داخل المعسكرات تشديد والتزام وانضباط، فالنوم على الموعد والتمرين الصباحي كذلك، ولا بد لأحد المشاركين الهرب أو الانسحاب من المعسكر لقانونه الصارم، إلا أن معسكر الواقع الافتراضي المعزز في الحديقة التكنولوجية التابعة لجامعة بيرزيت (وسط الضفة الغربية) عكس الصورة تماماً، فالنوم هناك ليس إلا لدمج الواقع بالخيال، والتمرين الصباحي أصبح ممتعاً من خلال المحاكاة، فيما الهروب من الواقع الافتراضي للاستراحة ليس أكثر.
عالم تفاعلي
عام 2018 انخرطت الشابة ريبكا صايج (22 سنة) في معسكر الواقع الافتراضي والواقع المعزز في الحديقة التكنولوجية الفلسطينية (Palestine Techno Park)، مما فتح لها آفاقاً واسعة في هذا المجال، ومكنها من ابتكار تطبيق "أزوما"، الذي يقوم على أساس التعليم التفاعلي للأطفال في مادة الرياضيات، من خلال الأشكال ثلاثية الأبعاد.
صايج التي درست علم الحاسوب تتحدث لـ "اندبندنت عربية" عن جدوى مشاركتها في معسكر الواقع الافتراضي قائلة، "استمر التدريب في المعسكر لقرابة 3 أشهر، وطلب منا في نهايته طرح فكرة مرتبطة بموضوع التدريب والواقع الافتراضي، وخرجنا كمجموعة بفكرة تطبيق تعليمي يوفر للطالب أسلوباً تفاعلياً وممتعاً وبديلاً عن الأساليب التقليدية المملة، وهو مخصص للمرحلة الأساسية للاطفال من 6 - 11 سنة، إذ نهدف من خلال التطبيق لجعل المناهج الجامدة كالرياضيات أكثر سهولة ومتعة، بطريقة تسمح لهم تخيل الأشكال الهندسية في أذهانهم، فما إن يفتح الطالب الكاميرا من خلال التطبيق ويسلطها على بطاقات ورقية تحمل صوراً لأشكال هندسية، حتى يقوم التطبيق بتحويل تلك الأشكال لتصبح ثلاثية الأبعاد، ويقوم الطالب بتفكيك وتركيب الأشكال من خلال اللمس على الهاتف المحمول ومعرفة المعلومات اللازمة حول الأضلاع والزوايا وما إلى ذلك، إضافة لأكثر من موضوع في المادة نفسها، وكمرحلة أولى قمنا بتخصيص التطبيق لمادة الرياضيات فقط، كونها أكثر المواد تعقيداً بالنسبة للطلاب، ونفكر مستقبلاً في أن يشتمل التطبيق على أكثر من مادة دراسية".
تضيف "مشاركتي في المعسكر داخل التكنو بارك في الجامعة، كان له دور كبير جداً في اكتساب المهارات المتعلقة بالواقع المعزز والواقع الافتراضي، وفتح لي أبواباً مع مؤسسات أخرى وفرت لي تدريبات إضافية مجانية خارج فلسطين لنفس الموضوع، وهو ما يؤكد الدور الهام الذي تتيحة الحدائق التكنولوجية للطلاب والخريجين والباحثين عن عمل، بخاصة أن جلسات التدريب تضمنت تطوير الأفكار والمشاريع كالاستشارات التقنية والمالية، إضافة إلى المساعدة في التشبيك مع استشاريين ومشرفين دوليين في مجال الواقع الافتراضي والمعزز".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حديقة نوعية
ولأن الضفة الغربية بحاجة إلى التكنولوجيا الحديثة كالواقع الافتراضي والواقع المعزز وإنترنت الأشياء والتكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي والتي تخدم العديد من القطاعات، عملت جامعة بيرزيت منذ عام 2016 على إطلاق الحديقة التكنولوجية الفلسطينية، وذلك لتوفير بيئة تكاملية تكنولوجية علمية شاملة، تخدم المبدعين والباحثين والرياديين والطلاب الفلسطينيين، وتدفعهم لتطوير أفكارهم وربطها مباشرة مع أسواق العمل.
رئيس مجلس إدارة الحديقة التكنولوجية الفلسطينية، ورئيس جامعة بيرزيت عبد اللطيف أبو حجلة يقول، "عملت الحديقة التكنولوجية الفلسطينية (مؤسسة غير ربحية تأسست عام 2016) كعضو في الرابطة الدولية لحدائق العلوم التكنولوجية (IASP)، لتوفير البيئة والبنية التحتية المناسبة، لإنشاء ومساعدة وتطوير الأعمال في القطاعات الريادية الفلسطينية المختلقة، بحيث تكون حلقة الوصل بين القطاع الأكاديمي والقطاعات الاقتصادية بشكل عام، من خلال تشبيك ودعم الأفكار والأبحاث من مخرجات الجامعات من جهة، وإحدى القطاعات لاحتضانها وتنميتها من جهة أخرى، حتى تصبح ذات قيمة اقتصادية بهدف تحقيق مصدر دخل دائم لهذه الأفكار، كما تعمل بالشراكة مع القطاعات الاقتصادية على تحديد مشكلات وحاجات هذه القطاعات، وربطها مع باحثين لتحديد طرق حلها والعمل على تطبيق تلك الحلول ضمن مشاريع فعالة".
