Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إسرائيل تحول قرية فلسطينية لنموذج يحاكي الحرب مع لبنان

مقتل 37 شخصاً وإصابة أكثر من 400 برصاص الجيش ومخلفاته العسكرية منذ 1967

أبرز أسباب اختيار قرية العقبة لإجراء التدريبات الإسرائيلية تشابه تضاريسها مع الجنوب اللبناني (اندبندنت عربية)

على الرغم من أصوات القذائف المدفعية، والنيران الحية، وصراخ الجنود المدججين بالسلاح والقنابل، يحاول أطفال "روضة الحق" الرقص على أغنيتهم المفضلة، والاستمتاع بها تحت أشعة الشمس، غير مكترثين بساحة الحرب اليومية التي اعتادوا على سماعها على بعد أمتار قليلة عنهم، فأهالي قرية "العقبة" الفلسطينية، التي تقع شمال شرقي غور الأردن، كبروا على صوت المدفعيات والمروحيات وتدريبات الجنود الإسرائيليين بين المنازل وفي الساحات.

إبادة وتهجير

يقول رئيس مجلس قرية العقبة، سامي صادق، لـ"اندبندنت عربية"، إن "أبرز أسباب اختيار العقبة ومحيطها لإجراء التدريبات العسكرية الإسرائيلية، تكمن في كونها تشبه بتضاريسها الجنوب اللبناني، ولذلك لا ينفك الجيش عن إجراء مناوراته العسكرية فيها، والتي تدب الرعب في صفوف الأهالي، وتعرض كثير من الأطفال لخطر المخلفات العسكرية، حيث لا يكترثون بوجود مدنيين فلسطينيين عزل داخل القرية، يصل عددهم إلى نحو 400 مواطن بينهم 100 طفل، يئنون صباحاً ومساءً تحت وطأة تلك التدريبات اليومية المزعجة والخطيرة، حيث أقاموا على أراضي القرية ثلاثة معسكرات، التي أعلنت عام 1984 منطقة عسكرية".

ويضيف "تم حرماننا من البناء والتوسع، حيث تصل إلينا دائماً أوامر الهدم والإخلاء. وفي مطلع عام 2004 أصدرت الإدارة المدنية (الإسرائيلية) أوامر هدم لـ35 مبنى من أصل 45 موجودة في القرية، بما فيها غالبية المنازل السكنية ومسجد وروضة للأطفال وعيادة صحية والشارع الوحيد المعبد، كما هدمت مرات عديدة أعمدة إنارة للشوارع كانت معدة لإضاءة الطريق المؤدي إلى القرية، كما ترفض الإدارة المدنية ربط القرية بشبكة المياه، ولذلك فإن سكانها رهينة نقل المياه بواسطة الصهاريج والحاويات من القرى المجاورة، وكأن الجيش يهدف لتهجيرنا قسراً، والاستيلاء على القرية وما تبقى فيها من منازل، على الرغم من مطالباتنا المستمرة بوجود مخطط هيكلي للقرية".

مخلفات عسكرية

في عام 1999 التمس سكان القرية للمحكمة العليا الإسرائيلية بواسطة جمعية حقوق المواطن، مطالبين بوقف التدريبات في القرية وحقولها، وإلغاء الأمر الذي يعلن أن المنطقة عسكرية مغلقة، وفي أعقاب الالتماس التزم الجيش الإسرائيلي بعدم إجراء التدريبات بالذخيرة الحية في القرية، وبألا يتنقل الجنود بين بيوتها.

وينفي صادق ذلك بقوله "على بعد أمتار قليلة من العقبة أقام الجيش الإسرائيلي قرية نموذجية صورية للتدريب، ومع ذلك ما زالوا يتدربون داخل القرية ويطلقون الرصاص الحي، فمنذ 1971 إلى 2000 قتل 16 فلسطينياً، وأصيب أكثر من 50 جراء نيران الجنود ومخلفاتهم العسكرية، إضافة إلى تدمير المزروعات والأراضي وإغلاق المراعي. وقبل عدة سنوات قتل أربعة فلسطينيين (بينهم طفلة في السادسة من عمرها) نتيجة انفجار قنابل خلفتها ذخيرة تلك التدريبات، وعلى الرغم من أن تعلميات الجيش تنص على أنه يحظر التنقل بين البيوت وساحتها، فإنهم يتدربون لساعات، ويدعون أن "الموضوع قيد الفحص، وسيحقق المستوى القيادي فيه".

