Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تأثير الأكراد في السياسة التركية

لا تزال أنقرة غير واعية خطورة فتح مزيد من الجبهات بمواجهة جهات دولية

يبدو أن سياسات الحكومة التركية القائمة على تصفية الحركة السياسية الكردية ستظل من أهم العوامل التي تحدّد مسار القضية الكردية (رويترز)

لا تزال القضية الكردية حاضرة على جدول أعمال السلطات في تركيا، مثلما كان الحال في العقود الأربعة الأخيرة. وستظل هكذا في المراحل المقبلة أيضاً. ويبدو أن السلطة السياسية هي أيضاً لا نية لديها لإخراج الأكراد من جدول الأعمال.

وقبل أيام، أثار رئيس "حزب العدالة والتنمية"، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حماسة الشعب عندما قال "ستكون هناك بشرى سارة يوم الأربعاء...". وعندما جاء ذلك اليوم، وردت أنباء عن مقتل 13 من أفراد الجيش وقوات الأمن، كانوا محتجَزين كرهائن لدى حزب العمال الكردستاني منذ حوالي ست سنوات في منطقة غارا الجبلية في شمال العراق، حيث نفّذ الجيش التركي عملية عسكرية لإنقاذ الرهائن، لكنها فشلت في مهمتها.
ولدى شيوع ذلك الخبر، كان أردوغان يواصل خطابه الذي كان يلقيه في مهرجان لحزب العدالة والتنمية من دون أن يبدو على وجهه أي ملامح للحزن والأسى، بل كان يتحدث لمؤيديه بحماسة ونشاط وكأن شيئاً محزناً لم يقع.


تجاهل طلب وساطة كردية

ومرّ يوم الأربعاء ولم يسمع الرأي العام التركي أي خبر سار ولا أنباء عن تطور إيجابي في البلاد.
ويُفترض أن أردوغان كان يتوقع نتائج طيبة لتلك العملية التي باءت بالفشل الذريع. ما جعلنا نعتقد أن الهدف الأساسي من العملية لم يكن إنقاذ الرهائن بقدر ما كان مشروعاً لإعادة الأكراد إلى جدول الأعمال. فقد كان ممكناً إنقاذ الرهائن من خلال وسائل ووساطات تَضمَن تفادي إزهاق الأرواح من دون أي أضرار.

وبالفعل صرّحت النائب عن "حزب الشعوب الديمقراطي" الكردي هدى كايا، أنهم أبلغوا مراراً وتكراراً أردوغان أنه بإمكانهم التدخل لإنقاذ الرهائن من دون أن يصابوا بأي ضرر، ولكنهم لم يحصلوا على رد إيجابي من الرئيس.

بعبارة أخرى، لو وافقت حكومة حزب العدالة والتنمية على الوساطات، لكان "حزب الشعوب الديمقراطي" جلب هؤلاء الرهائن إلى عائلاتهم بأمان، ولكنها رفضت ذلك لاعتبارات سياسية بحتة.

لذلك يمكنني القول إنه بعد هذه العملية، سيواجه كل من حزب العدالة والتنمية والأكراد مرحلة صعبة.

وسأترك الحديث عما يتعلق بحزب العدالة والتنمية لمقال آخر، لأصبّ جلّ اهتمامي على الجانب المتعلق بالأكراد، وبالأحرى تأثير الأكراد في السياسية التركية.
 

نبذة تاريخية

كما هو معلوم، اتسمت القضية الكردية في أوائل التسعينيات بطابع العنف والعمليات المسلحة، حيث زاد حزب العمال الكردستاني نشاطاته في تلك السنوات في شرق تركيا وجنوب شرقها من خلال قطع الطرق وشن الغارات على مراكز الشرطة وقوات الدرك. وسقط خلال هذه الفترة ضحايا من الأكراد والقوات المسلحة التركية.

وبالتزامن مع هذه الفترة، حصل تطور مهم في المجتمع الدولي، دفع بالحركة الكردية إلى المضي قدماً على الساحة السياسة، إذ انتهت الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي وبرزت إلى الواجهة ظاهرة الهوية المرتبطة بالقومية. فاغتنم الأكراد هذه الرياح في التسعينيات ودخلوا البرلمان التركي من خلال مختلف قوائم الأحزاب اليسارية. وبطبيعة الحال، لم يرحّب صنّاع القرار في الدولة التركية بذلك وافتعلوا شتى الذرائع للحيلولة دون ممارستهم النشاط البرلماني، وأخيراً تم اعتقالهم بحجة علاقتهم بحزب العمال الكردستاني الذي كان يواصل هجماته ضد الأهداف التركية.

