Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"ذاكرة المدينة" يجمع سرديات معمارية من أحياء القاهرة

بدأ بتسجيل تاريخ منطقة الزمالك ويهدف إلى رصد التاريخ الاجتماعي والتراث المعماري

حي الزمالك حافظ على تراثه المعماري منذ إنشائه  (الموقع الرسمي لجهاز التنسيق الحضاري)

تعد جزيرة الزمالك من أرقى أحياء القاهرة وأكثرها شهرة، فالمنطقة بموقعها الفريد على النيل وهدوئها النسبي مقارنة بالعاصمة وعلاقتها المتأصلة بالطبقات الأرستقراطية وبكثير من الجاليات الأجنبية في مصر أسهمت وأثرت في كثير من الأحداث التي شكلت جزءاً من تاريخ مصر الحديث سواء على المستوى السياسي أو الثقافي والفني. ومنذ إنشائها وحتى الآن حافظت على طراز معماري مميز ونسق فريد بطبيعة ساكنيها والمترددين عليها، حيث يميزها مجتمع كوزموبولياتي، متعدد الثقافات واللغات، جعلها تحافظ على قدر كبير من رونقها.

وكانت وزارة الثقافة المصرية أطلقت من خلال الجهاز القومي للتنسيق الحضاري مبادرة "ذاكرة المدينة"، التي تهدف إلى توثيق الهوية المعمارية للمناطق التراثية في مصر ورصد أحوالها الاجتماعية على مدار السنوات، حيث بدأت المبادرة بتوثيق منطقة الزمالك الواقعة في قلب القاهرة وتعد نموذجاً فريداً وشاهداً على حقب كثيرة من التاريخ المصري باعتبارها كانت مقراً لسكن عدد من الشخصيات المؤثرة في المجتمع المصري، تنوعت ما بين سياسيين وفنانين لتأتي باكورة سلسلة ذاكرة المدينة بإصدارها الأول "جزيرة الزمالك.. القيمة والتراث".

وأعلنت وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم، أن التراث المعماري يمثل جزءاً من الحضارات السابقة، ويشكل ملامح تطور الحياة الحضرية، وما نالتها من اهتمام في ميدان البناء والتعمير، وأشارت إلى أن مصر تزخر بكنوز معمارية متنوعة نتجت عن عصور متعددة تعانقت لتشكل جزءاً من التراث المميز والفريد، كما نجحت في التعبير عن خصائص كل حقبة بما تحمله من سمات عكست صور الحياة الاجتماعية والأدبية والثقافية والفنية بها، وأوضحت أن مبادرة "ذاكرة المدينة" رسالة إنسانية ومسؤولية تاريخية تسهم في الحفاظ على المعالم الحضارية.

بداية الإنشاء

إن أردنا قراءة التراث العمراني والإنساني لمنطقة ما، فإن ذلك يجب أن يُفسر في سياقه التاريخي والاجتماعي فطبيعة المكان والنسق السائد فيه تنعكس بشكل مباشر على كل مناحي الحياة والتوجه السياسي السائد في مرحلة معينة لا يتعلق فقط بالأحداث السياسية، بل يمتد تأثيره إلى الفنون والعمارة والثقافة وينعكس جلياً على توهج نمط معين من الفن وأفول آخر.

وعن منطقة الزمالك وبدايات إنشائها ومكانتها في المجتمع المصري يقول إسلام عاصم، أستاذ مساعد التاريخ الحديث وأحد المشاركين في المشروع لـ"اندبندنت عربية"، "المنطقة ذات وضع خاص بالنسبة للمجتمع القاهري بخاصة، والمصري بشكل عام، فهي على مدى سنوات كانت مقراً للفنون والنخبة في مصر؛ سياسياً وفنياً وثقافياً، إضافة إلى أنها تضم معظم السفارات الأجنبية، وتعيش بها الجاليات من دول مختلفة".

يضيف، "الزمالك واحدة من الجزر النيلية الواقعة أمام مدينة القاهرة، حيث كان النيل قديماً يمثل الحد النهائي للقاهرة، ولم تكن مثل هذه الجزر تدخل في نطاقها، ويرجع تاريخ الجزيرة إلى العصر المملوكي ولزمن حكم السلطان الكامل شعبان بن الناصر محمد بن قلاوون، وبقدوم العصر العثماني قل الاهتمام بها، إلا أن اسمها الحالي ربما يرجع إلى العصر العثماني، فزملك كلمة تركية وجمعها زمالك، وتعني العشش المصنوعة من البوص".

 

 

سراي الجزيرة

تعد نقطة الانطلاق الحقيقية لمنطقة الزمالك هي عهد الخديوي إسماعيل إذ كان العمران والإنشاءات في القاهرة واحداً من أهم مشروعاته، حيث اختار أن يبني في منطقة الزمالك قصراً اعتبر من أفخر القصور وأكثرها ترفاً آنذاك، وكانت النقطة الأساسية هي ربط الجزيرة بالقاهرة وهي العاصمة بمنطقة الجيزة، وقد تم هذا عن طريق الكباري فأنشأ كوبري قصر النيل عام 1869، وكوبري الجلاء في 1872، ليسهل هذا التنقل من وإلى الجزيرة ويجعل كيانات كثيرة تتردد عليها.