بناء غير قانوني

وعبرت الإدارة المدنية الإسرائيلية عن خشيتها من أن "الغاية الأساسية من الخريطة الهيكلية التي يطالب بها سكان القرية، هي تشريع البناء غير القانوني الذي تم في الموقع على مر السنوات"، ولاحقاً قالت إنه "وبما أن خربة العقبة موجودة في نطاق منطقة مغلقة (منطقة تدريبات عسكرية)، فإن معقولية تصديق الخريطة في هذه النقطة متدنية".

وحول خطورة التدريبات العسكرية يقول الناشط الحقوقي عارف دراغمة لـ "اندبندنت عربية"، إنه "بعد احتلال غور الأردن عام 1967 بدأت إسرائيل ببناء معسكرات لتدريب الجيش وصلت اليوم لغاية 22 معسكراً وبؤرة عسكرية، واحتلت 32 في المئة من مناطق الأغوار المختلفة، وهي تندرج ضمن سياسة الإستيلاء على أراضي السكان الفلسطينيين، لكن ما يجري خلال السنوات الأخيرة هو دخول تلك التدريبات حيز المناطق المأهولة بالسكان، فخلال يومين تم إخلاء 180 أسرة فلسطينية في منطقة حمصة والمالح والبقيعة والجفتلك والبروج لإجراء تدريبات عسكرية، والأخطر من التدريبات هي المخلفات التي يتركها الجيش في تلك القرى، التي تسببت خلال العامين الماضيين بمقتل 4 فلسطينيين وإصابة 13 آخرين بإصابات بالغة مع إعاقات دائمة، ونفوق عشرات المواشي والأبقار، بفعل تلك المخلفات، وبالأخص قذائف المدفعيات والمواد المتفجرة والحارقة. وبحجة أن منطقة الأغوار تشبه "الجنوب اللبناني" يكثف الجيش تدريباته التي تبدأ من يوم الأحد حتى الخميس في مناطق مختلفة وأوقات متفرقة وبين بيوت المواطنين العزل. كما أن الجيش يستخدم الأراضي الواسعة من غور الأردن، لاختبار المعدات العسكرية الجديدة كالدبابات والمدرعات والمروحيات والأسلحة الثقيلة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

محافل دولية

وحول التوجهات لوقف تلك التدريبات يقول دراغمة "هناك أرشيف كبير من الصور والدلائل التي تظهر انتهاكات الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في منطقة الأغوار بسبب تدريباته العسكرية، وتوجهنا بها بشكل رسمي للمحاكم والمؤسسات الحقوقية والإنسانية في مختلف دول العالم".

تعزيزات عسكرية

في المقابل، أعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، في وقت سابق، عن تعزيزات عسكرية مستمرة من الجنود المشاة إلى غور الأردن تحسباً لأي تصعيدات، في حين أكد أحد الضباط الإسرائيليين أن لواء "غيفعاتي" (رأس الحربة في العمليات البرية) كان قد أجرى مناورات عسكرية واسعة النطاق في شمال غور الأردن، حاكت اندلاع مواجهة على جبهة لبنان، واصفاً تلك المناورات بأنها "الأكبر والأكثر تعقيداً". 

واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في يناير (كانون الثاني) الماضي، عند عرض الخطة الأميركية للسلام أن غور الأردن "حيوي" لإسرائيل، التي "ستفرض سيادتها" هناك. في حين أكد خلال لقاء له على "القناة 12" الإسرائيلية الخاصة قبل أيام، أنه لن يحدث ضم لأجزاء من الضفة الغربية من دون موافقة الرئيس الأميركي جو بايدن.

