على الرغم من أن فن الراب بشكله الحديث عرف منذ سبعينيات القرن الماضي في العالم، ولكنه عربياً يبدو نوعاً غنائياً غير محظوظ مقارنة بألوان أخرى، إذ تزدهر محاولاته من حين إلى آخر ثم تخفت، ويصبح شائعاً في مرحلة ما وبعد ذلك يبدو كأن الجمهور العربي قد هجره تماماً. بالتالي لم يكن من يهتم بتقديمه بشكل ثابت ومستمر، ولكن في السنوات الأخيرة يحاول البعض إحياءه مرة أخرى باعتباره يحمل ميزة كبرى كونه يتحمل مناقشة موضوعات اجتماعية وحياتية تصعب على لون آخر، ولذا هو وسيلة ملائمة تماماً للسجال والنقاش اللاذع، ومؤخراً وجد كثيرون من العاملين في الحقل الإعلامي والفني ضالتهم في هذا النوع من الأداء.
أغنيات الراب شعار احتفالات عيد الحب 2021
حينما يرغب أحد في التعبير بطريقة طريفة عن رفضه نظرة المجتمع إلى السيدات ممن تخطت أعمارهنّ الأربعين، فذلك سهل من خلال أغنية راب - مثلما فعل المذيع المصري جابر القرموطي، الذي كانت له تجربة سابقة في أغنية لمواجهة التحرش الجنسي بعنوان "بكرة هنعيش"- بمشاركة المطربة ميادة نصري في أغنية "ست فوق الأربعين" التي قدمها على طريقة الراب وطرحها كفيديو كليب بالتزامن مع احتفالات عيد الحب العالمي، وهي المناسبة نفسها التي جعلت الإعلامي والمخرج محمد مصطفى الشهير بـ"حمادة" يبادر بطرح أولى أغنياته كمغني راب "رابر"، باسم صادم هو "هابي زفت فلانتين"، التي قام بتأليفها أيضاً، ووضع لها اللحن وليد شراقي، ما جعل بعض المعلقين يتهمون صاحبها بأنه من ضمن الفريق الذي يحاول التمسح بغناء الراب باعتباره اللون الغنائي الأسهل الذي لا يحتاج لموهبة طربية، بل أصبح وسيلة للسجال بطريقة مبتكرة، شأن التراشق بالتدوينات عبر السوشيال ميديا، وهو ما رفضه "الرابر" محمد مصطفى.
وأكد أن هناك مفاهيم مغلوطة، لافتاً إلى أن الراب؛ الذي يعرّف اختصاراً بأنه غناء سريع بقافية واحدة من دون الالتزام بلحن محدد وهو أحد فروع الهيب هوب أداء وكتابة، فن صعب جداً، وليس مجرد سجع ووضع كلمات متشابهة القافية فوق بعضها بعضاً، لأن المغني هنا يجب أن يكون في مستوى معين من الأداء، لافتاً إلى أنه لا يجد أي مبالغة في الجرأة بألفاظ إنجليزية وعربية في الأغنية، خصوصاً أن هذا الفن قائم على سرد تجارب شخصية وانتقادات لتصرفات معينة، كما أن مقدميه من مشاهير العالم يبالغون جداً، الأمر غير المقبول بالنسبة للجمهور العربي.
الراب هل هو فن المونولوج المعاصر؟
وتابع مصطفى، الذي عمل في الإخراج عشرين عاماً وبعدها أصبح مراسلاً تلفزيونياً، وتميز بفيديوهاته الساخرة في المهرجانات الفنية البارزة، "كتبت كلمات الأغنية وكنت الأقدر على تقديمها، واخترته لأنه اللون الأقرب لشخصيتي وليس كما يشاع لأنه مهنة من لا مهنة له، كما أن التعبيرات المكتوبة والفكرة لا يمكن تقديمها إلا من خلال هذا النوع".
تابع: "لستُ مطرباً ولن أقدم لوناً طربياً أو موالاً، وعموماً القضايا التي يطرحها الراب تشبه ما كان يتم تقديمه منذ سينما الأبيض والأسود حيث كان يؤدي إسماعيل ياسين وثريا حلمي وغيرهما مونولوجات لانتقاد سلوكات مجتمعية معينة، ولكن المونولوج الآن لن يجذب جمهور هذا العصر، وبالتالي البديل هو الراب".
تشبيه فن الراب بنظيره المونولوج أيضاً أمر نبه إليه الأكاديمي إيهاب صبري المتخصص في النقد الموسيقي بأكاديمية الفنون، إذ يقول، "يبدو الراب وكأنه فن المونولوج لكنه معكوس، إذ إن الأخير كان فناً ناجحاً حين قدمه نجوم السينما المصرية قديماً، ويناقش قضايا مهمة في عصره، و نصائح للمستمعين في شكل غنائي منتظم، وفي جملة لحنية منتظمة وأداء بلا نشاز ومن دون الخروج عن اللحن وبجماليات فنية كثيرة".
يتفق صبري أيضاً على أن فن الراب لم يحقق شعبية كبيرة في الوطن العربي وليس له رواد كثيرون، حيث إن إنتاجه ينشط على فترات متباعدة. وتابع، "لم ينتشر بشكل كبير على الرغم من انطلاقه منذ أكثر من نصف قرن، كما أنه عالمياً أقل من ألوان غنائية كثيرة، هو كنمط موجود، لكن عربياً على سبيل المثال ليس له رواد أو مدارس تستلهم منهم الأجيال الجديدة، واللافت أن كثيرين يلجؤون إليه باعتباره فناً سهلاً في الأداء ويقدم اعتباطياً، بينما في الحقيقة له أصول يجب احترامها، كشكل إبداعي مهم ومنتج ثقافي مؤثر له سمات وخصائص أساسية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تجارب بارزة للنجوم العرب في أداء الراب
ومع أنه يُؤرَّخ لفن الراب في سبعينيات القرن الماضي على يد أميركيين ذوي أصول أفريقية في ولاية نيويورك، لكن هناك بعض وجهات النظر التي تربطه بفن الهجاء القديم الذي ازدهر في المنطقة العربية خلال القرن السادس الميلادي حيث يظهر مساوئ شخص أو قبيلة معينة، وهو الرأي الذي روج له الممثل والمغني أحمد مكي، الذي يعتبر من أشهر من قدموا الراب بين أبناء جيله، وتتضمن أغلب أعماله الفنية هذا اللون، كما أنه طرح ألبومات بينها "الراب أصله عربي"، وقد أطل في برنامج تليفزيوني قبل سنوات ورأى أن فكرة الراب قائمة على السجالات الشعرية التي كانت تحدث في شبه الجزيرة العربية، وكانت تقدم في هيئة مبارزات في الهجاء الشعري والارتجال، لافتاً إلى أن هذا الفن وصل للأفارقة أولاً عن طريق التجارة والترحال فأضافوا له الإيقاع لإجادتهم فن الطبل، ومنها للولايات المتحدة في مرحلة استعباد الأفارقة.
ومن أبرز أغنيات أحمد مكي في هذا اللون "وقفة ناصية زمان"، و"قطر الحياة"، و"أغلى من الياقوت"، و"آخرة الشقاوة"، فيما حاول كثيرون من المشاهير خوض التجربة، بينهم الشاعر خالد تاج الدين، الذي أصدر قبل أسابيع أغنية راب كتبها ووضع لها اللحن تحمل عنوان "آداب إعلام" ينتقد من خلالها بعض وسائل الإعلام في تناولها لبعض القضايا من دون التدقيق والتحقق من صدقية الطرح.
ويعد الممثل المصري أحمد الفيشاوي أيضاً من أكثر الفنانين الذين يعبرون عن حبهم لفن الراب، وقدم بهذا اللون أغنيات كثيرة بينها "أنا اسمي إيه"، و"القرد بيتكلم" والأخيرة تشارك في أدائها مع هنادي مهنى وقصي خضر المذيع ومغني الراب السعودي الذي له أيضاً عدة أعمال في مجال الراب حققت انتشاراً واسعاً. فيما يمزج محمد رمضان في أغنياته بين لمحة الراب وأغنيات المهرجانات ويتميز بلون خاص به، وقد دخلت معه الفنانة بشرى في تراشق غنائي مشابه، حيث انتقدته وردت على أغنياته التي يسخر فيها من منافسيه بأغنيتها "كوبرا"، وحرص الفيشاوي أيضاً على مشاكسته بأغنية راب صدرت بعنوان "نمبر 2"، سخر فيها من أغنية رمضان "نمبر وان"، حيث كان قد صرح في لقاء إذاعي له، أنه يعي جيداً ما هو غناء الراب ويدرك كيفية صنع عمل فني حقيقي يصنف تحت هذا الفن.