Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هايدي عبد اللطيف تسير "على خطى هيمنغواي في كوبا"

شاهدت هافانا بعيني صاحب "العجوز والبحر" ولاحقت أطيافه وأماكنه

صور هيمنغواي في مدخل فندقه في هافانا (اندبندنت عربية)

كثيرة هي الكتب التي تناولت سيرة الروائي الأميركي إرنست هيمنغواي، عموماً، وسنوات إقامته في كوبا بوجه خاص. وأحدث هذه الكتب أنجزته الصحافية المصرية هايدي عبد اللطيف تحت عنوان "على خطى هيمنغواي في كوبا" (دار آفاق- القاهرة)، وضم ملحق صور من 52 صفحة، وصنفه الناشر "أدب رحلات". فالكاتبة سافرت خصيصاً إلى كوبا وفي نيتها أن تراها بعيني صاحب "العجوز والبحر"، والتي كانت في مقدم أعماله التي فتحت الطريق أمامه لنيل جائزة نوبل في الآداب عام 1954. وقد  استلهمت تجاربه الحياتية في هذا البلد بالذات، ومن هنا، فإنه أهدى أهل كوبا تلك الجائزة، وهم بدورهم أهدوه تكريماً باهراً لذكراه، بتعبير الكاتبة. 

تستهل عبد اللطيف كتابها بـ"اعتراف"، مفاده أنها توقعت أن يضم هذا الكتاب مشاهداتها خلال زيارتها لهافانا ووصف الأماكن التي ارتبطت باسم الكاتب الشهير، وعلى رأسها بيته... "ولكن ما إن شرعتُ في كتابة يوميات الرحلة، والبحث والقراءة في سيرة هيمنغواي، وتدقيق المعلومات الخاصة بعلاقته بكل مكان، حتى وجدتني أدخل عالماً سحرياً تنفتح أبوابه على مصاريعها يوماً بعد يوم، ومقالات وكتب كثيرة باللغتين الإنجليزية والإسبانية اللتين أجيدهما".

كنز من الحكايات

وهكذا، فإن هايدي عبد اللطيف - كما تقول – عثرت على كنز من الحكايات عن حياة هيمنغواي في الجزيرة الكاريبية، من ضمنه عدد من الحوارات الصحافية التي أجريت معه خلال سنواته فيها، ومع آخرين تقاطعت سبلهم معاً، إضافة إلى رسائله التي كتبها من بيته في كوبا أو غيرها، علماً أن مختارات منها ترجمها إلى العربية عبد المقصود عبد الكريم وصدرت في جزأين عن دار "آفاق" في القاهرة، ومقالاته...

يتألف الكتاب من قسمين، الأول في 38 صفحة وعنوانه "كوبا الساحرة"، بينما يشغل الثاني معظم صفحات هذا العمل؛ وعنوانه "في أثر هيمنغواي". ولاحظت عبد اللطيف في القسم الأول أن المعلومات التي جمعتها قبل سفرها عن هيمنغواي في لؤلؤة الكاريبي، لا تقاس بما شعرت به خلال وجودها في كل مكان هناك... "فقد كان مفاجأة لي خلال رحلتي (في مستهل العام الماضي) أن أرى كوبا تحتفي بالروائي الأميركي كواحد من أبنائها. فإضافة إلى انتشار صوره في كل مكان زاره أو كان من رواده، حولت الحكومة بيته إلى متحف، وأطلقت اسمه على أكبر موانئها للصيد. أما الفندق الذي نزل فيه كلما زار هافانا منذ عام 1928 وحتى انتقاله إلى بيته في عام 1940، فقد جعل غرفته متحفاً مصغراً لأغراضه وكتبه".

عبر تلك الرحلة، انشغلت هايدي عبد اللطيف بسؤال: ما الذي دفع هيمنغواي ليختار الإقامة في كوبا؟ وانشغلت بالطبع بالسؤال عن أسباب إقدامه على الانتحار على الرغم من أنه كان يتمتع بحياة مرفهة في بيته في فينكا بيهيا (معناها مزرعة المطل أو نقطة المراقبة) التي تبعد نحو 24 كيلومتراً جنوب شرق هافانا في ضاحية سان فرانسيسكو دي باولا. يقع البيت أعلى تلة تتوسط حديقة مساحتها نحو 13 فداناً من النخيل وأشجار المانجو والموز والنباتات الاستوائية، وتاريخ بنائه يعود إلى 1886، واستأجره هيمنغواي لفترة ثم اشتراه في 1940.

ولاحظت عبد اللطيف كذلك أن زوجة هيمنغواي الثالثة مارثا غيلهورن، لم تقم فترات طويلة في هذا البيت خلال خمس سنوت هي عمر زواجهما؛ علماً أنهما انفصلا في منتصف 1945. أما زوجته الرابعة ماري ويلش، فقد عاشت معه في هذا البيت من عام 1946 وحتى عام 1960، وهو ما استقته الكاتبة من كتاب ديفيد شيفر "الإبحار إلى كوبا هيمنغواي"، وقد استوقفها أن أثاثه "ريفي بامتياز يناسب اسم المكان ويمنحه قدراً من الألفة وشعوراً بالارتياح".

البيت المتحف

كان هيمنغواي يعيش في هذا البيت في رفاهية، ويرى بعض النقاد أن تلك المعيشة الفاخرة لم تصنع أدباً كما فعلت كتاباته خلال مراحل الفقر والحروب في البدايات، والتي تكشفها رسائله لوالده في أعقاب رحيله عن بيت العائلة في سن الثامنة عشرة ليعمل محرراً في صحيفة "كانساس" مقابل 75 دولاراً في الشهر، وكان يحكي لوالده أنها بالكاد تكفيه.

