Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخلفات المصانع الإسرائيلية تلوث حياة الفلسطينيين

نحو 25 منطقة صناعية استيطانية في الضفة تضم 29 منشأة خاصة بإنتاج مواد كيماوية سامة

لقطة للحريق الذي شب في منطقة نيتساني شالوم الصناعية شمال الضفة الغربية نهاية العام الماضي (اندبندنت عربية)

لم تمض سنة على أمير وسارة في منزلهما الجديد في قرية جبارة قضاء مدينة طولكرم (شمال الضفة الغربية)، حتى باشرا أخيراً البحث عن غيره. لا يكترثان بمساحة البيت أو شكله، المهم أن يكون بعيداً من منطقة جيشوري الصناعية الإسرائيلية، إذ إنهما بانتظار مولود جديد لا يرغبان البتة أن يعيش كما يعيشان على ضجيج المصانع ورائحة مخلفاتها ودخانها المزعج والخطير. كيف لا وقد أعلنت إسرائيل في عام 2019 عن منطقة صناعية جديدة غرب مدينة طولكرم، على بعد أمتار من منزل العروسين، وستضم 130 منشأة صناعية إنتاجية، تتفاوت من الصناعات الخفيفة إلى البلاستيك والمبيدات وصولاً إلى الصناعات العسكرية.

مصانع خطرة

منذ عام 1967 وحتى اليوم، انشأت الحكومة الإسرائيلية على أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية نحو 25 منطقة صناعية استيطانية تضم أكثر من 300 منشأة، 29 منشأة منها خاصة بإنتاج المواد الكيماوية، و15 أخرى لمعالجة النفايات، و6 منها مخصَصة لمعالجة النفايات الخطرة، يتركز معظمها في "مجمع بركان" الصناعي الاستيطاني وسط الضفة الغربية، ومجمع "نيتساني شالوم" في شمالها الذي يضم 13 مصنعاً.
وقال محافظ مدينة طولكرم عصام أبو بكر "أُنشئت هذه المصانع عام 1985 بعد أن نُقلت قسراً من منطقة نتانيا داخل إسرائيل، إلى الأراضي الفلسطينية (غرب طولكرم) بعد احتجاج إسرائيليين على التلوث الذي تسببه، مُلزِمين أصحاب تلك المصانع بوقف عملها لعدة أيام في السنة حين تهب فيها الرياح باتجاه الغرب، لتجنب الإضرار بالمستوطنين الذين يقطنون بالقرب منها، فتم نقل مصدر التلوث ووضعه على بعد أمتار قليلة من أحياء المدينة، وعلى بعد 500 متر فقط من مدارس يرتادها أكثر من 11 ألف طفل فلسطيني. وهناك عشرات الشقق السكنية المهجورة المحاذية للمنطقة، كما أن الغطاء النباتي هناك محروق بالكامل، ما يشكل شاهداً على حقيقة أن المنطقة أصبحت غير قابلة للسكن نتيجة التلوث الذي تسببه تلك المصانع. ويرتبط ذلك بجريمة ضد الإنسانية وهي النقل القسري غير المباشر، وهي جريمة دولية". وأضاف محافظ طولكرم "تمتد المنطقة الصناعية نيتساني شالوم "جيشوري" على مساحة 50000 متر تقريباً، وتختص في صناعة الأسمدة ومبيدات الحشرات، ومصانع أخرى للغاز ومعالجة الزجاج وتصنيع المعادن الثقيلة وخزانات الغاز والبترول والغاز المضغوط، وكل مخلفات وملوثات وعوادم تلك المصانع تُلقى على الأراضي  الفلسطينية دون حسيب أو رقيب".


دراسة بيئية

 كشفت سلطة جودة البيئة الفلسطينية في عام 2016، عبر دراسة تقييم الأثر البيئي والصحي للمنطقة الصناعية الإسرائيلية نيتساني شالوم "جيشوري" المقامة شمال الضفة الغربية، عن مدى أثرها السلبي على المجتمع المحلي الفلسطيني، حيث شملت الدراسة فحوصات لمصادر المياه والتربة وجودة الهواء والآثار المتعلقة بالتنوع الحيوي، إضافة إلى فحوصات لدم وحليب الأمهات في المنطقة القريبة من "جيشوري".
وصرح رئيس سلطة جودة البيئة الفلسطينية، جميل مطور، "أثبتنا من خلال الدراسة أن تركيز العناصر الثقيلة كمركبات الديوكسين والفيوران (ملوثات عضوية ثابتة تبقى لسنين طويلة في البيئة) في العينات التي أُخذت من أشخاص يسكنون قرب المنطقة الصناعية، أعلى مقارنةً مع غيرهم من الفلسطينيين في مناطق أخرى، وأن الانبعاثات من غازات وعناصر ثقيلة وسامة في تلك المنطقة عملت على تقليل النشاط البكتيري في التربة، إلى جانب أن مياه الأمطار هناك كانت حمضية، بسبب ذوبان أكاسيد النيتروجين والكبريت والأمونيا الناتجة من المصانع وعمليات حرق الوقود غير النظيف في مياه الأمطار. وأكد 75 في المئة من السكان المستطلعة آراؤهم في الدراسة، أنهم يعانون من مشاكل صحية مختلفة نتيجة وجود المصانع، في حين أن 65 في المئة منهم أخذوا وصفات طبية وأدوية لمعالجة مشاكل صحية، فيما أكد 60 في المئة من عمال تلك المصانع عدم معرفتهم بطبيعة المواد الخام التي تدخل في الصناعات التي يعملون بها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ملاحقة قانونية

