2018، أرسلت "مايرسيك"، أكبر شركة حاويات في العالم، إحدى سفنها عبر البحر الشمالي، لكنها أكدت أنها لا ترى هذا المسار بديلاً للطرق المعتادة، وأن الرحلة كانت مجرد تجربة لاستكشاف طريق غير معروف لشحن الحاويات وجمع البيانات العلمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


لا خطة بديلة جيدة

أما بالنسبة إلى التحديات الماثلة في الأزمة الحالية، تمتلك شركات تشغيل السفن بعض الخيارات، لكن لا يُعد أي منها جيداً حسب رأي الخبراء، ففي حين أن "الوقت هو المال" بدرجة فائقة، بخاصة بالنسبة إلى أعمال الشحن الدولية، تجد السفن الموجودة بالفعل داخل القناة أنها في وضع لا تُحسد عليه، ذلك أنه إذا لم يكن الممر المائي سالكاً للعبور قريباً، سينبغي عليهم اتخاذ قرار بشأن الاستمرار في الانتظار أو الانتقال إلى خطة بديلة.
ووفق خبراء في صناعة الشحن الدولية في مدينة نيويورك، فإن السفن الموجودة بالفعل جنوب قناة السويس، سيستغرقها الأمر عدة أسابيع كي تُبحر جنوباً عبر البحر الأحمر والمضي جنوباً في ممر ملاحي طويل حول أفريقيا وهو الطريق البحري العملي الوحيد بين أوروبا وآسيا الذي استخدمته السفن لعدة قرون قبل افتتاح قناة السويس عام 1869.

وإذا بدأت هذه السفن الإبحار مبكراً حول أفريقيا، فمن المؤكد أنهم سيتأخرون لفترة تتراوح بين أسبوعين إلى أربعة أسابيع وتزيد عليهم تكاليف وقود إضافية بملايين الدولارات، ولهذا سيكون من الأفضل للشركات المالكة والمشغلة للسفن، الانتظار والأمل في التوصل إلى حل سريع.
ولتبسيط الصورة أكثر عن الوقت الذي يمكن أن يضيع، يشير محللون إلى أنه بالنسبة إلى سفينة يبلغ متوسط سرعتها 12 عقدة (14 ميلاً في الساعة)، فإن رحلتها من السويس إلى أمستردام تستغرق 13 يوماً عبر القناة، بينما تستغرق الرحلة حول رأس الرجاء الصالح، 41 يوماً.

في انتظار وضوح الرؤية

ومع ذلك فإن وضوح الرؤية خلال الأسبوع المقبل سيكون حاسماً في اتخاذ قرارات صعبة، فإذا بدا أن إنهاء جنوح الحاوية "إيفر غيفن" سيتطلب عملية ضخمة ويستغرق وقتاً أطول، فسيتعين على شركات الشحن اتخاذ قرارات بالدوران حول أفريقيا، الشيء نفسه ينطبق على السفن التي لم تغادر موانئها بعد، على الرغم من أن تكلفة الوقت والمال بالنسبة إليها لن تكون بذات القدر، مقارنةً مع السفن القريبة من السويس أو بورسعيد.

وبالنسبة إلى السفن المتجهة إلى شرق آسيا وقادمة من أوروبا أو شرق الولايات المتحدة، فهناك خيار آخر محتمل، وهو المرور عبر قناة بنما عن طريق المحيط الهادئ، لكن عديداً من أكبر سفن الحاويات العاملة الآن، مثل سفينة "إيفر غيفن" التي يبلغ ارتفاعها 1300 قدم، أكبر من أن تتسع لها قناة بنما.

التأثير على الأسعار

ويتوقع خبراء اقتصاديون أن تتعرض سلاسل التوريد العالمية، التي تعطلت بالفعل بشكل كبير بسبب جائحة فيروس كورونا، لمزيد من الضغط إذا طال إغلاق قناة السويس، وسيكون التأثير الأكبر ملحوظاً في السوق الأوروبية، التي تعتمد بشكل كبير على النقل عبر القناة. ولكن نظراً إلى الطبيعة المترابطة بين عمليات التصنيع والتجارة حول العالم، فمن المحتمل أيضاً أن يكون هناك تأثير غير مباشر على الولايات المتحدة.
وإذا استمرت أزمة إغلاق القناة لبضع مئات من السفن في قناة السويس لمدة أسبوع، فسيكون هناك تأثير ضئيل على المستهلكين، لكن التأخير المطول قد يزيد من كلفة الشحن، ويعقد عمليات التصنيع ويؤدي في النهاية إلى ارتفاع الأسعار.
كما سترتفع تكاليف التشغيل بشكل كبير، لأن بقاء السفن لمزيد من الأيام في البحر يعني حرق مزيد من الوقود، إذ يمكن لسفن الحاويات الضخمة أن تحرق ما بين 100 إلى 150 طناً من الوقود يومياً، وهذا يعني 80 ألف دولار في اليوم من الوقود ووقت سفر إضافي لمدة 10 أيام من وإلى آسيا.
وعلاوة على ذلك، فإن التأمين هو اعتبار آخر، حيث تشير شركة "لويدز" العالمية للتأمين إلى أن استمرار الإغلاق لفترة طويلة في قناة السويس، سيكون له عواقب مالية يتحملها المالكون، لكنهم ينتقلون بعد ذلك إلى شركات التأمين، ما سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أقساط التأمين.
ولا يستبعد محللون اقتصاديون أن تكون هناك صدمة تضخمية يمكن أن تصيب المستهلك مباشرة.

التأثير على أسعار الوقود

ووفقاً لوكالة "رويترز"، تضاعفت أسعار شحن المنتجات البترولية منذ حادث جنوح الحاوية "إيفر غيفن"، وقد تشعر أسعار النفط ببعض الضغوط لزيادة الأسعار في أعقاب الحادث، إلا أن ارتفاعها تضاءل بسبب أنباء عن مزيد من عمليات الإغلاق المرتبطة بفيروس كورونا في أوروبا، التي من المرجح أن تستمر في خفض الطلب.
ويعتقد خبراء في مجال النفط أنه إذا ظلت قناة السويس مغلقة لأكثر من بضعة أيام أخرى أو أكثر من أسبوع، فمن المحتمل أن تكون هناك بعض الاضطرابات في تدفقات النفط بين الشرق الأوسط وأوروبا، ما قد يؤثر على الأسعار عالمياً.

المزيد من تقارير