تتوزع على غرف المنزل الخمس، تسعة آلاف كتاب، معظمها في غرفة المكتبة. فوق خزانة الكتب إلى يمين السرير، تستقر الآلة الكاتبة التي كان يطبع عليها واقفاً، وقد وضعها فوق مجلد ضخم لتناسب طوله. عندما كان في الخمسين من عمره؛ "تعلق بفتاة إيطالية في التاسعة عشرة تدعى أدريانا، وربما كان سر تعلقه بها هو رغبته في إنجاب فتاة، الأمر الذي لم يتحقق في زيجاته السابقة، فقد كان يشعر بميل عاطفي خصوصاً في تلك الفترة نحو الفتيات الصغيرات إضافة إلى ما يعرف عنه باعتنائه دوماً بمن هم أصغر منه ونقل تجاربه وخبراته إليهم" صـ 125. وهناك كثير مما قيل حول ذلك عبر فاليري دنبي سميث التي عملت مساعدة لهيمنغواي حتى وفاته، ثم تزوجت من ابنه غريغوري وحملت لقب العائلة، أو في كتاب "الابن الكوبي لهيمنغواي" لرينيه فياريال وابنه راؤول، علماً أن الأول عمل مديراً لبيت هيمنغواي، ثم أشرف على تحويله إلى متحف وظل مديراً له حتى عام 1986.

شخصية متباهية

تقول هايدي عبد اللطيف: "في هذا البيت يمكنك أن تلحظ حب هيمنغواي للتباهي، خصوصاً بإنجازاته، ومنها القنص، حين تشاهد الرؤوس المحنطة للحيوانات التي اصطادها في رحلاته في أفريقيا، موزعة على كل غرفه".

لكن لماذا انتحر؟ ترى الكاتبة أن "الشخصية المتباهية" تبحث دوماً عن المزيد من النجاح والتألق والتحديات التي تمنحها نجاحاً أكبر، وهذا ما حدث مع هيمنغواي بعد كتابته "العجوز والبحر" التي كانت سببباً في حصوله على جائزة نوبل، بعد سنوات كان يعاني فيها الجفاف الأدبي مثل بطل روايته الذي لم يصطد سمكة واحدة خلال 85 يوماً. بعد الفوز بتلك الجائزة لم ينشر رواية جديدة واكتفى بمقالات متنوعة في المجلات، لكنه ترك مسودات لأعمال نشرتها زوجته بعد وفاته مثل "وليمة متنقلة" و"جزر في التيار".

وفي هافانا التي ارتبط بها نصف عمره تقريباً ستجد آثار هيمنغواي وصوره في كثير من حاناتها أو مطاعمها، التي كانت خلال سنوات إقامته وحيداً في فندق من فنادقها، هي المكان الذي يتناول فيه غداءه أو عشاءه ويلتقي أصدقاءه. والحانة هي أيضاً مسرح مهم في أحداث قصصه أو رواياته، ومنها "أن تملك وألا تملك" (1937) التي تتناول تهريب الخمور في فترة الحظر الكحولي في أميركا، ويدور قسط كبير منها في حانة "فريدي" وهي واحدة من خمس حانات في الجزيرة الكاريبية ارتبطت باسمه. لكن هناك حانة اخترع صاحبها علاقة بهيمنغواي ليروج لها سياحياً، وهي حانة "بوديغيتا دل ميديو"، فهي تأسست في 1942 أي لم تكن موجودة وقت إقامة هيمنغواي في فندق "أمبوس موندوس" في الثلاثينيات. وهكذا اكتشفت هايدي عبد اللطيف أكذوبة الجملة المنسوبة إلى هيمنغواي والمعلقة على حائط تلك الحانة "أشرب الموهيتو في لابوديغيتا والدايكيري في فلوريديتا"، إذ اتضح لها أن خطاطاً كتبها مقلداً خط يد هيمنغواي وتوقيعه، وقام صاحب الحانة بوضع اللوحة في إطار، مدعياً أن الكاتب الأميركي الشهير كان من روادها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحمل الغرفة التي كان يقيم فيها في فندق أمبوس موندوس الرقم 511. وهذا الفندق تأسس في 1924، وفي 1997 حولت إدارته تلك الغرفة إلى متحف صغير يخلد ذكرى إقامة صاحب "العجوز والبحر" فيها. الغرفة تقع في الطابق الخامس، وعلى الحائط المواجه للمصعد كتب "في هذه الغرفة أقام الروائي إرنست هيمنغواي خلال عقد الثلاثينيات". كتبت العبارة على لوحة خشبية تحتها نحت بارز لوجهه ولحيته، وإلى جوارهما صورة أخرى له مع إحدى قططه، ثم مستطيل خشبي كبير يضم صورته وهو يكتب على طاولة ممسكاً بالقلم في يده، وأسفلها ثُبتت آلة كاتبة على القطعة الخشبية ذاتها. قضى هيمنغواي في هذا الفندق نحو سبع سنوات غير متصلة، بدأت في عام 1928.

"في تلك الرحلة تقول - هايدي عبد اللطيف - عرفتُ هيمنغواي وعرفتُ كوبا من خلاله وبعينيه، هو الذي أحب أهلها وقال عنهم "دفء الشمس الاستوائية يجري في عروقهم ولمعتها في أعينهم"، هذا ما شعرت به أيضاً خلال وجودي في هافانا، الحميمية التي يقابلك بها أهلها، يستوقفونك في الشارع ليتبادلوا معك حديثاً ودوداً، وإذا كنت تتحدث الإسبانية فسوف يطول الحديث بلا شك، وربما ينتهي بدعوة لشرب القهوة أو تناول الطعام".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة