كانت أسواق النفط على موعد مع صدمة كبيرة أمس حينما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترمب وقف الاستثناءات الممنوحة لبعض الدول من العقوبات المفروضة على إيران بشأن استيراد النفط.
وفي مؤتمر صحافي، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إن بلاده ستعمل من أجل الوصول بصادرات إيران النفطية إلى صفر، وأوضح أن الولايات المتحدة سعت مع الشركاء لتعويض أي نقص في سوق النفط العالمية، مشيراً إلى أن بلاده ستواصل العقوبات لمنع إيران من تصدير نفطها، خاصة أن نظام إيران يستخدم أموال النفط في دعم الإرهاب، وأكد بومبيو "هدفنا حرمان نظام إيران الخارج عن القانون من عائدات النفط".
وقبل ستة أشهر من الآن أعلن البيت الأبيض السماح لبعض الدول بالاستمرار في استيراد الخام من إيران، لكن أمس قرر ترمب أنه لن يجدد استثناء بعض الدول قرار الاستمرار في شراء النفط الخام من طهران بعد 2 مايو (أيار)، ويعد ذلك تغيراً في الاتجاه عن نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حينما منحت إدارة الرئيس دونالد ترمب استثناءً لـ8 دول، إذ إنها سعت وقتها لخفض أسعار الوقود قبيل الانتخابات النصفية الأميركية.
وأشار تحليل لوكالة "بلومبيرغ" للأنباء إلى أن هذه التحركات تهدد بتشديد المعروض بصورة أكبر في السوق الذي يواجه في الأساس اضطرابات في المعروض من فنزويلا إلى ليبيا حتى نيجيريا، كما أنها ستؤدي إلى زيادة الارتفاع الذي يحدث في العام الحالي إلى خام "برنت" الذي هو الآن أعلى من 70 دولاراً.
ومع ذلك فإن الأسعار لاتزال أقل من أعلى مستوى تم تسجيله في السنوات الأربع الماضية والذي سجله في أكتوبر (تشرين أول) الماضي حينما وصل سعر الخام عند 86 دولاراً للبرميل قبيل إصدار الاستثناءات الأميركية.
قفزة كبيرة بأسعار النفط عقب قرار ترمب
وعقب الإعلان الأميركي الجديد قفزت أسعار النفط، بعد أن بدا أن الولايات المتحدة بصدد الإعلان عن إلزام جميع مشتري النفط الإيراني بإنهاء وارداتهم منه أو الخضوع لعقوبات.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 3.3% إلى 74.31 دولار للبرميل، وهو أعلى مستوى منذ أول نوفمبر، قبل أن تتراجع إلى 73.63 دولار للبرميل، بارتفاع 2.3% عن آخر إغلاق.
وزادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 2.9% إلى 65.87 دولار للبرميل، في أعلى مستوياته منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول). وبلغ السعر 65.50 دولار للبرميل بارتفاع 2.3% عن التسوية السابقة.
وتتمثل الإعفاءات المطبقة حتى الآن في السماح للصين باستيراد النفط بحد أقصى 360 ألف برميل يومياً، والهند باستيراد النفط بحد أقصى 300 ألف برميل يومياً، وكوريا الجنوبية بحد أقصى 200 ألف برميل يومياً، واليابان بحد أقصى غير معروف، لكن البيانات تشير إلى شحنات بنحو 108 آلاف برميل يومياً في مارس (آذار) الماضي، وتركيا بحد أقصى 60 ألف برميل يومياً وأخيراً تايوان بحد أقصى غير معلن.
تكثيف الضغوط الاقتصادية على طهران
أما الآثار المترتبة لقرار ترمب والذي يهدف إلى تكثيف الضغوط الاقتصادية ضد طهران بسبب البرنامج النووي لإيران عبر وقف مصدر رئيسي للإمدادات، فإنها تتمثل في عدة محاور.
يتعلق المحور الأول باتفاق "أوبك"، حيث سبق أن أعلنت الحكومة الأميركية أنها حصلت على تعهدات من منتجي الخام الآخرين أمثال السعودية والإمارات لتعويض الخسائر من النفط الإيراني.
ومثل تلك الخطوة قد تعرقل اتفاق أوبك من حلفائها (روسيا) والتي تخفض المعروض منذ بداية العام الحالي بهدف تجنب تخمة المعروض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وروسيا أحد أعضاء الاتفاق أشارت بالفعل إلى أن اتفاق مزيد من خفض الإنتاج قد لا يكون هناك حاجة لتمديده، وهو القرار المتوقع اتخاذه حينما يُعقد اجتماع أوبك في يونيو (حزيران) المقبل.
وكان اتفاق خفض الإنتاج قد جاء بقيادة السعودية بعد أن صُدمت في العام الماضي بالقرار الأميركي لاستثناء بعض الدول من العقوبات الإيرانية والذي تسبب في هبوط قوي لأسعار الخام في الربع الرابع.
مصير الأسعار بيد السعودية والإمارات
وفي الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار النفط بأكثر من 3% على خلفية أنباء أن الولايات المتحدة لن تجدد الإعفاءات من العقوبات فإن اتجاه سعر الخام في المستقبل قد يتم تحديده بمدى قدرة الدول مثل السعودية والإمارات على تهدئة الأوضاع وسط اضطرابات أخرى في الإمدادات.
وخلال العام الماضي قفزت أسعار الخام أعلى مستوى 86 دولاراً للبرميل حتى بالرغم من أن السعودية كانت تضخ مستويات قياسية من النفط.
ولكن لآن ليست شحنات إيران من الخام فقط هي التي تم تعطيلها، حيث إن العقوبات الأميركية المنفصلة المفروضة على فنزويلا أدت إلى تقليص الإمدادات من منتج أوبك أيضاً، وذلك في الوقت الذي تتعرض فيه ليبيا أحد الدول الأعضاء بالمنظمة إلى توترات سياسية وأمنية.
وفي نيجيريا فإن خط أنابيب رئيسي للنفط في البلاد توقف عن الإنتاج بسبب حريق.
صادرات طهران تتراجع بنسب كبيرة
وفي مارس (آذار) الماضي بلغت شحنات إيران النفطية مستوى 1.3 مليون برميل يومياً، في حين أنه في أبريل (نيسان) من العام الماضي بلغت شحنات طهران من الخام مستوى 2.5 مليون برميل يومياً وذلك قبيل إعلان الولايات المتحدة إعادة تطبيق العقوبات ضدها.
والاستثناء المعمول به حالياً والمقرر وقف تنفيذه في 2 مايو (أيار) المقبل يسمح لكل من الصين وتركيا والهند واليابان وكوريا الجنوبية واليونان وإيطاليا وتايوان بالاستمرار في استيراد الخام من إيران دون التعرض للعقوبات الأميركية.
ولكن مع نهاية تلك الاستثناءات فإن تلك الدول الـ8 قد تواجه عزلها عن النظام المالي الأميركي حال الاستمرار في عمليات الشراء.
وعلى صعيد المشترين فإن الدول الآسيوية الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان قد تكون الأكثر تأثراً.
وفي حالة أن تعرضت الأسعار إلى مزيد من الارتفاع فإن العملات في الدول التي تعتمد على الواردات قد تضعف، كما أن التضخم قد يشهد مزيداً من التسارع.
وكبار الدول المستوردة قد علقت بالفعل مشترياتها النفطية من إيران حيث إنها في انتظار القرار الأميركي.
صادرات النفط الصخري الأميركي تدعم المشترين
وأوضحت "بلومبيرغ" أن بعض المشترين قد يجدوا بعض المتنفس من زيادة صادرات الولايات المتحدة من النفط الصخري، كوريا الجنوبية على سبيل المثال تشترى النفط المكثف من إيران والذي يمكن أن تستبدله ببديل من الولايات المتحدة وهو أيضاً ما يعني تكاليف شحن أعلى بسبب رحلة الشحن الأطول.
وبالنسبة لدول أخرى فإن الشحنات الأميركية قد لا تكون الخيار الأفضل، وذلك لأن المعروض من النفط الصخري الأميركي يحتوي على نسبة منخفضة من الكبريت وكثافتها أقل نسبياً.
ويتعرض النوع "ثقيل أو متوسط الحموضة" إلى تراجع المعروض في السوق وبشكل خاص من فنزويلا.