يواجه المستقبل السياسي للرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترمب، تهديداً خطيراً بعد تصويت مجلس النواب الأميركي بعزله للمرة الثانية، خلال عام. ووجه المجلس إليه اتهاماً بالتحريض على التمرد، بعد أسبوع من اقتحام عدد من أنصاره مبنى الكابيتول (الكونغرس) في هجوم غير مسبوق أثار تنديد السياسيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
ترمب هو أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يُعزل مرتين من قبل مجلس النواب، في تحرك قد يؤدي إلى إغلاق أبواب البيت الأبيض أمامه إلى الأبد. فعلى الرغم من بلوغه 74 عاماً، أعرب ترمب عن رغبته في خوض سباق 2024، لكن سيتوقف ذلك، ومستقبله السياسي برمته، على تصديق مجلس الشيوخ بأغلبية ثلثي الأعضاء، على قرار العزل.
تداعيات كبيرة
يحتاج مجلس الشيوخ بتكوينه الحالي إلى أصوات 17 من الأعضاء الجمهوريين لتمرير قرار عزل ترمب، وسيكون لذلك تداعيات كبيرة عليه، منها الحرمان من معاشه التقاعدي، والأهم من ذلك، هو قطع الطريق أمامه إلى أي منصب فيدرالي يسعى إليه.
إضافة إلى ذلك، يواجه ترمب ضغوطاً مالية متزايدة. فعمدة نيويورك بيل دي بلاسيو قال، إن المدينة ستلغي عقوداً بقيمة 17 مليون دولار مع مؤسسة ترمب، بما في ذلك اتفاقات لتشغيل حلبات التزلج وملعب للغولف. ويواصل المحققون لدى مكتب المدعى العام في نيويورك فحص السجلات الضريبية لترمب للنظر في ما إذا كان انتهك القانون من خلال مدفوعات اتُفق عليها لإسكات نساء زعمن أنه كان على علاقة بهن قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة.
هذه التداعيات المحتملة وغيرها، دفعت ترمب إلى التراجع عن خطاباته المثيرة التي يكيل فيها الاتهامات ضد خصومه السياسيين. فبينما كان مجلس النواب منعقداً للتصويت على عزله، الأربعاء، دعا ترمب الأميركيين إلى الهدوء والابتعاد عن العنف وعدم انتهاك القانون. وقال في بيان نشره، مكتب السكرتير الصحافي للبيت الأبيض "هذا (العنف) أمر لا أؤيده، ولا يؤيده الأميركيون. أدعو جميع الأميركيين للمساعدة في تخفيف حدة التوترات وتهدئة النفوس".
يعكس البيان قلق ترمب المتزايد من سيناريو العزل، الذي بات أكثر احتمالاً وسط تزايد الاستياء داخل الحزب الجمهوري من سلوكه الذي تسبب في ضرر كبير للحزب حتى فقد السيطرة على مجلس الشيوخ عندما خسر اثنين من المقاعد عن ولاية جورجيا، على الرغم من قيام الرئيس المنتهية ولايته بالحملة بنفسه بالنيابة عن المرشحين.
تحدي التوقعات
مع ذلك، ربما يأمل ترمب في تحدي التوقعات من خلال العمل خارج التيار الرئيس، عبر إطلاق حزب سياسي ينافس التيارين الرئيسين اللذين يستحوذان السلطة في الولايات المتحدة. فملياردير نيويورك قال، إنه يفكر في إطلاق شبكته الخاصة من وسائل التواصل الاجتماعي البديلة بعد حظر "تويتر" و"فيسبوك" حساباته، وسعى لوضع مشاكله مع شركات التكنولوجيا ضمن خطاب محافظ أوسع يشكو التمييز والاضطهاد من قبل شركات التكولوجيا الكبرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وربما يكون إطلاق شبكة إخبارية أو منصة اجتماعية، جزءاً من خطة أوسع لرئيس سابق حصل على أصوات 76 مليون أميركي في الانتخابات الرئاسية 2020. فقبل أربع سنوات عندما كان السباق مشتعلاً بينه وبين هيلاري كلينتون، كتب جيمس نيفوس، المؤلف الأميركي المعني بالتاريخ السياسي للولايات المتحدة، إن إطلاق ترمب حزبه الخاص سيؤمن إرثه السياسي في المستقبل، بينما يسمح لمؤيديه بتأكيد آرائهم خارج قيود الحزب الجمهوري.
حزب "لا أدري"
وأشار نيفوس إلى أن خمسينيات القرن التاسع عشر شهدت صعود حزب أميركي يعرف باسم "لا أدري" وكان معادياً للمهاجرين والكاثوليك. وفي عام 1856، استطاع حامل لواء الحزب، الرئيس الثالث عشر للولايات المتحدة ميلارد فيلمور، الحصول على 22 في المئة من الأصوات محتلاً المركز الثالث في الانتخابات.
وفي سيناريو تخيلي لما ستكون عليه الأمور في حال عزم الرئيس المنتهية ولايته على ذلك، قال المؤلف الأميركي، إنه بالنظر إلى أن ترمب لا يفهم الدستور، ولا يهتم بالمبادئ مثل الحزب الجمهوري، فمن المحتمل ألا يكون لدى حزب ترمب أي مخاوف من تفجير الوضع في واشنطن ومشاهدتها تحترق بينما يُغطى ذلك ببهجة من قبل شبكته الإخبارية. مع ذلك لم يتضح بعد إذا ما كان لدى الكونغرس سلطة لمنع ترمب من إنشاء حزب سياسي أو أن الأمر يقع تحت طائلة المحكمة العليا.
لا يزال ترمب يحظى بشعبية واسعة بين اليمين المتطرف والمحافظين في الولايات المتحدة، فضلاً عن الفئات المهمشة من أصحاب الياقات الزرقاء (العمال). فعلى سبيل المثال، عندما أصدر الصحافي بوب وودوارد، في سبتمبر (أيلول) الماضي، مقابلات مسجلة في مطلع عام 2020 أقر فيها ترمب بمدى خطورة انتشار فيروس كورونا المستجد، بينما علانية سعى للتقليل من الأمر وانتقد التحذيرات المماثلة التي أطلقها آخرون ووصفها بأنها "أخبار مزيفة"، ورغم ذلك لم تتأثر شعبية الرئيس الأميركي. ووفقاً لاستطلاع رأي لمعهد جالوب للبحوث، أعقب تسجيلات وودوارد، زاد دعم ترمب بين الجمهوريين من 92 في المئة إلى 94 في المئة.
ولطالما كان الانتماء السياسي لترمب متقلباً منذ عام 1987 حتى عام 2009، إذ وصف نفسه بأنه جمهوري وديمقراطي ومستقل على مدى عقدين من الزمن. وبحسب صحف أميركية، بين عامي 1989 و2009، تبرع ترمب للديمقراطيين بأموال أكثر مما تبرع للجمهوريين. وأدار حملة رئاسية عام 2000 للترشح عن حزب الإصلاح، لكنه انسحب بعد أربعة أشهر متذرعاً بفوضى داخل الحزب. وقرر بعد ذلك خوض الانتخابات التمهيدية ضمن الحزب الجمهوري في عام 2016.