وفي عام 1999، عندما اعتُقل زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، وتم جلبه إلى تركيا، حققت الدولة، التي كان لها تفوق عسكري، التفوق النفسي أيضاً.
وعلى الرغم من أن أنقرة مالت قليلاً بعد عام 2004 نحو اتخاذ بعض الخطوات الإيجابية حيال المسألة الكردية، إلا أنها لا تزال تمانع في اتخاذ قرار واضح يهدف إلى حل جذري للقضية.
صحيح أن عملية "الهدنة"، التي بدأت في صيف 2014 واستمرت عاماً، أذابت ولو جزئياً الجليد بين الشعبين التركي والكردي.

وكانت بوادر أمل لاحت في الأفق لكنها للأسف لم تتواصل إلا عاماً واحداً فقط، وحلّت الخيبة في نهاية المطاف.

نعم، تركيا تتغير ولا بد لها من ذلك. وينعكس ذلك على البنية الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية للبلد، فضلاً عن التوازنات والديناميكيات الجيوسياسية المتغيرة في منطقته.
وعلى أي حال فإن الدولة ستضطر إلى أن تغيّر، بالتوازي مع ذلك، وجهة نظرها وموقفها من الأكراد.

فإذا واصلت الضغط على الجناح السياسي للأكراد فسيؤدي ذلك إلى دفعهم إلى حضن الجناح المسلح أي "حزب العمال الكردستاني"، وذلك يعني مزيداً من إراقة الدماء في صفوف الأكراد والأتراك على حد سواء، ناهيك عن الأضرار الاجتماعية والاقتصادية لجميع الأطراف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الأمل في تحقيق السلام

على الرغم من كل هذا، فإن الموقف الإيجابي الذي تبنّاه "حزب الشعوب الديمقراطي" أخيراً يبعث بعض الأمل في تحقيق السلام الذي فشلنا في صنعه. ومما يؤسَف له، هو أن أنقرة لا تزال غير واعية خطورة فتح مزيد من الجبهات مع جهات دولية من خلال الخوض في عمليات خارجية بهدف توسيع مناطق فاعليتها ونفوذها في الخارج.

ومن المفارقة، أنها بينما تتحرك في هذه المساحات الواسعة وتهدر في كل جبهة كمّاً هائلاً من القوى البشرية والدعم اللوجستي والعسكري والطاقات الاقتصادية والفكرية، لكنها في ذات الوقت لا تتنبه -عن قصد أو من دون قصد- إلى مشاكل الأكراد.

وبطبيعة الحال فإن الاضطرابات الاجتماعية والمشاكل الاقتصادية تزداد وطأتها في المناطق التي يعيش فيها الأكراد بكثافة، ما ينعكس بطبيعة الحال على السلام الاجتماعي ويقلل فرص تحقيق السلام والمصالحة الوطنية، ويؤدي إلى تدهور التوازنات الاقتصادية والاجتماعية على مستوى البلاد.

وربما أفاجئ القارئ إذا قلت إن كل هذه العملية ستصب في نهاية المطاف لصالح الخانة السياسية للأكراد وستجعلهم أكثر نفوذاً على الساحة السياسية التركية.

ولا ننسى أن الأكراد في شمال العراق باتوا يتمتعون بحكم ذاتي يُسمى كردستان. نعم إنهم في طريقهم لتحقيق دولة شبة مستقلة.

وفي سوريا أيضاً، أنشأ الأكراد منطقة حكم ذاتي، على الرغم من أنه لم تتم تسميتها بذلك صراحة.

وسلّمت الولايات المتحدة إلى الأكراد في سوريا، حتى الآن، 39 ألف شاحنة محملة بأسلحة وذخائر، ناهيك عما تم نقله بواسطة الشحن الجوي.

والآن، وفي الوقت الذي تحدث هذه التطورات في ما يتعلق بالأكراد خارج تركيا، لن يكون صعباً القول إن توقعات أكراد تركيا ستكون في أعلى مستوياتها في هذا البلد الذي يعيش فيه نصف الأكراد في العالم.

سياسات "العدالة التنمية"

باختصار، يبدو أن سياسات حكومة حزب العدالة والتنمية القمعية القائمة على تصفية الحركة السياسية الكردية ستظل من أهم العوامل التي تحدّد مسار القضية الكردية. وتعود المسؤولية الرئيسة في حلّ هذه القضية إلى الإرادة السياسية التي تحكم الدولة.

ومهما تعرّض الأكراد لعمليات القمع والضغط في المرحلة المقبلة، فسيكونون أقوى من ذي قبل وأكثر فعالية في المعادلة السياسية.
تخيلوا أن الأكراد هم أهم عامل حاسم ومحدّد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ورجب طيب أردوغان أفضل من يعرف ذلك.

وأظهر الأكراد تأثيرهم الجاد للمرة الأولى في الجولة الثانية من الانتخابات البلدية في إسطنبول.

وإذا لم يتمكن أردوغان من الجلوس إلى الطاولة مرة أخرى ولم يحقق سلاماً معهم، فستكون النتائج باهظة بالنسبة إليه، بمستوى لن يستطيع هو أيضاً التنبؤ به.

وسننتظر لنرى تأثير الأكراد للمرة الثانية أيضاً.

المزيد من تحلیل