في ظاهرة تبدو غريبة على أسواق الأسهم الأميركية، تشهد "وول ستريت"، أهم سوق مالية في العالم، ارتفاعات حادة لمجموعة من الأسهم المغمورة في فترة وجيزة، مستفيدة من ثرثرة المستثمرين حولها على منصات وسائل التواصل الاجتماعي ومنتديات الدردشة الخاصة، وهو ما دفع السلطات للتعليق على تلك الأحداث.
وقال محللون ومختصون في الأسواق المالية لـ "اندبندنت عربية"، إن الارتفاعات الجنونية التي حصلت للعديد من الأسهم الأميركية خلال العام الماضي واستمرّت خلال مطلع هذا العام 2021، مستمدّة من حقيقة أن المتداولين الآن يبحثون عن استثمارات بديلة عن النقد والسندات، في ظل سياسات البنوك المركزية والحكومات التحفيزية، مضيفين أن شركات مثل "زووم" و"نتفليكس" وأيضاً "آبل" و"أمازون" إلى جانب "فيسبوك"، استطاعت في الحقيقة الاستفادة من جائحة كورونا وحققت زيادة في العوائد.
أسهم مرتفعة
وارتفعت أسهم "جيم ستوب" لألعاب الفيديو و"أي أم سي إنترتنمنت هولدنغز" لأكثر من مثليها، مجبرةً صناديق تحوط على القبول بخسائر فادحة ومطلقة دعوات للتحقيق بشأن تدوينات مجهولة الاسم عن تداولات سوق الأسهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وزادت أسهم "جيم ستوب" بأكثر من 1700 في المئة منذ مطلع يناير (كانون الثاني) الحالي، فيما سجل في جلسة الأربعاء ارتفاعاً بنسبة 135 في المئة عند 347.51 دولار.
وبدأت التحركات الكبيرة في السهم الثلاثاء، حينما كتب الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة "تسلا"، إيلون ماسك تغريدة على "تويتر" تتضمن رابطاً لصفحة الدردشة "وول ستريت بيتس" على موقع "ريديدت" حيث يوجد نقاش حول المكاسب الأخيرة لسهم الشركة، ولدى تلك الصفحة نحو مليوني مشترك.
ولم تكن التغريدة هي الأولى لإيلون ماسك التي تدعم ارتفاعات أسهم، بل تسببت في صعود أسهم "Etsy" - منصة التجارة الإلكترونية، التي تبيع الحرف اليدوية والسلع المنزلية بنحو 18 في المئة إلى 227.4 دولار في جلسة الثلاثاء.
وكان ماسك غرّد عبر حسابه الرسمي على "توتير" حول شراء خيط يدوي من الصوف لكلبه، لترتفع أسهم شركة التجارة الإلكترونية، التي لم تكن تتحرك على الإطلاق في السوق قبل هذه التغريدة.
وقال ماسك في تغريدة في وقت مبكر الثلاثاء: "أنا أحب Etsy"، مضيفاً أنه اشترى خوذة مارفن المريخية المصنوعة يدوياً من الصوف لكلبه".
وتأتي التغريدة العشوائية الجديدة بعد أكثر من أسبوعين من قيام إيلون ماسك، بحث متابعيه في "تويتر" على استخدام "سيغنال"، تطبيق المراسلة المشفر الذي تموله منظمة غير ربحية.
بعدها تسابق المستثمرون على سهم يحمل نفس الاسم "سيغنال" بالخطأ وهو سهم "أدفانس Signal Advanc"، وهي شركة تصنيع مكونات صغيرة ليقفز سعر سهمها بنحو 438 في المئة في جلسة واحدة ووصل إلى أعلى مستوى عند 70.85 دولار، مرتفعاً من سعر الإغلاق البالغ 60 سنتاً في 6 يناير الحالي، أي قبل يوم من تغريدة ماسك.
ويثير سلوك المضاربة المتزايد بين مستثمري التجزئة الدهشة في "وول ستريت"، ونما قلق الكثير من أنه قد يكون علامة على فقاعة مع ارتفاع سوق الأسهم إلى مستويات قياسية.
تحركات الجهات التنظيمية
وفي أول تحرك رسمي، قالت جين بساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن البيت الأبيض ووزارة الخزانة يراقبان الوضع في ما يخص سهم "جيم ستوب" وأسهم شركات أخرى شهدت مكاسب قوية بالبورصة، كما أن أول سؤال طرح على رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، على هامش المؤتمر الصحافي بعد انتهاء اجتماع السياسة النقدية، كان عن "جيم ستوب"، لكنه رفض الإجابة عن أسئلة متعلقة بشركة معينة.
وقال بنك "باركليز" في مذكرة للعملاء: "تحولت الأضواء من أسهم التكنولوجيا ذات القيم السوقية العملاقة والمفضلة لدى مستثمري التجزئة، إلى الأسهم الواقعة تحت أنياب البائعين على المكشوف". وأضاف باركليز "خلال شهر أثر مستثمرو التجزئة على الحركة السعرية والمعنويات في تلك الأسهم المعرضة لموجة عاتية من البيع المكثف، ليوطدوا هيمنتهم على مستثمري المؤسسات".