استضافات عالمية
يردف قائلاً "على مساحة 9500 متر مربع من أصل 20000 متر مربع تبرعت بها الجامعة، تم تصميم المبنى الأول للحديقة التكنولوجية والممول من الحكومة الهندية بقيمة 12 مليون دولار، بما يخدم ويحقق الأهداف للنظام الإبداعي الفلسطيني بشكل غير ربحي، وقد خصص المبنى المكون من 7 طوابق ليلبي حاجات مختلفة، حيث تم إنشاء مختبر التصميم الإبداعي بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية UNDIO، ومختبر التعليم الإبداعي مع مؤسسة "يومنا" البلجيكية والتي تستهدف سبل تعلم تكنولوجية مستحدثة بما يشمل المحتوى والطريقة، كما تستضيف الحديقة مختبر الفنون الرقمية ومسرعة الأعمال "فلو" (مؤسسة فلسطينية رائدة تعمل في قطاع ريادة الأعمال وتقدم برامج تسريع الأعمال للريادين وأصحاب المشاريع الريادية في فلسطين) وغيرهم، كما وفّرنا للمهتمين في قطاع التكنولوجيا قاعات تدريبية وغرف اجتماعات ومساحة عمل مشتركة، تستهدف الطلاب وريادي الأعمال وأصحاب العمل الحر. إذ صمم الطابق الأول من الحديقة خصيصاً ليكون مساحات عمل خاصة للشركات الناشئة وضم أكثر من 15 شركة ناشئة، وهناك طابق كامل خصص ليكون مختبرات الإبداع والابتكار الهادفة إلى دمج تكنولوجيا عالمية في السوق الفلسطينية، وتوفير الحاجات الخاصة بها من معدات وتدريبات، فيما فرزت الجامعة مساحة طابقين لتكون خاصة بمراكز البحث والتطوير أو لاستضافة شركات عالمية".
العنقود التكنولوجي
وفيما تسعى الحدائق التكنولوجية العلمية الثلاث المنتشرة على طول الضفة الغربية، لتدريب الطلبة في مجال الريادة والابتكار والتكنولوجيا بما يسد الفجوة بين سوق العمل والجامعات، انتهجت الحكومة الفلسطينية الحالية مفهوم التخطيط التنموي بالعناقيد Clusters، حيث زرعت عنقودها التكنولوجي في وسط الضفة الغربية (مدينة رام لله) بما يتواءم مع قدرات وحجم الموارد البشرية المتوافرة في هذه المدينة والأعمال التجارية فيها، وإضافة لكونها مركز المؤسسات الحكومية، يعمل في المحافظة حوالى 400 شركة في مختلف التخصصات التكنولوجية والاتصالات، والتي توظف 8000 موظف تقريباً، بنسبة مساهمة في الناتج المحلي تساوي تقريباً 6 في المئة (مساهمة قطاع التكنولوجيا تساوي 3 في المئة)، ومن خلال لجنة مكونة من مؤسسات رسمية متعددة على رأسها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، تم وضع خطط واضحة لبناء وتوجيه بيئة فلسطينية eco-system للنهوض بقطاع التكنولوجيا بكافة جوانبه الفنية والقانونية والبشرية والمالية.
وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات اسحق سدر يتحدث لـ "اندبندنت عربية" قائلاً: "تهدف الحكومة من خلال العنقود التكنولوجي إلى زيادة القدرة التنافسية للشركات العاملة في هذا القطاع، وفتح أسواق جديدة للشركات التكنولوجية والخدمية، من خلال التشبيك بينها وبين الشركات العالمية، لا سيما في أميركا الشمالية وأوروبا بما يضمن تنويع الصادرات، للوصول إلى نسبة 10-12 في المئة من الناتج المحلي في غضون 3 أعوام، وحتى تتمكن فلسطين من أن تصبح قاعدة مصدرة لقطاع تكنولوجيا البرمجيات وتصميم وفحص الرقائق الإلكترونية chip design، لا بد من الوصول إلى عدد 15000-20000 مبرمج ومصمم ومطوّر فلسطيني، إلى جانب شركات قوية إدارياً ومالياً، علماً أن العدد الحالي لا يتجاوز 3000 شخص. ولهذا فإن الوصول لهذه الأهداف يتطلب العمل مع شركاء محليين ودوليين، كاتحاد شركات تكنولوجيا المعلومات "بيتا PITA"، والجامعات والحدائق التكنولوجية الفلسطينية، وصناديق التنمية والتشغيل وغيرها من الجهات المؤثرة في هذا القطاع".