في موضوع الفضائح الرئاسية، لا مثيل لدونالد جاي ترمب. بات الآن رئيساً لولاية واحدة فقط، كما أنه الأول في التاريخ الذي يتعرض للمساءلة مرتين. وهو كذلك أول رئيس، ونأمل في أن يكون آخر واحد، يحرّض على عصيان مدمر يقوض الديمقراطية الأميركية.
فيما وقفت في القاعة التي تجمّع فيها قبل أسبوع زملاؤها المشرّعون الخائفون والباحثون عن مكان يحميهم، افتتحت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي (ديمقراطية- كاليفورنيا) جلسة التداول في المساءلة اليوم بإعلانها أنّ ترمب "يشكّل خطراً واضحاً وآنياً على هذه الأمّة". وبدا أنّ مشهد مبنى الكابيتول أيّد رسالتها، مع انتشار صور الحرس الوطني داخل أروقته بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي.
وشكّل التصويت على إجراءات العزل في مجلس النواب محاسبة للرئيس والحزب الجمهوري. فها قد حضرت أخيراً فرصة المساءلة والعدالة التي تجنّبها ترمب إلى الآن. كما كانت فرصة أخيرة لأعضاء الحزب الديمقراطي كي يكفّروا عن عدم عزله في المرة الأولى، وعن دورهم في دعم ترمب وتوجيه قاعدتهم الشعبية نحو التطرف. كانت فرصة اقتنصتها قلّة، لكنها ملفتة على الرغم من ذلك نظراً لهيمنة ترمب السابقة على الحزب.
جاءت نتيجة التصويت 232-197. لم يصوّت أي نائب جمهوري لصالح عزل ترمب في المرة الأولى. فيما سجّلت المرة الثانية تصويت 10 جمهوريين لإجراءات المساءلة. تبدو هذه الخطوة كأنها تقدّم مهم باتجاه التعافي على مستوى البلاد- لكنه لم يظهر كثيراً داخل مجلس النواب.
فقد واصل النائب جيم جوردان (جمهوري - أوهايو) المعروف بترويجه لنظريات المؤامرة، نشر الأكاذيب بشأن التزوير في الأصوات خلال الانتخابات. وهو ما فعله أيضاً النائب مات غيتز (جمهوري - فلوريدا)؛ كما اتّهم هو وغيره من مناصري ترمب الأوفياء الديمقراطيين زوراً بأنهم المسؤولون عن تأجيج الغضب الذي أدى إلى العصيان. حصل الكثير من التهرّب من المسؤولية والمغالطات لكن قلّة دافعت عن سلوك ترمب الفعلي. في الحقيقة، وصل الأمر بزعيم الأقلية في مجلس النواب كيفين مكارثي (جمهوري - كاليفورنيا) إلى الاعتراف بأن ترمب يتحمل جزءاً من المسؤولية بسبب الهجوم على الكابيتول، لكنه قال إنه يفضّل الشجب على العزل. وعلى الرغم من مناشداته، انقسم تكتّل حزبه. ولم يمرّ تصويت الحزبين على إجراءات العزل بنجاح خلال النقاش داخل مجلس النواب. بل نجح الأسبوع الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بينما دعا كثيرون إلى التحرّك الفوري بعد عصيان السادس من يناير (كانون الثاني)، حشد قرار رئيسة المجلس بيلوسي بتأخير المساءلة زخماً من الجهد والدعم الجمهوريين. بدأت سلسلة من الشركات توقف تبرعاتها للجمهوريين الذين صوّتوا لصالح إلغاء فوز الرئيس المنتخب جو بايدن مع ظهور المزيد من المعلومات حول العصيان. وبلغ هذا المدّ ذروته ليلة أمس مع صدور أنباء مذهلة قد تعطينا فكرة عمّا قد يحصل بعد الآن.
