في المملكة المتحدة، حذر علماء من أن الذهاب في رحلات سياحية خارج بريطانيا في يوليو (تموز) وأغسطس (آب) المقبلين، ينطوي على "خطر حقيقي" يهدد بجلب نسخ متحوّرة من "كوفيد" إلى البلاد.
وجاء في كلام أحد المستشارين لدى الحكومة البريطانية أن رفع المنع على رحلات دولية في الصيف المقبل "مستبعد جداً"، إذ ترتفع الإصابات باطّراد في أجزاء عدة من أوروبا.
وقد تناول ذلك الشأن، الدكتور مايك تيلدسلي، وهو أستاذ مساعد في نمذجة الأمراض المعدية في "جامعة وارويك" Warwick University البريطانية، أثناء حديث له في برنامج "اليوم" (توداي" Today) على إذاعة "بي بي سي" القناة الرابعة BBC Radio 4. وأوضح "إننا نجازف بظهور خطر فعلي إذا توجّه كثيرون في رحلات إلى الخارج في يوليو، مثلاً، أو أغسطس، نظراً إلى إمكانية جلب مزيد من تلك النسخ الجديدة المتحوّرة [من فيروس كورونا] إلى البلاد".
وكذلك أعرب الدكتور تيلدسلي عن قلق خاص تجاه متحوّرات تحمل طفرة جينية تُسمّى "إي 484 كي" E484K، مشيراً إلى أنها "الطفرة التي طرأت على السلالة الجنوب أفريقية التي يعترينا قلق حيالها، ونرى أنها تجعل اللقاحات أقل فاعلية. إنها أكثر انتشاراً في أوروبا، لذا أعتقد أنها تشكل مصدر قلق حقيقي. ويعني ذلك أنه إذا بدأنا نشهد وصول إصابات إضافية بتلك النسخة (إلى المملكة المتحدة)، عندها ستتملّص من اللقاح، وقد يحمل ذلك مشكلات إضافية لنا".
وأردف، "قبل بضعة أسابيع، قلت إنني على ثقة تامة بأن المملكة المتحدة قد تشهد موسم عطلات محلياً، نظراً إلى مستوى حملة التطعيم في بلادنا. لكنني كنت متشككاً أكثر بشأن في ما عساه سيحدث على الصعيد الدولي. وموقفي من ذلك لم يتغير كثيراً".
ويرى الدكتور تيلدسلي أن "السفر الدولي بالنسبة إلى السائح العادي في الصيف المقبل، مستبعد جداً للأسف، في اعتقادي".
تذكيراً، الدكتور تيلدسلي عضو في "المجموعة العلمية لوضع نماذج عن الإنفلونزا الوبائية" (أس بي أي- أم SPI-M) التابعة لـ"المجموعة الاستشارية العلمية الحكومية للطوارئ" ("سايج" Sage) في بريطانيا. وقد ذكر أن المخاطر تكون موجودة حتى عندما تشدد شركات السفر على أن يكون الركاب قد تلقّوا اللقاح المضاد، على غرار ما فعله بعض خطوط الرحلات البحرية، أو خضعوا لاختبارات الكشف عن كورونا في المطارات.
وواصل الدكتور تيلدسلي شرحه، "إذا استبعدنا من المعادلة متحوّرات جديدة في مقدورها أن تتهرب من الأجسام المضادة التي يولّدها اللقاح في الجسم، فثمة احتمال عندئذ أن يكون المسافرون نظرياً، في حال خضوعهم لفحوص الكشف عن الفيروس أو تلقّيهم اللقاح، آمنين جداً نتيجة مستويات الحماية".
في المقابل، تكمن "المشكلة الأكبر"، وفق الدكتور تيلدسلي، في "إمكانية إدخال متحوّرات جديدة إلى البلاد".
ووفق كلماته، "في ظني، يتمثّل الخطر الحقيقي في أن نجازف بحملة التلقيح عن طريق وصول تلك المتحوّرات التي لا تعمل اللقاحات ضدها بشكل فاعل، فتنتشر بسرعة أكبر".
وأضاف، "على المدى الطويل، من الوارد جداً أن تظهر في المملكة المتحدة نسخ متحوّرة لا تعمل اللقاحات المضادة بشكل فاعل ضدها (بالمقارنة مع السلالة الأصلية من كورونا)، وربما نضطر إلى التفكير في تنفيذ حملات تطعيم معززة في المستقبل. ولكن كلما أبعدنا ذلك إلى وقت لاحق، سيكون أفضل".
وتوضيحاً، فقد جاءت تصريحات المستشار لدى الحكومة البريطانية وسط بروز مخاوف من أن موجة ثالثة من كورونا استجدّت في أوروبا، قد تضرب المملكة المتحدة، إذ نقلت صحيفة "تايمز" البريطانية السبت الماضي عن مصدر حكومي أن "ثمة حقيقة مفادها بأن الموجتين الأولى والثانية من الجائحة ضربتا بلادنا عقب تفشيهما في أوروبا".
في المقابل، ذكرت كريستينا باغيل، أستاذة البحوث التشغيلية في "كلية لندن الجامعية" University College London، أن الحالات المتزايدة في أوروبا لن تؤدي إلى موجة جديدة في المملكة المتحدة لأن متحوّر مقاطعة كنت Kent البريطانية الذي يؤدي إلى زيادة أعداد الإصابات في القارة الأوروبية كان منتشراً أصلاً في المملكة.
وحذّرت باغيل من أن الرحلات الدولية ما زالت على الرغم من ذلك "فكرة غير صائية"، بسبب التهديد الذي تطرحه النسخ المتحوّرة "الجديدة الأكثر مقاومة" للفيروس، إذ تسجّل أوروبا عشرات الآلاف من الإصابات الجديدة يومياً.
"لا ريب أننا لا نود أن تصل تلك النسخ المتحورة إلينا"، أوضحت البروفيسورة باغل وهي أيضاً عضوة في "المجموعة العلمية الاستشارية المستقلة" المعروفة بـ"اندبندنت سايج" Independent Sage التي تضم علماء يتابعون أعمال مجموعة "سايج" الحكومية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت باغيل، "إذا نجحنا في تحصين الناس تماماً، وإبقاء الأشكال المتحوّرة من الفيروس خارج البلاد هذا العام، ومنحنا العلماء الوقت الكافي كي ينتجوا نسخاً معززة من اللقاحات مضادة للمتحوّرات الجديدة، نستطيع تحصين الناس خلال فصل الشتاء كي يكونوا جاهزين للسفر العام المقبل".
في رأيها، "إنه الرهان الأفضل في تفادي ظهور موجة أخرى من كورونا هنا (في المملكة المتحدة)، وكذلك تلافي المرض والموت وفرض مزيد من إجراءات القيود المعمول بها لاحتواء الفيروس. إن وضع قيود على السفر سيُترجم إلى فرصة أكبر كثيراً للحصول على حياة بعيدة من الإغلاق (الحجر) هنا في المملكة المتحدة لهذا العام".
وتذكيراً، إن جميع الإجازات خارج البلاد غير مشروعة حالياً.
ومن المقرر أن تقدّم فرقة العمل المعنية بالسفر إلى مختلف أنحاء العالم التابعة للحكومة البريطانية، تقريراً في 12 أبريل المقبل بشأن مقترحات متعلقة باستئناف الرحلات الترفيهية العالمية. وكذلك يبقى 17 مايو (أيار) أقرب موعد ممكناً أمام المقيمين في إنجلترا للسفر في عطلة خارج البلاد.
وفي ذلك الصدد أيضاً، يشار إلى أن أي خطوة من جانب رئيس الوزراء بوريس جونسون نحو إرجاء التخفيف المزمع للإغلاق المفروض في البلاد، ستواجه معارضة من نواب "حزب المحافظين"، فضلاً عن قطاع السفر.
في سياق متصل، أورد بول تشارلز، الرئيس التنفيذي لـ"بي سي آجنسي" PC Agency، الشركة البريطانية المتخصصة في الاستشارات المتعلقة بالسفر، الذي نظّم حملة لفتح الباب أمام الرحلات الدولية، "يبدو أن العلماء يريدون إبقاء حدودنا مغلقة سنوات عدة، وذلك من أجل تفادي دخول متحوّرات محتملة لم يمتلكوا بعد دليلاً واضحاً بشأنها".
ووفق تشارلز، "حريّ برئيس الوزراء تطبيق اختبار فاعل للكشف عن الفيروس يخضع له الوافدون إلى البلاد في المطار، بغية إبقاء العدوى خارج المملكة المتحدة وتحريك عجلة الاقتصاد. سيكون صيفاً مملوءاً بالشمس والرمال والبحر ومسحات الفحوص، لكن المستهلكين مستعدون لذلك".
وفي تصريح أدلى به إلى "الغارديان"، ذكر هيو ميريمان، الرئيس عن حزب "المحافظين" لـ"لجنة النقل" في مجلس العموم البريطاني، أنه "نظراً إلى نجاح توزيع اللقاحات في المملكة المتحدة، من الضروري أن نتمسك بمواعيدنا ونقدّم قسماً من الأرباح على شكل رحلات سفر صيفية دولية. سيعطي ذلك دفعة للجميع، ويساعد تالياً في الحفاظ على الوظائف ضمن قطاع السفر".
© The Independent