تغيير تركيبة المضاربين
وقال عمرو زكريا عبدو، الشريك المؤسس لدى أكاديمية "ماركت تريدر" الأميركية لدراسات أسواق المال، إن ما حدث في جلسة الأربعاء في الأسواق الأميركية يعتبر نوعاً من التجلي في تغيير تركيبة المضاربين والمستثمرين في "وول ستريت"، والمتوقع تكراره في بورصات أخرى حول العالم. وأضاف زكريا، أن أهم ما أظهرته تلك التحركات هو قدرة المضاربين الصغار (مستثمري التجزئة) غير المؤسسات من خلال تواصلهم عن طريق بعض شبكات التواصل للأشخاص أصحاب الاهتمامات المماثلة الاجتماع في منصة واحدة وبناء على توجهاتهم الشخصية واعتقاداتهم الاستثمارية التوجه نحو البيع والشراء في أسهم بعينها.
وأشار زكريا، إلى أن تلك المنصات حلت محل المؤسسة وصارت تجمع قدراً كبيراً من المضاربين بغض النظر عن أحجامهم اجتمعت على شراء مجموعات محددة من الأسهم، هذا ما حدث والنتيجة أن الأربعاء شهد مستوى تأريخياً من حيث الأحجام هو أعلى منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2008 أكثر من 23 مليار سهم وبالقيمة ثالث أعلى تداول تاريخياً منذ 13 عاماً، مضيفاً "أسهمت إشاعات في غرفة دردشة "ريدت" - Reddit (وول ستريت بيتس) حيث تركز موجة من المتداولين في المنزل على الأسهم التي تم بيعها على المكشوف بكثافة، مما يدفع السهم إلى الأعلى ويضغط على صناديق التحوط للبيع على المكشوف، وهذه الغرفة "ريدت" سجلت ارتفاعاً في أعداد الأعضاء من 2.8 مليون إلى 4.3 مليون عضو، وهذه أرقام كبيرة تؤثر في السوق.
وأوضح أن خطورة ما حدث هو أنه صار بالإمكان لبعض الهواة ممن ليست له علاقة بالاستثمار، دخول الأسواق معتمدين على أعدادهم الكبيرة من دون الحاجه إلى رؤوس أموال كبيرة، من خلال الاتفاق على سهم معين، ربما لا تكون الاستفادة سوى تعزيز قدرتهم على كسر خطوط دفاع المجال المالي المتعارف عليها، التي طالما أسهمت في تصعيب دخول صغار المستثمرين إلى البورصات، بالتالي استطاعوا أن يخترقوا تلك الخطوط، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه حالياً هو هل تستمر تلك التحركات في التأثير في أسهم أخرى وتغيير اتجاهها صعوداً وهبوطاً؟.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تدفقات جنونية
بدوره، أشار رائد خضر رئيس قسم الأبحاث لدى "إيكوتي غروب"، إلى أن الارتفاعات التي حصلت في أسعار الأسهم هي عبارة عن تدفقات نقدية "جنونية" للبحث عن أسهم منتقاة في ظل الحاجة لإيجاد أصول استثمارية بديلة عن النقد والودائع المصرفية والسندات.
وتحدث خضر: "مثلاً ارتفعت أسهم شركة (أي أم سي) للترفيه بقوة بأكثر من 300 في المئة يوم الأربعاء الـ27 من يناير بدعم من تفاؤل أن تكون الشركة التي تعاني في الأصل من ضائقة مالية تتوجّه لطريق صحيح لتجنّب الإفلاس".
وتابع: انخفض سعر السهم قليلاً خلال تداولات اليوم الخميس، لكن هذا الانخفاض طفيف جداً مقارنة في الارتفاعات القوية. تجدر الإشارة إلى أن سعر السهم ارتفع على مدى الشهر بأكثر من 800 في المئة.
ويأتي ارتفاع أسهم (أي أم سي) بعد أن أعلن رئيسها التنفيذي آدم آرون هذا الأسبوع أن "أي حديث عن إفلاس وشيك لم يعد مطروحاً تماماً"، بعد أن حصل مشغل سلسلة المسرح على 917 مليون دولار من رأس المال لتمويل احتياجاته المالية" في عمق عام 2021.
ويرى خضر أنه حتى هذه اللحظة، يعتبر الارتفاع الكبير لسعر سهم (أي أم سي) ووصوله إلى 19.89 غير مستدام، إذ إننا بحاجة لمزيد من الإثباتات عن استقرار مديونية الشركة على المدى الطويل.
حمى الشراء
ومن جانبه، قال أحمد نجم رئيس قسم أبحاث ودراسة الأسواق بشركة "أوربكس"، إن الأسهم الأميركية تعطي أفضل عائد استثماري في الفترة الحالية ما دفع المستثمرين لاقتناص المكاسب، مضيفاً أن حمى الشراء التي بدأت أخيراً توضح مشكلة عرضية في الأسواق العامة تتعلق بالأشخاص الذين يستثمرون في الشركات الخطأ عن طريق الخطأ.
وأوضح أن سهم "جيم ستوب" ومكاسبه المحققة بنسب كبرى يوكد أن المستثمرين أكثر انتباهاً لذلك، مبيناً أن تلك الارتفاعات تأتي وسط ترقب لتطبيق خطة جو بايدن التحفيزية ومنها ارتفاع الضرائب على الشركات الكبرى، والمستفيد من تلك الخطة الشركات الصغيرة والتي من المتوقع أن تشهد مزيداً من المكاسب الكبرى، لا سيما مع نهاية الربع الأول من عام 2021.
ولفت إلى أن هناك عوامل ستدعم أسهم الشركات الصغيرة والمتوسطة في الفترة المقبلة وأبرزها حالة التفاؤل التي تسيطر على الأسواق وظهور معدلات نمو اقتصادية جيدة، إضافة إلى الخطة التحفيزية التي تتضمن شراء السندات والأصول.