Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحجر الصحي يرفع أرقام الابتزاز الإلكتروني في لبنان

ازدياد عدد شكاوى القاصرين بمعدل 754 في المئة في غمرة انخفاض مستوى الوعي

أرقام صادمة لحالات الابتزاز الجنسي في لبنان (بي إكس هير)

أرقام صادمة لحالات الابتزاز الجنسي في لبنان، هذا ما أظهرته آخر إحصائيات قوى الأمن الداخلي، التي كشفت عن ارتفاع عدد شكاوى القاصرين بمعدل 754 في المئة. هذه الأرقام تطرح جملة تساؤلات حول العوامل التي أسهمت في شيوع هذه الظاهرة، خصوصاً في ظل الحجر الصحي بسبب كورونا.

 وشكل التواصل عبر الإنترنت المتنفس الأخير في وقت الفراغ. في مقابل غياب الوازع الأخلاقي، وانخفاض مستوى الوعي حول الآليات الآمنة لاستخدام الشبكة العنكبوتية، ناهيك بالشق التربوي لناحية حماية الخصوصية.

المشكلة تتوسع

تؤكد أوساط قوى الأمن الداخلي أن الأمر تحول إلى "ظاهرة غريبة عن المجتمع الشرقي"، وتعزو ارتفاع الشكاوى إلى جملة عوامل من ضمنها "تجرؤ الضحايا على الإبلاغ عن تعرضهم للابتزاز بسبب الاختناق المادي، والخضوع المتكرر لمطالب المبتز". وتفضل الأوساط ألا يتجاوب الشبان مع الشريك في التواصل الرقمي لعدم الدخول في الدوامة والبقاء في المنطقة الآمنة، انطلاقاً من أن "ما يمكن القيام به في العلن، يمكننا ممارسته عبر الإنترنت".

وتأتي 80 في المئة من الشكاوى من سيدات، بحسب قوى الأمن الداخلي، وتلفت إلى أن "هناك جانباً إكراهياً، لأن بعض النسوة يتعرضن لسرقة البيانات من خلال قرصنة الهواتف والحسابات، أو سرقة الصور لدى محلات إصلاح الهواتف والأجهزة الإلكترونية قبل القيام بالفورمات". ولا يمكن إغفال "استغلال حسن نية الضحية التي تصدق الطرف الآخر".

وتتدرج عمليات الابتزاز من تهديد بنشر صورة من دون حجاب ليس أكثر لدى الفئات المحافظة، إلى كلمة غرامية في محادثة مع سيدة متزوجة أو مرتبطة يتم تصويرها، وحفظها ضمن "سكرين شوت"، وتهديدها بالفضح، وصولاً إلى تصوير الممارسات الحميمة، والتعري عبر الإنترنت، الذي يأتي بعد فترة من العلاقة العاطفية "ونصب الفخ".

وتلفت الأوساط الأمنية إلى أن نحو 30 في المئة من جرائم الابتزاز يقوم بها "رجال بصورة نساء"، إذ إنه في بعض الأحيان يفتح الرجل صفحة وهمية، يدعي أنه أنثى لاستدراج ضحاياه، ويبتز الرجال للحصول على مقابل مادي عن طريق التهديد بفضحه أو الإساءة لسمعته.

كما أن هناك حالات إبتزاز بين الشركاء السابقين، فبعض الخاطبين، وحتى الأزواج، يهددون النسوة بنشر صورهن من أجل إخضاعهن أو تقديم تنازلات ومقابلات. كما أن هناك حالات ابتزاز تطاول ذوي الميول الجنسية الأحادية - المثلية - من خلال التهديد بنشر الصور. وتؤكد أوساط الأمن الداخلي أنها تقوم بتلقي سائر الشكاوى، وتحاول اتخاذ إجراءات سريعة، وإحالة المبتزين إلى القضاء لإنزال العقوبة بهم، وفق قانون العقوبات، وقانون المعاملات الإلكترونية الذي شدد عقوبة سرقة البيانات.

