Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الكعكة" التي دخلت التاريخ وخدشت حياء المصريين

ردود فعل واسعة ومتباينة من كل جهات المجتمع ومحاولات لاستغلال الواقعة سياسياً

لعل الحسنة الوحيدة للحلوى الجنسية هي إنها خففت قليلاً من حدة القلق من الوباء ومتابعة عداد المصابين والوفيات (غيتي)

المؤكد أن الطحين والزبد والسكر ورشة الملح والشوكولا والفواكه المجففة التي صنعت هذه الحلوى حفرت لنفسها اسماً ومكانة وسمعة سيتذكرها طهاة العالم كلما خبزوا كعكة. ولولا ظلال الجائحة الثقيلة وما تسببت فيه من تقليص وإغلاق لنشاط "المناطق الحمراء" الشهيرة لوجدت هذه الحلوى التي قلبت مصر رأساً على عقب طريقها إلى الواجهات والمحلات على سيبل الترويج والترفيه.
وقد تراجعت أبواب الترفيه وابتأست وهي تقف شاهدة على هجرة محتوياتها التاريخية صوب مانشيتات الصحف وفقرات الأخبار وأحاديث الرأي العام، التي هيمنت على الأجواء المصرية هيمنة غير مسبوقة. مجموعة من السيدات المنتميات إلى الطبقة الثرية أصبحن بين "كعكة وضحاها" حديث القاصي والداني، ليس في مصر فقط، بل في أنحاء عدة من المعمورة. مجموعة السيدات، وبينهن طبيبات مشهورات وزوجات أطباء معروفين، قررن الاحتفال بعيد ميلاد إحداهن في النادي الرياضي الشهير والعريق الذي ينتمين له بطريقة مبتكرة. حلوى عيد الميلاد مصنوعة على هيئة أعضاء تناسلية ذكورية وأنثوية.

فضيحة بجلاجل

وبينما السيدات يطفئن شموع عيد الميلاد، قامت إحداهن بتصوير الاحتفال الخاص وتحميل الفيديو على صفحتها على "فيسبوك". وما بدأ باعتباره احتفالاً خاصاً وحرية شخصية تحول بعد ساعات معدودة إلى قضية سياسية وأزمة نيابية ومجتمعية ومعضلة دينية و"فضيحة بجلاجل" من النوع المعتبر. فالبطلات سيدات في منتصف العمر، ومكان "الجريمة" نادٍ راقٍ يعتبره البعض منفصلاً عن المجتمع المصري بطبقته المخملية، وجسم الجريمة أعضاء تناسلية.
أعضاء النادي الشهير فُجعوا بسبب الواقعة. النادي المغلق على نفسه وأعضائه وجد نفسه عرضة "للقيل والقال" واتهامات، تبدأ بخرق العادات والتقاليد وتمر بالفسق والفجور وتنتهي بمطالبات بحل مجلس الإدارة وفرض الحراسة الأخلاقية والأمنية. حتى أعضاء وعضوات النادي تحزبوا وتفرقوا ووجدوا أنفسهم يتراشقون بالاتهامات ويتبادلون نعوتاً متضاربة متناقضة. أعضاء النادي – شأنهم شأن المواطنين خارج أسوار النادي- ليسوا وحدة واحدة. فمنهم مَن اعتبر الحلوى الجنسية والاحتفال بها حرية شخصية ودعابة بريئة، ومنهم مَن اعتبرها فسقاً وفجوراً ودليلاً على الشطط والجنوح. ولحسن الحظ أن فريقاً التزم الوسطية، حيث رأى أنها قد تكون حرية شخصية، لكن تمت ممارستها في المكان الخطأ والتوقيت غير المناسب.

متعاطف ولكن

نظرة سريعة على ما كتبه أحد أعضاء النادي المخضرمين على صفحته على "فيسبوك"، والردود التي توالت عليه خير من ألف شرح. كتب "متعاطف معهن بشدة، وحزين جداً جراء الحملة الشرسة ضدهن، ولكن هذا لا يمنع أن تصرفهن خاطئ. فالحرية الشخصية في النادي لها حدود". الكلمات الرزينة استدعت مئات التعليقات التي تراوحت بين "وأنت مالك؟" (ما شأنك؟) و"عليك نور" و"هن لا يستحققن التعاطف بل الرجم" و"هن يستحققن تظاهرة تأييد ومساندة".
وتوالت الخبطات الواحدة تلو الأخرى. النائب البرلماني خالد عبد المولى تقدم بطلب إحاطة إلى وزير الشباب والرياضة الدكتور أشرف صبحي، مشيراً إلى أن الحلوى "ضربت احترام الأديان السماوية والعادات والتقاليد والعراقة والأصول المصرية في مقتل". وصاح عبد المولى تحت قبة البرلمان مطالباً بالتحقيق الفوري "في الواقعة التي هزت الكوكب"، وفي حال ثبوت عقد الاحتفال بعلم مجلس إدارة النادي، فإن حل المجلس وإسقاط العضوية مطلوبان لكل مَن أسهم في "هذا الحفل المخزي".

الحفل المخزي

"هذا الحفل المخزي" وجد نفسه في مواجهة عنكبوتية صادمة وكاشفة، إذ وجد العديد من مستخدمي "فيسبوك" و"تويتر" فصاماً مجتمعياً صارخاً وتعامياً شعبياً مشيناً في رد فعل المجتمع تجاه "الحلوى الجنسية" وكأنها معول هدم لقيم الأسرة المصرية وعادات الشعب المتدين بالفطرة، في حين اعتبر تعرية "سيدة الكرم" حادثاً عابراً. يُشار إلى أن مجموعةً من المصريين المسلمين الغاضبين قاموا منذ حوالى 4 سنوات، وتحديداً في مايو (أيار) 2016، بتعرية سيدة مسيحية (73 سنة) تماماً في الشارع بعد إشاعة عن علاقة عاطفية بين شاب قبطي وربة منزل متزوجة.

هوة شاسعة

الهوة الشاسعة بين حلوى جنسية بغرض الاحتفال الهزلي، وتعرية جنسية بغرض الانتقام الفعلي، لم تلقَ آذاناً أو عقولاً صاغية على أغلب المستويات. جميع المتهمين في قضية "سيدة الكرم" حصلوا على البراءة، وجميع المشاركات والطاهية في قضية الحلوى تم استدعاؤهن. عضو النادي عمرو ز. (والذي فضل عدم ذكر اسمه) قال "قرأت خبراً في الجرائد واعتقدت لدقائق أنه مفبرك أو مكتوب على سبيل الدعابة. لكن مطالعته ومتابعته في كل الجرائد والقنوات التلفزيونية جعلاني أبكي بالدموع". الخبر المشار إليه يقول "ألقت الأجهزة الأمنية القبض على المتهمة بتصنيع قطع الحلوى على هيئة أعضاء تناسلية... وبمواجهتها اعترفت بارتكابها الواقعة. وتم اقتيادها إلى قسم قصر النيل... وخلال التحقيقات، أوضحت المتهمة بعد القبض عليها إنها صنعت الحلوى بناءً على طلب العضوات. ووجهت لها النيابة اتهامات تصنيع مأكولات بطريقة تتضمن إيحاءات جنسية صريحة". وصدر قراراً بإخلاء سبيلها بكفالة مالية.
وأوضح عمرو ز. أن سبب البكاء هو "كم التفاهة والمعايير المزدوجة التي وصل إليها كثيرون. فأن تشغل نفسك بحدث تافه كهذا بينما العالم يعيش كابوس الجائحة فهذا يعني وجود خلل كبير. وأن تتغاضى عن كم التحرش الذي تواجهه النساء والفتيات في الشوارع، والفساد والرشوة في الكثير من المصالح والهيئات، والقمامة المتراكمة في الشوارع، وحوادث المرور القاتلة لتتفرغ لإقامة الأحكام على حلوى جنسية، فهذا جنون".

جنون ومحرمات

لكن ما يبدو أنه جنون للبعض ليس كذلك للبعض الآخر. دار الإفتاء المصرية هرعت للحاق بالمشهد، وكتبت على صفحتها الرسمية على "فيسبوك" إن "نشر الصور العارية والحلوى والمجسمات والمنتجات المختلفة ذات التعابير الجنسية والإيحاءات الساقطة، محرَّم شرعاً ومجرَّم قانوناً، وهو اعتداء على منظومة القيم وإساءة فجة للمجتمع بمكوناته". وذيلت الدار فتواها بقوله تعالى "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون".
ويُذكر أن أحد أبرز أبطال الحدث، وهو الشخص الذي نقل الفيديو من على صفحة العضوة، لا يزال مجهولاً حتى اللحظة. واعتبر خبراء إعلاميون أن النشر من على صفحة خاصة والتداول هو انتهاك للخصوصية وتشهير، لكن آخرين يرون أن الحدث طالما أُقيم في مكان عام فهو لا يخضع لقواعد الخصوصية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أصوات غاضبة