يوضح عاصم، "ازدهرت الزمالك في عهد الخديوي إسماعيل الذي كان أحد أهدافه الرئيسة هو أن تماثل مصر مدن أوروبا، ومن هنا أنشأ قصر الجزيرة (فندق ماريوت حاليا) بهدف استقبال ضيوف مصر القادمين لحضور حفل افتتاح قناة السويس، وبدأ تشييد سراي الجزيرة عام 1863 على مساحة 60 فداناً، وكان مقراً للإمبراطورة أوجيني إمبراطورة فرنسا وقت حضورها حفل افتتاح قناة السويس".

يضيف، "وصف الرحالة آنذاك سراي الجزيرة في كتاباتهم بالفخامة والرقي وبأنه من أهم معالم القاهرة، وتحدثت إحدى المجلات الأميركية في ذاك الوقت عن القصر وحدائقه الشاسعة، حيث وصفوا حدائق إشبيلية في إسبانيا بوصفها درة الحدائق، وذكروا أنه لا يوجد مثيل لها سوى حدائق قصر الجزيرة بالقاهرة. وتباعاً بدأ توافد الناس من الطبقة الراقية من المصريين والأجانب على المنطقة، وفي مرحلة لاحقة كانت منطقة الزمالك لرقيها وشهرتها مقراً للإنجليز أثناء وجودهم في مصر، حيث أقاموا فيها المعسكرات والثكنات والنوادي بعيداً عن صخب القاهرة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العمارة في الزمالك

العمارة هي انعكاس فكري للمجتمع والثقافة السائدة، وحي الزمالك شهد تنوعاً فكرياً معمارياً حيث شيدها في البداية معماريون أجانب تأثروا بثقافتهم فلم تأخذ طرازاً واحداً، بل جمعت بين عدة طرز شرقية وغربية. ويمكن القول إنها جمعت بين رواد التأصيل الفكري باستخدام العمران كإحدى أدوات الحفاظ على الهوية ودعاة التغريب الذين اعتبروا الطرز المعمارية الغربية إحدى أدوات التعبير عن الحداثة.

وعن الطابع العمراني في الزمالك يذكر عاصم، أن "الحقبة السابقة على مرحلة الخديوي إسماعيل كان يسود فيها الطابع العثماني الذي تمرد عليه الخديوي على المستوى السياسي والفني، فعمل المعماريون الأجانب على الطرز الأجنبية ليس فقط من منطلق مرجعياتهم أو تعبيراً عن جالياتهم الأجنبية، ولكن بتوجه ثقافي وسياسي من الدولة، الأمر الذي مهد لظهور الطرز المستمدة من العمارة الغربية، أو ما يمكن أن نطلق عليه الإحيائية الأوروبية في كثير من المشاريع التوسعية في مدن مصر الكبرى ومنها منطقة الزمالك".

يضيف، "ظهر طراز (الأرت نوفو) في خلال الفترة ما بين 1880 و1910 وأكثر ما يميزه هو استخدام ظاهر لتشكيلات مستوحاة من الطبيعة كالزهور والحشرات أو بعض التماثيل النسائية، وهو من الطرز الثرية على مستوى التفاصيل، كما انتشر طراز (الأرت ديكو) مع نهاية الحرب العالمية الأولى واعتمد على خلق تصميمات حديثة هروباً من الطرز التاريخية والزخرفة المبالغ فيها، التي أصبحت غير مبررة مع انتشار البناء بالخرسانة المسلحة، بينما ظهر الطراز الحديث في الزمالك مع أربعينيات القرن العشرين".

 

 

الزمالك في الفن والأدب

باعتبارها مكاناً هادئاً مطلاً على نيل القاهرة وتسوده قيم الجمال كانت الزمالك مقراً لكثير من الفنانين والمبدعين على مر السنوات، ولعل من أبرز علامات الزمالك وجود فيلا كوكب الشرق أم كلثوم، التي كانت ملتقى لرموز عصرها من الفنانين وتحولت لفندق يحمل اسمها بعد رحيلها لا يزال قائماً حتى الآن، وتشهد المنطقة كثيراً من الفعاليات الثقافية والفنية بوجود دائم للفنانين المرتبطين بكليات الفنون والتربية الفنية والموسيقية الواقعة جميعها في الزمالك وانتشار صالات العرض التي تشهد معارض فنية وفعاليات ثقافية متنوعة.

وعن منطقة الزمالك في الفن والأدب يقول عاصم، كان الحي حاضراً في الأدب العالمي، حيث سطرت الروائية الإنجليزية ماري كوريلي، روايتها (زيسكا) التي تصنف من روايات الرعب الشهيرة، ونشرت للمرة الأولى عام 1897 وأعيد نشرها أكثر من 50 مرة، كان آخرها عام 2018، وتدور أحداثها في فندق قصر الجزيرة بالزمالك، كما شهد الحي إقامة أول صالون نسائي ثقافي في مصر، وهو صالون زينب صدقي الممثلة المسرحية المصرية، حيث كان يعقد كل أسبوع بحضور كوكبة من النقاد والأدباء وقت توهجهها السينمائي".

أساس صحيح

أحياء ومناطق كثيرة في القاهرة تعود لعصور مختلفة بعضها يسبق منطقة الزمالك بعصور طويلة إلا أن الأخيرة لا تزال لها ما يميزها عن نظائرها، يشير عاصم إلى أن "تاريخ المنطقة قد لا يوازي تاريخ أماكن أخرى في مصر سبقتها بسنوات طويلة، ولكن ما يميزها هو أنها صممت وبنيت على أساس صحيح، وحافظت عليه على مر السنوات بدرجة كبيرة سواء من ناحية المعمار أو طبيعة المجتمع الذي يجمع بين المصريين والأجانب ويعتبر ملتقى للفكر والفن والثقافة في مصر".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات