Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غوف يقتبس رأي خبير بشأن استقلال اسكتلندا وتلك سخرية لا تطاق

من المذهل قبوله الضمني بأن بريكست له ثمن اقتصادي، وثمة دروس يجب تعلمها بشأن كيفية نقل العلماء نتائج بحوثهم

لو وُجِدَتْ جائزة عن أضخم سخرية متضمنة في تغريدة، لنالها مايكل غوف (رويترز)

جاء في تغريدة أن "الاستقلال سيكلف اسكتلندا ثمناً أكبر بكثير من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفق ما خلُصت إليه دراسة". إنها خلاصة مدهشة في حد ذاتها، لكنها تصبح مدهشة بشكل أكبر حين تدرك أنها وردت في تغريدة نشرها الوزير (المفوض شؤون مجلس الوزراء) مايكل غوف (مهندس حملة الخروج من أوروبا).

إن مستويات السخرية المتعددة الكامنة فيها (التغريدة) مذهلة حقاً، وسنعود لمعاينة ذلك في غضون دقائق.

لكن، تتصل النقطة الأهم هنا بطبيعة الجدال السياسي في بريطانيا، تحديداً بالدور الذي يؤديه الخبراء في هذا الجدال.

إذ يجب أن يكون الجدال بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد علمنا جميعاً بعض الدروس القيّمة. في المقابل، تدل الإشارات الأولى إلى أننا ربما فشلنا في تعلم تلك الدروس.

لو أن هناك جائزة للقدر الكبير من السخرية الذي يجري حشره في تغريدة واحدة. لاحظ القبول الضمني للسيد غوف بأن بريكست ينطوي حقاً على دفع ثمن اقتصادي. وانتبه أيضاً إلى اعتماده تماماً على هؤلاء "الخبراء من منظمات التي يُشار إليها بأسمائها المختصرة (المؤلفة من الأحرف الأولى)" التي سخر منها سابقاً (في هذه الحالة، المقصود هو "مركز الأداء الاقتصادي" في "كلية لندن للاقتصاد").

ولا ننسى أن هؤلاء الخبراء وتلك النماذج، كانوا بالضبط من أظهروا أن الصفقة "الرائعة" التي أبرمها بوريس جونسون بشأن بريكست، ستؤدي إلى تقليص تجارة المملكة المتحدة في دول الاتحاد بحوالى ثلث حجمها الإجمالي.

يبدو الأمر حتى الآن غريباً جداً. غير أنه يصبح محزناً أكثر.

إذ إن الردود التي حظيت بها دراسة "كلية لندن للاقتصاد" LSE من جانب أنصار استقلال اسكتلندا، اتّبعت بشكل دقيق النموذج  الذي واجهناه خلال تجربتنا على امتداد السنوات الخمس الماضية (الجدل حول بريكست) التي تخللتها هجمات شخصية ضد الباحثين، وكذلك ترافقت مع ادعاءات مفادها بأنهم كانوا متحيزين إلى حد ما.

وإذا أردنا تصنيف هذا التهجم بشكل جوهري أكثر، لقلنا إنه اشتمل على ثلاثة ادعاءات مألوفة. جاء في أولها أن التوقعات خاطئة على الدوام. وتمحور الادعاء الثاني حول أنه مهما رأى الاقتصاديون، فإن المصلحة المشتركة لكلا الجانبين ستقتضي الاستمرار في التعاملات التجارية على نحو لا يختلف كثيراً عن وضعه حاضراً.

وتحديداً، بسبب اعتماد المملكة المتحدة المفترض على الإمدادات الاسكتلندية من الطاقة والماء، فإنه لن تكون هناك حواجز تجارية جديدة بين إنجلترا واسكتلندا، فيما سيكون من الممكن العثور على طرق ذكية في تجنب نشوء حدود بين البلدين.

واستكمالاً، يفيد الادعاء الثالث بأن عملية تشكيل النماذج المتوقعة قد تجاهلت الطرق الكثيرة والمتنوعة التي ستستطيع اسكتلندا عبرها، بعد استقلالها، أن تجري تحسينات على وضعها الاقتصادي من خلال تنفيذ الأمور بشكل مختلف.

وُضِعَتْ هذه الحجج في محل شك عام 2016. وهي حالياً أكثر إثارة للشك منها في ذلك الوقت. صحيح أننا لا نزال نجهل حتى الآن الأثر الاقتصادي الذي سيتمخض عنه، على المدى الطويل، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. بيد أن التوقعات أثبتت حتى الآن أنها دقيقة بصورة مدهشة. هكذا، تشير أفضل التقديرات إلى أن حالة عدم اليقين التي سادت في أعقاب الاستفتاء على بريكست قد كلفتنا ما يتراوح بين 2 و3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتفيد الأدلة الأولية أن الحواجز التجارية الجديدة التي بدأ العمل بها في الأول من يناير (كانون الثاني) 2021 تُحدث التأثيرات المحددة ذاتها التي كنا قد توقعناها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي المقابل، يعود السبب في وجود هذه الحواجز التجارية، تحديداً إلى أن المملكة المتحدة لم تكن "ممسكة بكل الأوراق"، وكذلك استعَدّ الاتحاد الأوروبي للدفاع عن مصالحه حتى لو استلزم ذلك بعض التعديلات المؤلمة. علاوة على ذلك، بحسب ما أظهرت بوضوح بعض العناوين الأخيرة التي تصدرت الأخبار، سيصر الاتحاد الأوروبي على وجود الحدود بهدف حماية سلامة سوقه الموحدة، على الرغم من التعطيل الذي ثبت أن تلك الحدود تتسبب به.

وأخيراً، بالنسبة لكل المزاعم حول إمكانية تعويض الاستقلال التنظيمي عن أي تأثير قد تحدثه الحواجز التجارية الجديدة، فتكاد الأدلة على صحة هذه التكهنات تكون معدومة. ولا يعني ذلك أن بريكست أو استقلال اسكتلندا، هما بالضرورة فكرتان سيئتان. ولكنه ينطوي على ملاحظة أن الفوائد لا يمكن أن تكون على شكل مكاسب اقتصادية إجمالية قصيرة المدى. وفي هذا الملمح، هل يعني ذلك كله، وفق ما تكهن بعض المعلقين، أنه ليس لدى "الخبراء"، من اقتصاديين وعلماء اجتماع وغيرهم، أي شيء مفيد للمساهمة به في الجدال المتعلق بالاستقلال الاسكتلندي، بمعنى أن مساهمتهم ستؤدي إلى معاودة ظهور الحجج الزومبية نفسها [يشير ذلك المصطلح إلى تكرار الحجج ذاتها مراراً حتى لو ثبت عدم صحتها) والانحرافات ذاتها ستعاود ببساطة الظهور بأشكال مختلفة؟

والجواب هو أن ذلك لن يحصل بالضرورة. إلا أن هناك دروساً ينبغي تعلمها. أولاً، لا تكفي النماذج والتوقعات. يجب علينا أن نجد طرقاً في إيصال نتائج بحوثنا التي لا تتردد أصداؤها بين زملائنا الباحثين وحدهم، بل أيضاً لدى العامة. ويبقى من الصحيح أن "جداول البيانات هي أشخاص أيضاً"، لكن يجب أن نقبل أن الحكايات والحالات المحددة غالباً ما تكون الطريقة الأكثر فاعلية لإيصال الرسالة التي تنطوي عليها البيانات. واستطراداً، إن التقارير الإخبارية التي تفيد بأنه لم يعد بوسع صيادي الأسماك أن يبيعوا ما يصيدونه في أوروبا، قد أسهمت في شرح واقع الحواجز التجارية، أكثر بكثير مما قدمته الأوراق الأكاديمية حول هذا الموضوع.

وثانياً، نحن بحاجة إلى فضح كل أنواع المبالغات والتخويف الصادرة عن الأطراف كلها. والواقع أن انتقاد أنصار بريكست ما سموه "مشروع الخوف" Project Fear لم يكن خالياً من الحقيقة تماماً. إذ إن إساءة جورج أوزبورن (وزير المالية الأسبق) استعمال وزارة المالية في تقديم "تحليل" مُسَيّس بوضوح، ستتكرر من دون شك في حملة استقلال تجري في المستقبل، ويجب على الاقتصاديين ألا يخشوا من قول ذلك.

وثالثاً، علينا أن نوضح تماماً حدود معرفتنا. وبصرف النظر عن القضية المتنازع عليها بشأن المدى الذي يسهل فيه بريكست لبريطانيا، من الناحية القانونية أو السياسية، أن تمضي في شراء اللقاحات بطريقتها الخاصة، فليس بمقدور أحد، من أي أطراف النقاش، أن يدعي أنه توقع مدى أهمية ذلك.  وقد تبرز قضايا مماثلة في ما يتعلق باسكتلندا. وسيكون من السخيف أن يدعي أحد أنه لن يكون بوسع اسكتلندا أن تتصرف على نحو مختلف إذا صارت مستقلة، حتى لو اقتضى ذلك ضرورة لتوضيح الفكرة القائلة بأن تصرفها قد يعوض عن الخسائر المتعلقة بالتجارة، مع عدم الاكتفاء بمجرد تأكيد هذه الفكرة فحسب.

في المقابل، لا يقع العبء ببساطة على الأكاديميين وحدهم في أداء العمل بشكل أفضل. إن قدراً من الصدق من شأنه، كما جادلنا سابقاً، أن يتيح للجميع فهم ما ينطوي عليه قرارهم أياً كان هذا القرار، وأن يستعدوا لمواجهة ما يترتب عليه، إذا لزم الأمر. ولقد فشلت حملة التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي والحكومات البريطانية المتعاقبة، بشكل واضح للغاية، في قبول فكرة أن مغادرة البلاد للاتحاد ستعني، في أفضل الأحوال، إجراء مقايضات صعبة ومؤلمة سنكون فيها من يتكبد خسائر حقيقية.

وإذا كان مؤيدو الاستقلال لا يريدون الفوز بمجرد الاستفتاء، بل تحويل هذا الفوز إلى قصة نجاح، فإن باستطاعتهم أن يبدأوا الآن، من خلال الاعتراف بأنه ستكون للاستقلال تكاليفه وسلبياته الحقيقية، ويشرعون أيضاً في التعاطي مع أولئك الذين يشيرون إلى أن هذا سيحصل، بدلاً من ذمهم والحطّ من قدرهم. وبالمثل، فإن ذلك يعني بالنسبة للوحدويين [أنصار بقاء اسكتلندا في المملكة المتحدة] على الجهة الأخرى، استخدام البحث والتحليل لتعزيز حججهم السياسية وجعلها مشروعة، بدلاً من محاولة استعمالها كأسلحة ضد الآخرين أو الادعاء بأن قوانين الاقتصاد تعني أن اسكتلندا مستقلة لن تكون ناجحة أو مزدهرة.

وفي الأقل، يرجع سبب عدم جواز ذلك، وفق ما تعلمناه نحن وأناس كثيرون، إلى أنه ليس ممكناً ردّ هذه القضايا كلها إلى الاقتصاد وحصرها به.

 

( البروفيسور أناند مينون هو مدير مركز بحوث "المملكة المتحدة في أوروبا المتغيرة"، والبروفيسور جوناثان بورتيز زميل متقدم في المركز نفسه)

© The Independent

المزيد من آراء