وبعيداً من الخصوصية والعمومية، فإن ردود الفعل حول الحلوى والعضوات والطاهية ورد فعل المجتمع ما زالت تتفجر في كل مكان. الكاتبة الصحافية سحر الجعارة كتبت "إرضاع الكبير، ووطء الطفلة، ونكاح المتوفاة لم يخدش حياء بلد. خدشه النادي بالغاتوه". الكاتب والطبيب خالد منتصر غرد قائلاً "للأسف ما زالت مصر فيها أعلى نسبة تشويه تناسلي للإناث والتي نسميها طهارة... لكن أبشروا المجتمع طالب بمحاكمة ستات الجزيرة لأنهن أكلن غاتوه تناسلي".
وعلى الرغم من الأصوات العديدة التي رأت في الحلوى الجنسية فصاماً عميقاً بين ما يظهره المجتمع من التزام ديني وتمسك بتلابيب العادات والتقاليد وبين نسب التحرش والفساد والرشوة بالغة الارتفاع، إلا أن الظاهر من أحاديث المصريين والمصريات العاديين تكشف انحيازاً كبيراً لمبدأ "إن بُليتم فاستتروا". ناريمان فهمي (38 سنة) تقول إن "المجتمع له عادات وتقاليد يجب احترامها". وعلى الرغم من أنها لا تنكر أن بعض السيدات يتبادلن أحياناً نكاتاً خارجة "كتلك التي يتبادلها الرجال"، إلا أن ذلك يحدث سراً. وتضيف "لو احتفلت تلك النساء بالحلوى نفسها ولكن في بيت إحداهن، لحققن الستر ويا دار ما دخلك شر".

الشرور من سمات الحياة

لكن الشرور سمة من سمات الحياة. وإذا كان شر البلية ما يضحك، فإن في محتوى الكثير من هواتف الرجال ما يضحك ضحكاً أليماً. وكم من مشكلة زوجية، بعضها أدى إلى الانفصال، تنشأ بسبب محتويات هواتف الأزواج المحمولة من نكات وصور ودردشات جنسية صريحة. لكن فهمي تعتبر أن "الرجل رجل والسيدة سيدة، وعلينا الالتزام بعادات المجتمع وتقاليده".
عادات المجتمع وتقاليده، والفصام الحادث بين الظاهر والباطن، وازدواج المعايير بين ما يخدش حياء المجتمع على السطح وما يضربه في مقتل في العمق هي مثار شد وجذب شديدين في هذه الأيام بسبب الحلوى الجنسية. لكن الغريب هو وصول جدل الحلوى الجنسية إلى محلات "أكسسوارات البهائم" أو "حلوياتها" أو "فواكهها" كما يطلق عليها. محتويات البهائم بعيداً من اللحوم هي أكسسواراتها، ولها مطبخ قائم بذاتها يطلق عليه المصريون اسم "مسمط". ويعلم أهل الخبرة أن الأعضاء التناسلية للبهائم تشكل المحور الرئيسي على قائمة الطعام، لا سيما أنها تكتسب سمعة قدرتها على تقوية الطاقة الجنسية لدى الرجال. "المخاصي" التي تُباع على الملأ وتزين واجهات "المسمط" ويقبل كثيرون على أكلها لا تخدش الحياء. ودق الكاتب خالد منتصر على مسألة "خدش الحياء" لا سيما أنه يشكل جنحةً في القانون المصري، فكتب "مسموح أكل المخاصي الفيليه وعضو العجل المشوي بالتوابل، وممنوع أكلهم بالكريم شانتيه. في المسمط حلال وفي النادي حرام. المجتمع يخشى على حيائه من الخدش".

حياء مخدوش

وبين الحياء المخدوش والجدل الدائرة رحاه بين مؤيد للحلوى ومعارض لها ومؤيد متأرجح، تطل رائحة المكايدة السياسية كعادتها. عدد من المعارضين لنظام الحكم في مصر والمقيمين في دول أخرى في المنطقة حاولوا إعادة تنظيم صفوف السب والقذف، وأطلقوا تغريدات عن "العلمانيين الذين أطاحوا بحكم الإخوان ليأكلوا حلوى جنسية" و"المصريين الذين أطاحوا بنظام إسلامي ليخلو لهم الجو المنفلت أخلاقياً"  وغيرها. وبالطبع، وجد البعض الآخر منفذاً للدق على أوتار جماعة الإخوان المسلمين وأتباعها، فكتبت إحداهن "الشعب المحافظ المتدين بطبعه لا يغضب من القتل والتصفيات خارج القانون، أو لاعتقال وتشريد المعارضين، أو للظلم، لكنه ينتفض ضد سيدات أكلن حلوى جنسية".
الطريف أن كلمتي "حلوى" و"مصر" قفزتا إلى قمة كلمات البحث على "غوغل". كما أصبح النادي "ترند" على "تويتر" وشائعاً على "إنستغرام" و"سنابتشات". وبات محيط النادي الواقع في منطقة الجزيرة في القاهرة مثاراً للهمز واللمز بعدما كان مثاراً للحسد وحب الاستطلاع فقط لا غير. ولعل الحسنة الوحيدة للحلوى الجنسية هي أنها خففت قليلاً من حدة القلق من الوباء ومتابعة عداد المصابين والوفيات.

المزيد من متابعات