لاحظ المختصون زيادة معدلات الابتزاز في خلال مراحل الحجر المنزلي من قبل القاصرين، إما من ابتزاز الفتيات القاصرات، أو حتى "قرصنة وتهكير حسابات المعلمات"، وابتزازهن واستغلالهن بسبب التمكن من التكنولوجيا أكثر من الكبار والمعلمين. من هنا تطالب الأوساط بقيام المدارس والمؤسسات التربوية بتوعية الطلاب إلى مخاطر ذلك، وآثارها لناحية تحول الطالب إلى مجرم.

وفي جميع الأحوال على الضحايا، حسب قوى الأمن الداخلي "المبادرة مباشرة لوضع حد للمبتز وإبلاغ مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية لاستدعائه، واكتشاف هويته، وإحالته إلى القضاء من أجل المحاكمة، بالتالي عدم التمادي معه لعدم الوقوع في الفعل الفاضح، لأن بداية الابتزاز تكون في وضعية عادية، ولأن كل إنسان معرض للخطأ".

ابتزاز حتى الانتحار

تؤدي عمليات الابتزاز إلى خسائر كبيرة مادياً ونفسياً. فالبعض يطلب المال لقاء صورة، في حين يتجه الآخر إلى إلزام الضحية بأفعال منحرفة "وقاسية" تؤدي إلى ضغوط نفسية شديدة، كما قد تؤدي إلى الانتحار.

وتنتج عن هذه الابتزازات دواعٍ مدمرة على القاصرات، بسبب ضيق هامش الحركة، وعدم معرفة الجهة التي يجب اللجوء إليها، والخوف من ردود فعل الأهل. أمام هذا الواقع، قد يصل الأمر إلى مرحلة "الاستعباد الجنسي"، أو "الهرب من بيت الأهل، وصولاً إلى عيش تجارب صعبة".

وأمام هذا الواقع، تبادر بعض الجهات إلى تقديم المساعدة لضحايا الابتزاز، وتلفت المساعدة الاجتماعية في "كفى"، سيلين الكك، إلى أن الجمعية تقدم من خلال مركز الدعم، الخدمات المباشرة للنساء والأطفال ضحايا العنف، وتصنف الابتزاز الجنسي الإلكتروني ضمن "العنف" الذي تسعى العاملات الاجتماعيات لمعالجة آثاره على الضحية. ومن ثم تتم إحالتهن إلى القسم القانوني والمحاماة في الجمعية، لتقديم المشورة السابقة لرفع الشكاوى لدى قسم مكافحة الجرائم المعلوماتية لمتابعة القضية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتحدث الكك عن شيوع الابتزاز من قبل المعنف الذي يهدد الضحية بالفضح في حال عدم الرضوخ له، لذلك يتجه بعض النساء إلى الشكوى في حين تخشى أخريات من ذلك لعدم ظهور اسمها وقضيتها إلى العلن. وتؤكد أن "التدخل مع الضحايا يكون فردياً"، بمعنى أنه تقدم لها المساعدة الاجتماعية بمعزل عن عائلتها، وفي أكثر الأحيان يأتين وحدهن من دون أسرهن خوفاً من آثار ذلك، وحينها، يتم لفت نظر السيدة إلى أنه "إذا تقدمت بشكوى لن يبقى ذلك سرياً، لأن التحقيقات ستصبح علنية".

وفي أغلب الأحيان يبرز التردد في أوساط الفتيات من فئات محافظة، وتلمس المساعدات من خلال القصص بلوغ الضحايا مرحلة متقدمة، وعدم تمكنهن من احتمال المزيد، سواء العنف أو ممارسات جنسية غير مرغوبة، أو التهديد بالفضيحة.

ظاهرة اجتماعية خطيرة

بالنظر إلى ظاهرة الابتزاز الجنسي من ناحية علمية سوسيولوجية، فإنها تشكل "نقلة نوعية" لأنها تضرب المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع، وتشكل تهديداً للأمن الأسري والنفسي، بحسب كلود عطية، مدير معهد العلوم الاجتماعية في شمال لبنان.

ويرى أن هذه الظاهرة ترافقت مع اتساع نطاق تكنولوجيا الاتصال الحديثة، واختراقها سائر الحدود، ولم يترافق استخدام هذه التقنية مع نصائح توعوية لكيفية استخدامها والتحكم فيها، وتحديداً مواقع التواصل الاجتماعي في ظل العولمة التي شاعت بين شرائح المجتمع كافة التي لا تمتلك الخبرة والاطلاع.

من ناحية أخرى، استحضرت هذه التقنيات الآخر إلى حياتنا، وأتاحت له القدرة على التدخل فيها والعبث بمحتوياتها وبياناتها. ويعتقد عطية أن النقطة الأساسية في هذه المشكلة تعود إلى "عدم التربية على كيفية التعامل مع الآخر في العالم الافتراضي المليء بشخصيات وهمية تسعى لتنفيذ خطط لاأخلاقية". ويصنف المبتزين إلى فئتين؛ فئة المضطرب نفسياً الذي يسعى لاستغلال الآخر، كما أن هناك فئة تمتلك تخطيطاً لضرب المجتمع بأسره، واستغلال الضحايا مالياً من خلال المطالبة بفدية، أو جنسياً.

ويشير عطية إلى أن الابتزاز يقع من الجنسين بصورة متبادلة بين أوساط الذكور والإناث، إلا أننا في "مجتمع ذكوري"، الأمر الذي يفتح الباب أمام استغلال أكبر للنساء.

وعن ارتفاع أرقام جرائم الاستغلال الجنسي في فترات الحجر بسبب كورونا، يؤكد مدير معهد العلوم الاجتماعية أن سببها "اتساع استخدام مواقع التواصل للهرب من الحجر الصحي الذي حرم الكثير من تلاقي الأصدقاء، وممارسة الحياة الطبيعية"، لذلك تحولت شبكة الإنترنت إلى "متنفس طبيعي"، وصولاً إلى اتساع فترة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يفتح الباب أمام "اختراق الآخرين للحياة الشخصية للمستخدم"، ولذلك أصبح كل شخص معرضاً له، لأن هناك من يتربص بالآخرين لابتزازهم. ويطالب عطية بإعادة تصويب سلوك الضحية ومنظومته القيمية، وملاحقة "المبتز" قانونياً، وإصلاحه من أجل تخفيف الفوضى العارمة في العلاقات الاجتماعية الافتراضية.

القضاء يجتهد

وفي سياق مكافحة هذه الجرائم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يجتهد القضاة في لبنان من أجل الحد منها، وتحديداً عندما يكون الفاعل "قاصراً". ففي معرض قضية، عرضت عليها، اتخذت قاضي التحقيق الجزائي في الشمال، جوسلين متى، قرراً بمنع قاصر من "فتح حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، أو الهاتف"، بعد أن قام بخلق صفحات وهمية، ادّعى فيها أنه أنثى، ومن ثم كان يستدرج ضحاياه من الرجال الكبار في السن، يطلب منهم إرسال "بطاقات تشريج للهاتف" مقابل الاستمرار في المحادثات الحميمة. واستعاضت بهذه العقوبة الإصلاحية، عن عقوبة الحبس بحق قاصر.

في المقابل، لم يتضمن قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي صراحة جرم الابتزاز الجنسي إلكترونياً، وإنما تطرق في المادة 114، إلى عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من ثلاثة ملايين إلى 200 مليون ليرة لبنانية أو إحدى هاتين العقوبتين كل من "استورد، أو أنتج، أو حاز، أو قدم، أو وضع في التصرف، أو نشر، من دون سبب مشروع، جهازاً أو برنامجاً معلوماتياً، أو أي بيانات معدة أو مكيفة، بهدف اقتراف الجرائم المنصوص عليها في القانون".

في المحصلة، فتحت وسائل التواصل الاجتماعي الباب واسعاً أمام الاحتمالات كافة، وتأتي جرائم الابتزاز الجنسي إلكترونياً لتسلط الأنظار على إمكانية هتك الخصوصية الفردية، في ظل إساءة استخدام الهواتف الذكية، ونشر كافة جوانب الحياة الشخصية وجعلها مرئية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات