أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الذي يتخذ من جنيف مقراً له، عن قلقه بخصوص الحالة الصحية لبعض معتقلي "حراك الريف" في المغرب، وذلك إثر بدئهم إضراباً عن الطعام تنديداً بما قالوا إنه "انتهاكات ممنهجة" يتعرضون لها في السجن الإنفرادي.
في المقابل، تنفي السلطات المغربية تعرض المعتقلين لأي تجاوزات، مؤكدة تمتعهم بحقوقهم، في احترام للإجراءات القانونية المعمول بها.
تنديد بالانتهاكات
وأشار المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أنه "وثّق تعرض اثنين من معتقلي حراك الريف، وهما محمود بوهنوش، وناصر الزفزافي لانتهاكات أدّت إلى تدهور حالتهما الصحية، بخاصة مع دخولهما في إضراب عن الطعام والماء احتجاجاً على ظروف احتجازهما في الحبس الانفرادي، ومنعهما من التواصل مع عائلتيهما، فضلاً عن حرمانهما من الحصول على الرعاية الطبية اللازمة".
وأوضح المرصد أن "سلوك السلطات المغربية يهدف في ما يبدو إلى إذلال المعتقلين والحط من كرامتهم، وإحباط وترهيب المحتجين لثنيهم عن المطالبة بحقوقهم المشروعة، إذ تنتهج السلطات سياسة أمنية بحتة في التعامل مع المظاهر الاحتجاجية تبدأ بالقمع الميداني، ومن ثم الاعتقال والملاحقة، والتحقيق القاسي الذي قد تتخلله عمليات تعذيب جسدي ونفسي، ومن ثم محاكمات غير عادلة تنتهي بأحكام جائرة، وصولاً إلى عمليات الإذلال المتعمَد داخل السجون كالعزل الانفرادي والتقييد والإهمال الصحي".
حراك الريف
وكان مقتل بائع السمك محسن فكري في حاوية للنفايات في مدينة الحسيمة، الواقعة شمال المغرب، في أكتوبر (تشرين الأول) 2016، أدى إلى إشعال شرارة "حراك الريف"، الذي شهد تظاهرات عارمة للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية وإنشاء مشاريع تنموية، وبالتالي إنهاء التهميش الذي عانت منه المنطقة لعقود. واعتقلت السلطات العديد من المتظاهرين بين مايو (أيار) ويوليو (تموز) 2017، بينهم ناصر الزفزافي الذي يعتبر أبرز وجوه الحراك، ومحمود بوهنوش أصغر المعتقلين سناً.
وحُكم على الزفزافي في يونيو (حزيران) 2018، بالسجن 20 سنة، وعلى 49 آخرين فترات تتراوح بين سنتين و15 سنة، من بينهم بوهنوش الذي نال حكماً بالسجن النافذ لـ 15 سنة، بينما أُفرج عن 24 معتقلاً إثر عفو ملكي في يوليو 2020.
معركة الأمعاء الفارغة
وبدأ الزفزافي وبوهنوش إضراباً عن الطعام أدى، بحسب مقربين منهم، إلى تدهور حالتهما الصحية، حيث أشار أحمد الزفزافي، والد المعتقل ناصر الزفزافي، إلى أن إضراب ابنه عن الطعام أدى إلى تعرضه لحالة إغماء مفاجئة وسقوطه في دورة المياه، حيث وُجد مضرجاً بدمائه بسبب حدوث نزيف استمر ساعة و20 دقيقة من دون أن يلتفت إليه أحد في المعتقل، مع هبوط شديد في مستوى السكر بالدم، واصفرار في الوجه، وبياض على الشفتين، قبل أن يعلق إضرابه عن الطعام في 17 فبراير (شباط).
كذلك أشار محاميان عن معتقلي حراك الريف خلال زيارتهما موكليهما في السجن، إلى أن "المؤسسة السجنية اتخذت إجراءات استثنائية لم يعهدها المحامون عند زيارتهم المعتقلين الآخرين العاديين، حيث تم التسويف في إحضار المعتقلين السياسيين على خلفية نية واضحة في دفعنا إلى المغادرة من دون إتمام مهمتنا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبرت هيئة الدفاع أن "حالة محمود بوهنوش الصحية في غاية التدهور بعد يومه الرابع عشر من الإضراب عن الطعام الذي بدأه في 3 فبراير من العام الحالي"، موضحةً أنه "تعرض لمعاملات حاطة بالكرامة منها تصفيد يديه إلى الوراء والطواف به على أجنحة السجن، في ممارسة تنتمي إلى عهود بائدة".
وأشارت هيئة الدفاع إلى أنه على الرغم من محاولاتها التي وصلت حد التوسل إلى محمود بوهنوش من أجل وقف إضرابه عن الطعام، إلا أنه ظل مصراً على موقفه، مؤكداً أنه لا يثق مطلقاً بوعود مدير المؤسسة السجنية، وأن أهم مطالبه هو إخراجه من المكان الذي يوجد فيه مع المعتقلين المصنفين خطيرين والذين يستفزونه ويتحرشون به معنوياً.
وأوضح المحامي خالد أمعز، عضو هيئة الدفاع عن معتقلي حراك الريف، أن "حالة المعتقل محمود بوهنوش الصحية كانت متدهورة للغاية بعد 14 يوماً من الإضراب عن الطعام، حيث سبّب له هزالاً شديداً استدعى نقله إلى إحدى غرف مصحة السجن يوم الإثنين الموافق 15 فبراير 2021"، لافتاً إلى أنه أخبره خلال زيارته عن تعرضه لمعاملة حاطة بالكرامة تمثلت "بتصفيد يديه إلى الوراء والطواف به على أجنحة السجن، فضلًا عن إيداعه في مصحة تشبه السجن الانفرادي، قبل أن يعلّق إضرابه عن الطعام في وقت لاحق".
تكذيب رسمي
في المقابل، نفت المندوبية العامة للسجون وإعادة الإدماج في المغرب (حكومية) إدعاءات المحامي خالد أمعز، ونفت أن يكون بوهنوش تعرض لأي إهانة للكرامة أو تصفيد لليدين أو المرور به عبر أجنحة السجن، مؤكدة نقله إلى "مصحة السجن من دون تصفيد، بعد معرفة دخوله إضراباً عن الطعام، حيث استمرت في إرسال وجباته الغذائية بانتظام".
وشددت المندوبية على أن "وضع السجين المعني في العنبر الذي يضم سجناء خطيرين ادعاء كاذب، إذ إنه لم يسبق له أن تقدم إلى إدارة السجن بأي شكوى بتعرضه لأي اعتداء جسدي أو لفظي من بقية السجناء".
حوار إيجابي
من جهة أخرى، ووسط دعوات بعض الأحزاب والمدافعين عن حقوق الإنسان للإفراج عن معتقلي حراك الريف، يقوم المجلس الوطني لحقوق الإنسان (الحكومي) بوساطة مع معتقلي حراك الريف الذي يحظى بثقة بعضهم. وأعلن وسيم البوساتي المعتقل على خلفية حراك الريف، عن استعداده لخوض الشوط الثاني من الحوار الذي يجري بين "المجلس الوطني لحقوق الإنسان" والمعتقلين الراغبين في ذلك، وكان بدأ في فبراير 2020 في سجن طنجة رقم 2.
وأكد المعتقل أن الحوار الذي بادر إليه معتقلو الحراك في ذلك السجن أسفر عن نتائج إيجابية تمثلت بالإفراج عن 15 معتقلاً.
دعوة إلى احترام القوانين
في السياق، دعا المستشار القانوني للمرصد الأورومتوسطي، طارق حجّار، "السلطات المغربية إلى الكف عن ممارساتها المؤسفة ضد معتقلي حراك الريف"، معتبراً أنها "تخالف القوانين المحلية والدولية، إذ نص الدستور المغربي لعام 2011 في الفصل 22 منه على أنه لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة، ولا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. وممارسة التعذيب بأشكاله كافة، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون".
ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطات المغربية إلى وقف التجاوزات بحق معتقلي حراك الريف، والتحقيق في التجاوزات التي يتعرضون لها، ومحاسبة المتورطين وفق القوانين المحلية ومقتضيات القانون الدولي، مشدداً على ضرورة التأكد من تقديم الرعاية الصحية اللازمة لهم، وتمكينهم من التواصل مع عائلاتهم ومحاميهم على النحو الذي يكفله القانون.