وتابع رئيس سلطة جودة البيئة "قبل عدة أشهر لمسنا أن المنطقة الصناعية الاستيطانية "نيتساني شالوم" تفتعل حرائق متعمدة للنفايات بهدف التخلص منها، ما تسبب بحدوث سحابة سوداء، ما دفعنا على الفور إلى مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهيئاتها المتخصصة، بإرسال بعثة فنية أممية للتحقيق في ظروف الكارثة البيئية جراء الحرائق التي اندلعت في المنطقة الصناعية، والوقوف على تداعياتها على الصحة والبيئة، إضافة إلى التحقيق بشأن النفايات الخطرة التي تتسبب بها تلك المصانع، ونُصر منذ سنوات على مطالبنا بإزالتها أو نقلها، فوجودها بجوار السكان الفلسطينيين يتناقض مع القوانين الدولية".
وقدمت سلطة جودة البيئة الفلسطينية ما لا يقل عن 45 شكوى ضد إسرائيل إلى الأمانة العامة لسكرتارية "اتفاقية بازل" (معاهدة دولية للحد من تحركات النفايات الخطرة بين الدول)، بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها.
من جهة أخرى، أكدت الباحثة الحقوقية في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (فرع فلسطين)، عائشة أحمد على "ضرورة تحمل الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان المسؤولية في إعمال المبدأ 23 من إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية لعام 1992، وذلك عبر توفير الحماية للبيئة والموارد الطبيعية للشعوب الواقعة تحت الاضطهاد والسيطرة والاحتلال، والأهم من ذلك باعتقادي، قيام الحكومة الفلسطينية بتشكيل طاقم من الخبراء القانونين الدوليين في قضايا البيئة، وتزويدهم بالملفات لرفع الدعاوى القانونية ضد إسرائيل في المحاكم الدولية مستخدمين الآليات الدولية لحقوق الإنسان، التي تخولهم رفع التقارير الدورية إلى مقرر الأمم المتحدة الخاص، المعني بشؤون البيئة حول السياسات والممارسات الإسرائيلية".
وأكدت الباحثة من خلال دراسة قانونية أن "على مجلس الوزراء الفلسطيني تكليف وزارة الصحة مهمة إنشاء قاعدة بیانات لإعداد دراسات متخصصة حول طبيعة الأمراض التي يعاني منها الإنسان الفلسطيني في البلدات القريبة من مواقع المناطق الصناعية ومكبات النفايات الخطرة والمواد العادمة خلال السنوات القليلة الماضية، لأهمية ذلك في إثبات الضرر الفادح على صحة الإنسان الفلسطيني".


تشغيل الفلسطينين

وتعود فكرة إنشاء المناطق الصناعية المنتشرة على حدود الضفة الغربية عام 1967، إلى الرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيرس، الذي أكد مراراً أن الهدف الأساس منها هو تشغيل العمال الفلسطينيين في الضفة الغربية لتحسين معيشتهم، ودفع عجلة الإقتصاد الفلسطيني، في حين أعلن موقع المنسق (وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في أراضي الضفة الغربية وغزة) عن ارتفاع الطلب من قبل أصحاب المصانع الإسرائيلية للعمال الفلسطينيين من أصحاب الخبرة والشهادات الجامعية، بهدف تشغيلهم في وظائف إدارية ومهنية، وذلك في بيئة عمل "متطورة ومحترمة تتيح كسب الرزق بكرامة" حسب ما نشر على الموقع.
وعبر أصحاب بعض تلك المصانع الإسرائيلية عبر صفحة "المنسق"، عن رغبتهم بمنح العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية مزيداً من فرص العمل، مؤكدين في الوقت ذاته أن ثلثي الوظائف داخل مصانعهم هي لفلسطينيين يسعون إلى تحسين أوضاعهم المعيشة الصعبة.
وذكر موقع صحيفة غلوبس (صحيفة اقتصادية إسرائيلية)، أن "تشغيل عمال فلسطينيين من شأنه أن يمنع اشتداد الضائقة المالية في الضفة الغربية، ويخفف من حدة التوترات الأمنية". وبحسب الصحيفة، فإن الدخل السنوي للعمال الفلسطينيين في إسرائيل يشكل 11 في المئة من ميزانية السلطة الفلسطينية السنوية.
ويبلغ عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات 133.300 عامل وعاملة حتى نهاية عام 2019، أي ما نسبته 14 في المئة من إجمالي العاملين في فلسطين، و19 في المئة من إجمالي العاملين في الضفة الغربية.

المزيد من تقارير