حملة حماية

ويقول معتز بشارات، مسؤل ملف الأغوار، إن "إسرائيل تسعى لترحيل الفلسطينيين كلياً من مناطق الأغوار، ولكن بشكل غير مباشر، يبدأ بضم الأراضي، ومن ثم التضييق عليهم، ومنعهم من المياه والكهرباء والخدمات الأساسية، وما يجري في الأغوار الشمالية هو تطهير عرقي وتهجير قسري للعائلات الفلسطينية الموجودة هناك، وهم بحاجة ماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى لحماية دولية، فقبل شهر تعرضت خربة حمصة الفوقا (يقطنها 80 فلسطييناً) لتهجير كامل، بما فيها من ونساء وأطفال، وباتوا في العراء والبرد القارس، وخلال السنوات الأربع الأخيرة أخليت حمصة الفوقا 11 مرة لإجراء تدريبات عسكرية، ومنذ ذلك الحين يتعرض الأهالي لمصادرة آلياتهم الزراعية وملاحقة الرعاة في مواشيهم، كما يعوقهم الجيش في نقل المياه إلى مساكنهم. وإذا ما نفذت تل أبيب تهديداتها بإخلاء خربتي مكحول والحديدية القريبتين، للسبب نفسه، سيتم تفريغ المثلث الذي تبلغ مساحته مليونا متر، بما فيه سهل البقيعة من الوجود الفلسطيني".

وكانت وكالة "رويترز" قد نقلت عن مكتب منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية في فبراير (شباط) الماضي حول رفض سكان في حمصة الفوقا أوامر بالإخلاء، قوله "على الرغم من الاقتراحات التي قُدمت، رفض السكان نقل مجمعات الخيم التي أُنشئت بصورة غير قانونية ومن دون امتلاك التصاريح والشهادات اللازمة بأنفسهم".

وأضاف "مع وصول القوات إلى الميدان، وبعد حوار آخر مع أفراد الإدارة المدنية، وافق سكان المكان على إخلاء أنفسهم بمساعدة وحدة التفتيش". وأوضح "إلا أنه، وبعد الانتهاء من تفكيك الخيم من قبل السكان وتحميلها على شاحنات التوصيل، عدل السكان عن قرارهم ورفضوا إخلاء المكان. ولذلك، تم التحفظ على الخيم المفككة بموجب الصلاحيات والإجراءات".

صمت دولي

وتسيطر إسرائيل حالياً على 88 في المئة من مساحة الأغوار عبر تقسيمها إلى مناطق عسكرية مغلقة ومحميات طبيعية أو مستوطنات زراعية، ما أدى إلى تهجير أكثر من 50 ألف فلسطيني منذ عام 1967. 

ويقول وزير الجدار والاستيطان، وليد عساف، إن "مراسلات دولية مكثفة كانت قد أجرتها السلطة الفلسطينية في يناير الماضي لوقف تهجير خربة حمصة الفوقا، وغيرها من التجمعات الفلسطينية في غور الأردن، بطلب من رئيس الحكومة الفلسطينية محمد أشتية، إلا أن هناك صمتاً دولياً غير مبرر من الاتحاد الأوروبي ومحكمة الجنايات ومجلس الأمن والأمم المتحدة، وسيكون لهذا، حسب اعتقادي، مخاطر كبيرة على باقي التجمعات الفلسطينية المهددة بالإخلاء والإزالة في منطقة الأغوار".

يذكر أن مخلفات الجيش الإسرائيلي منذ احتلال الأغوار الشمالية عام 1967، قتلت 37 فلسطينياً (معظمهم من الأطفال)، وأصيب نحو 400 مواطن، كثير منهم يعانون إعاقات دائمة، في حين تسلم 27 تجمعاً في الأغوار الشمالية التي يعيش فيها نحو 12 ألف فلسطيني، إخطارات إسرائيلية بالإخلاء أو الهدم، إذ يعيشون على مساحة لا تتعدى 180 ألف متر. وفي المقابل تسيطر تل أبيب على 300 مليون متر بشكل كامل في غور الأردن، بما فيها أحواض المياه التي تغذي الأراضي المحيطة من ضمنها التجمعات الفلسطينية، وحتى عام 2019، أقيمت على أراضي غور الأردن 34 مستوطنة إسرائيلية، غالبيتها زراعية، ويسكنها قرابة 10 آلاف مستوطن.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير