Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التعليقات الحاقدة على الكابتن توم مور انحدار جديد لأخلاقيات بلادنا

الأخبار التي تحدثت عن إصابة جامع التبرعات لمستشفيات "الخدمات الصحية الوطنية" بـ"كوفيد- 19" بعد أسابيع من عودته من عطلة في باربادوس ثم وفاته، جعلت المتصيدين يخرجون من أوكارهم

الكابتن توم مور الذي توفي أخيراً بعد نجاح حملة تبرعات عالمية أطلقها لمكافحة كورونا، بمناسبة عيد ميلاده المائة (غيتي)

ما أن سمعت الأنباء التي تحدثت عن أن اختبار الكابتن السير توم مور (ضابط سابق في الجيش البريطاني عاش مئة عام) جاء إيجابياً لجهة إصابته بفيروس "كوفيد - 19" بعد أسابيع من عودته من عطلة في باربادوس، حتى شعرت بخيبة أمل وبإحباط.

كنت أعلم بعد ما أجريت مقابلة مع ابنته هانا إنغرام مور، قبل عيد الميلاد بفترة قصيرة، أن بعض المنافقين المتفننين بأسلوب الصيد في الماء العكر، سيظهرون إلى الساحة قريباً ويبدأون في توجيه ادعاءات وتعليقات مسيئة إليها، كما فعلوا من قبل، بحسب ما قالت لي سابقاً، بحيث دأبوا على القيام بذلك منذ أن أصبح والدها الذي احتفل بعيد ميلاده المئة في أبريل (نيسان)، محط اهتمام شعبي. من المؤكد أن اللوم سرعان ما ألقي عليها، وترافق مع اتهامات لها بأنها عرضت حياته للخطر.

لكن ما لم أكن أتوقعه هو أن يُوجه أيضاً نقد لاذع هذه المرة إلى الكابتن توم نفسه. وفيما كتب أحدهم على "تويتر" قائلاً "إما أن يكون المرء تحت القانون أو يعد شخصاً غير مسؤول. إن هذا هو السبب الذي يجعل بريطانيا تعيش حال الفوضى الراهنة"، اعتبر آخر أن الكابتن توم تصرف "بطريقة أنانية".

هذه التعليقات السامة والمخزية، تشير إلى انحدار جديد في مستوى أخلاقيات بلادنا، التي تمزقت أوصالها أو انقسمت بسبب طريقة استجابتنا للوباء. أتساءل كم نشعر اليوم أننا بعيدون عن تلك الأيام المشمسة التي سادت في فترة الإغلاق الأول، عندما كنا نهرع للتصفيق للعاملين في مستشفيات "الخدمات الصحية الوطنية" NHS كل يوم خميس، ونثني على جهود الكابتن توم لمبادرته القيام بمئة دورة في حديقته تزامناً مع عيد ميلاده المئوي.

شعرنا أنه إذا تمكن الكابتن توم، الذي خدم بلاده في الحرب العالمية الثانية، من اجتياز هذا التحدي، فيمكننا نحن أيضاً أن نجتاز المصاعب التي نمر بها. لقد جسد لدينا "روحية بليتز" Blitz Spirit (مصطلح استخدمته الصحافة البريطانية لوصف صمود البريطانيين أمام القصف النازي لبلادهم خلال الحرب العالمية الثانية)، وتبرعنا بالملايين لقضيته المتمثلة في جمع المال لمصلحة "الخدمات الصحية الوطنية".

لكن الآن، فترت هذه الحماسة وذبلت حتى في الوقت الذي أظهرنا أمانينا له بالشفاء من المرض والتعافي (قبل أن يتوفي). إن ذلك هو نتاج موجة عارمة من الغيرة كانت قد بدأت العام الماضي، عندما صُورت ابنته هانا في ذلك الدور المألوف للغاية والمتحيز جنسياً، على أنها "امرأة متلاعبة"، واتهمها "المتصيدون" على شبكات التواصل الاجتماعي باستغلال شهرة والدها. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت قد قالت لي خلال المقابلة "كل ما أردته هو أن أمنح والدي فرصة للتعبير عن نفسه، وأن أتيح له فرصة للاستماع ولإيصال صوته إلى الآخرين. لكن رسائل الكراهية بدأت تنهال عليّ من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. بأن ذلك يعد تمييزاً على أساس العمر أيضاً، لأن أي شخص يمكنه أن يدرك أنني لا أستطيع أن أحمل والدي على القيام بأي شيء لا يريده، ولن أفعل ذلك".

وكما يعلم أي شخص لديه والدان طاعنان في السن، فإن الخطر يتربص بهما في كل مكان، ولا تعرف أبداً أي يوم قد يكون الأخير برفقتهما. قد تكون سقطة بسيطة في المطبخ كارثية، كما حدث مع الكابتن توم قبل نحو عامين. لكنهم يظلون أشخاصاً بالغين، ولديهم جهة مسؤولة عن مصيرهم.

ربما ينبغي ألا نفاجأ بالأمر. فنحن نعاني على صعيد المملكة المتحدة من متلازمة تعرف بـ"متلازمة الخشخاش الطويل" (عقلية تستاء من نجاح الآخرين Tall Poppy Syndrome)، بحيث تجدنا ما أن نرفع من قيمة أفراد حتى نقوم بالحط من شأنهم برميهم إلى القاع مجدداً. لقد حدث ذلك مع شخصيات شهيرة مرات عدة، بدءاً بديفيد بيكهام وصولاً إلى ميغان ميركل.

لكن رؤية هذا الأمر يحدث مع كابتن توم يثير الصدمة، خصوصاً بسبب سنه ومكانته ككنز وطني. وقد تعالت الانتقادات، منذ أن قامت الأسرة التي سلطت عليها أضواء الصحافة، بتوظيف خبير في العلاقات العامة، فوصف أفرادها بأنهم يستغلون الشهرة. ومع ذلك، فإن ما حصل معهم، على حد قول هانا، كان حدثاً سعيداً، لكن لم يكن بمقدورهم التعامل معه بمفردهم.

في نهاية عام بذل خلاله كابتن توم كثيراً من وقته الثمين وجهده وروحه لتحفيز المجتمعات في المملكة المتحدة، هل يبدو من المناسب أن نحكم عليه أو على أسرته لقيامهما بسفرة أحلامهما إلى باربادوس على متن رحلة مدفوعة الأجر من قبل الخطوط الجوية البريطانية "بريتيش إيرويز"، عربون شكر من الأمة، في وقت كان السفر فيه مسموحاً به، وكان هناك ممر سفر؟

إننا أفضل من ذلك. لكن الحقيقة المحزنة هي أن الحكومة كانت، خلال الأشهر القليلة الماضية، تشجع بالضبط هذا الميل نحو سلوك متطرف يعمد إلى دس الأنوف في شؤون الآخرين. وفي محاولة يائسة لتغطية إخفاقات بعض المسؤولين الحكوميين التي لا تعد ولا تحصى، نجدها تسعى إلى إلقاء اللوم علينا. فهي لم تتردد في تضخيم الآثار السيئة لسلوكيات أقلية من الناس قامت بمخالفة قواعد الإغلاق المتشددة، في وقت كانت عواقب سلوكيات بعض أفرادها وخيمة.

وفيما كان يلقى القبض على بعض المشاة والحكم علينا بسبب ارتيادنا الحدائق العامة، نجد بوريس جونسون يتأرجح طوال الوقت في مواقفه حول الإجراءات الأخيرة التي يتعين عليه اتخاذها، وريشي سوناك يولي الأولوية لخزائن الدولة ويقدمها على مصلحة المجتمع.

إنه لمن المخجل أن نرى سياساتهم تبلي بلاء حسناً. لقد تحول بعضنا ضد البعض الآخر، وبتنا نشعر بالغيرة ونحكم على سلوك الآخرين، ونستشيط غضباً من ذهاب عائلة مور في عطلة عندما لم يتسن لنا ذلك، أو نشعر بالمرارة لأن جيراننا قد انتهكوا القواعد بعض الشيء.

أحد المنتقدين قال "أتمنى لو تمكنت من رؤية والدي". في الواقع، إن الكابتن توم يعيش مع ابنته منذ 15 عاماً. تذكر ذلك إذا شعرت بغيظ شديد عن غير حق في شأن ما حدث، وقم بصب جام غضبك على جونسون وعصابته الماكرة، وليس على أسرة سخرت نفسها لمساعدتنا خلال هذه السنة المروعة، وأنشأت "مؤسسة كابتن توم" الخيرية لضمان استمرارية المساعدات لمجتمعاتنا. لقد سرنا جنباً إلى جنب مع توم آنذاك، لذا دعونا نسير إلى جانبه الآن.

(كتب هذا المقال قبل إعلان وفاة الكابتن السير توم مور)

© The Independent

المزيد من آراء