كشف تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، وأيّدته مؤسسات إخبارية عدة، عن أنّ زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل (جمهوري - كنتاكي) سعيد سراً بجهود العزل ويعتبرها مناسبة سانحة لتطهير الحزب من ترمب. بعد ظهور هذه الأنباء بلحظات، ورد إعلان دعم خطوة العزل من قبل ليز تشيني (جمهورية - وايومينغ) تحتل المرتبة الثالثة في زعامة الجمهوريين في مجلس النواب. وحذا آخرون حذوها بعد ذلك بقليل.
ليس من الأكيد بعد، ما إذا كانت هذه الإجراءات ستؤدي إلى إدانة ترمب. ورفض ماكونيل عقد جلسة طارئة، وإن لم يتغيّر قراره، أقرب تاريخ يمكن بدء المحاكمة فيه هو 19 يناير (كانون الثاني). وسوف يحتاج الديمقراطيون من أجل إدانة الرئيس ترمب في مجلس الشيوخ أصوات 17 عضواً جمهورياً في المجلس على الأقل. يمكنهم بعد ذلك الانتقال إلى التصويت من أجل منعه للأبد من الوصول إلى الرئاسة بأغلبية بسيطة. وتشير التقارير إلى استعداد 20 جمهورياً في مجلس الشيوخ لإدانة ترمب. لكن ذلك كله يعتمد على حسابات ماكونيل السياسية.
لن تكون إدانة ترمب أفضل خطوة تصبّ في صالح الديمقراطية فحسب، لكنها الأكثر منطقية من الناحية السياسية بالنسبة إلى الحزب الجمهوري على الأمد البعيد. وهي الفرصة الوحيدة من أجل ضمان إقصاء ظلّ ترمب عنه في المستقبل القريب. وقد تخفف من حدة توتّر المانحين الذين هجروا الحزب كذلك. وهي لحظة تتلاقى فيها مصالح ماكونيل الشخصية أخيراً مع مصلحة الديمقراطية الأميركية.
إن اتخذ ماكونيل وغيره من الجمهوريين في مجلس الشيوخ القرار الصائب، سوف يقومون بذلك للأسباب الخاطئة، لكنه سيكون الخطوة السليمة في كل الأحوال. لن يمحو تحرّكهم سنوات من التصرفات التي أضعفت الديمقراطية وعزّزت سلوك الرئيس ترمب. ولن يغيّر واقع أن مواقفهم السياسية المتخلفة سيئة بالنسبة إلى البلاد. لكنه سوف يساعد على البدء بعملية تطهير ضرورية لنهج ترمب من النفسية الأميركية.
بعد الحرب الأهلية، جرت أول عملية إعادة إعمار في أميركا. وجاءت إعادة الإعمار الثانية خلال حقبة الحقوق المدنية في القرن العشرين. علينا التفكير في هذه الحقبة باعتبارها بداية إعادة الإعمار الثالثة. وقع للتو هجوم عنصري على الاتحاد [الفيدرالي الأميركي]، لكن خطر العنف من اليمين المتطرف لم يهدأ بعد. يجب مكافحة تحديات العنصرية المنهجية، والتعامل مع نسبة كبيرة من الأميركيين المتشددين بسبب أكاذيب جعلتهم يرتكبون أفعالاً غير ديمقراطية. هل سيخضع هؤلاء الناخبون الواهمون وزعماؤهم للمساءلة، أم ستجري تهدئتهم كما حدث بعد الحرب الأهلية؟ هل تستمرّ عملية إمداد الزعماء السياسيين هؤلاء بالأكاذيب على طريقة الإستراتيجية الجنوبية التي تبعت ستينيات القرن الماضي؟
سوف يحدّد تصرّفنا المقبل، إن كان التاريخ سيسجّل هذه الحقبة باعتبارها الظهور الأخير لأحفاد عقيدة الكونفيدرالية أو تحذيراً من مآل الأمور. لا يمكننا أن نسمح لترمب بتقويض الديمقراطية الأميركية. على مجلس الشيوخ أن يدين هذا المستبدّ ويحرص على عدم حصوله على نفوذ سياسي بعد اليوم.
© The Independent