تبحث مصر عن موضع قدم في ظل سباق عالمي لإنتاج سيارات تعمل بمحركات كهربائية، فبين سندان التكلفة ومطرقة نضوب مصادر الطاقة التقليدية، يتبارى العالم في العودة إلى تسيير السيارات بالكهرباء، كما كانت سيرتها الأولى في القرن الثامن عشر، حيث أول سيارة دارت محركاتها بواسطة الكهرباء.
مصر تعلن الاستراتيجية
مطلع أبريل (نيسان) الحالي أعلنت القاهرة عن استراتيجية لتوطين صناعة السيارات الكهربائية والاستفادة من أحدث التكنولوجيات التي توصلت إليها.
ففي الثالث من الشهر الجاري كشف الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري إن هناك تكليفات من الرئيس عبدالفتاح السيسي للعمل على توطين صناعة السيارات الكهربائية في مصر، وأعلن مدبولي، خلال اجتماع عقده خصيصا لمتابعة استراتيجية الحكومة لتوطين صناعة السيارات والأتوبيسات الكهربائية في مصر، أن السيارات الكهربائية "تعد مستقبل الصناعة عالميا"، مؤكدا "سعي الحكومة المصرية تدشين تعاون مع الشركات العالمية التي تعمل في هذا المجال بغـرض توطينه، والاستفادة من أحدث التكنولوجيات التي توصلت إليها، حتى تتحول مصر إلى مركز إقليمي لصناعة السيارات الكهربائية وتصديرها إلى الدول العربية والأفريقية".
هدف مزدوج
مدبولي أرجع اهتمام الدولة بمواكبة التطور التكنولوجي العالمي بالاتجاه إلى تصنيع السيارات الكهربائية إلى "عائد اقتصادي باستخدام الكهرباء بدلاً من الوقود التقليدي"، بالإضافة إلى "عائد آخر بيئي تقليلا للانبعاثات الكربونية التي تنتج عن استخدام البنزين والسولار"، في ظل دعم الموازنة العامة للدولة المصرية المنتجات البترولية في العام المالي الحالي 2018-2019 بنحو 89 مليار جنيه.
وقال مسئول حكومي لـ"اندبندنت عربية" إن مخصصات دعم المنتجات البترولية قد تتقلص إلى نحو 52 مليار جنيه في مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد 2019-2020"، مؤكدا أن "قرارات ترشيد منظومة دعم المنتجات البترولية وتعديل التشوهات السعرية في هذه المنظومة ليست هدفاً في حد ذاته، إنها إجراءات حاسمة تتخذها الدولة للحد من الآثار السلبية التي خلفتها منظومة الدعم المشوهة، المستمرة على مدار سنوات طويلة على الاقتصاد المصري، والمنعكسة سلبا على الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين، والتي تأثرت بشدة نتيجة التهام منظومة دعم المنتجات البترولية للموارد المالية".
وأوضح المصدر "أن دعم المنتجات البترولية والغاز الطبيعي خلال السنوات الخمس الماضية التهم نحو 517 مليار جنيه، وعلى الرغم من ضخامة هذه القيمة فإنها لم تدعم المستحقين الحقيقيين للدعم علاوة علي الآثار السلبية الناتجة عن هذا التشوه اقتصاديا واجتماعيا".
لجنة وزارية
الحكومة المصرية شكّلت لجنة في الرابع من أبريل الحالي، تضم وزارات الإنتاج الحربي، والتنمية المحلية، والتجارة والصناعة، وقطاع الأعمال العام، والنقل، والكهرباء، والبترول، والتعليم العالي، والداخلية، والسياحة، والهيئة العربية للتصنيع، واتحاد الصناعات، وعددا من الجهات الأخرى المعنية بحسب بيانات رسمية صادرة عن مجلس الوزراء المصري.
ووفقا للبيانات الرسمية فإن اللجنة المشكَّلة ستدرس حجم الطلب المتزايد على السيارات والأتوبيسات الكهربائية، واستكشاف الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر، وسعيها لإقامة شراكات واستثمارات في مجال صناعة السيارات الكهربائية، إضافة إلى التفاوض ودراسة العروض المقدمة من الشركات العالمية العاملة في مجال تصنيع السيارات والأتوبيسات الكهربائية، حتى يتسنى اختيار أفضل العروض التي تحقق أقصى استفادة ممكنة لمصر، وفقًا لاحتياجات السوق المصري من الأتوبيسات والسيارات الكهربائية، وأخذاً في الاعتبار خطط التصدير المستقبلي.
السيارات الكهربائية على الطريق
وكالة الطاقة الدولية أكدت، في تقرير صادر عنها خلال العام الحالي 2019، أن عدد السيارات الكهربائية على الطرق في عام 2017 بلغ نحو 3.1 مليون في جميع أنحاء العالم، معتبرة أن هذا المعدل يمثل رقما قياسيا جديدا.
وتوقعت "الطاقة الدولية" تضاعف هذا العدد 3 مرات بحلول عام 2020، بينما رجحت أن يرتفع عدد السيارات الكهربائية إلى 125 مليونا في عام 2030 بحسب التقرير.
وتواصل الصين السيطرة على السيارات الكهربائية في العالم، وقد تصل مبيعاتها إلى 26% في السوق الصينية بحلول عام 2030، وهو ما أكدته "الطاقة الدولية" بإشارتها إلى أن الصين تعد أكبر سوق لسيارات الطاقة الكهربائية للعام الثاني على التوالي في 2018، وقدرت ما تم بيعه في عام 2017 بما يقرب من 580 ألف سيارة كهربائية في عام 2017، بزيادة قدرها 72% على أساس سنوي عن العام السابق 2016.
BMW تطلق أول سياراتها الكهربائية بالقاهرة
الأحد الماضي 14 أبريل (نيسان) أطلق عمرو نصار، وزير التجارة والصناعة المصري نيابة عن رئيس الوزراء، السيارات الكهربائية BMWi فئات i3 الكهربائية والسيارات الهجين i8 coupe، وi8 roadster، في حفل المجموعة البافارية للسيارات، لتصبح السوق المصرية من أوائل أسواق دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تستخدم فئات السيارات الكهربائية والهجين ماركة BMWi.
وأكد "نصار"، خلال كلمته، حرص الحكومة على تشجيع إنتاج وتصنيع السيارات الكهربائية في مصر، التي تمثل مستقبل صناعة السيارات في العالم، مشيراً إلى أهمية مواكبة التوجهات العالمية الحالية للتحول نحو السيارات الكهربائية صديقة البيئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال الوزير إن الحكومة تجهز حالياً كل المدن الجديدة بالبنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية، خاصة بعد صدور قرار جمهوري بالسماح باستيراد السيارات الكهربائية، دون رسوم جمركية، مما يسهم في تشجيع المستهلك المصري على استخدام هذه النوعية من السيارات، للحد من استهلاك الطاقة، والحفاظ على البيئة من الانبعاثات الخطيرة، مشيراً إلى أن توجّهات المجموعة البافارية للسيارات تدعم استراتيجية الدولة لتشجيع استخدام السيارات الكهربائية للمساهمة في خفض الانبعاثات، وتقليل الاعتماد على المحروقات كمصادر للطاقة.
وقال فريد الطوبجي، رئيس مجلس إدارة المجموعة البافارية للسيارات في مصر، إن المجموعة تسعى إلى ريادة سوق السيارات الكهربائية خلال 2019، كما أجرت دراسات كثيرة استمرت أكثر من عامين حول كيفية تطوير وتجهيز دخول السيارات الكهربائية السوق المصرية، إلى جانب تدريب العاملين، وانتهاء إنشاء مراكز الخدمة الخاصة بها.
وأضاف الطوبجي أن السيارة BMWi تعكس التطور التكنولوجي الكبير في مجال إنتاج السيارات الكهربائية والهجين فائقة الأداء والموفرة للوقود، مشيراً إلى أن السيارة الجديدة تُصنع باستخدام المواد المستدامة ومُعادة التدوير في عملية الإنتاج، لتحقيق مستقبل أخضر، وتطوير التقنيات للحدّ من استهلاك الوقود وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
إعفاء كامل للسيارات المستوردة
الحكومة المصرية تسعى عبر عدة وسائل إلى توطين السيارات الكهربائية لتجري في شوارع القاهرة، بينها إعفاء هذه النوعية من السيارات من الرسوم الجمركية وهو ما أكده رئيس مصلحة الجمارك المصرية كمال نجم لـ"اندبندنت عربية"، "السيارات الكهربائية تم إعفاؤها بالكامل من الرسوم والضرائب الجمركية في 9 سبتمبر (أيلول) الماضي".
وأضاف نجم "هدفنا الأساسي دعم استراتيجية الدولة نحو توطين هذا النوع من السيارات التي يطلق عليها "صديقة البيئة"، ترشيداً للتكلفة التي تتحملها الدولة نظير دعم المنتجات البترولية".
وبشأن الإقبال على السيارة الجديدة أوضح "نجم" أن "الفترة من سبتمبر الماضي إلى أبريل الحالي لم تتخط العام، مؤكدا أن إقبال المواطنين علي هذه النوعية الجديدة من السيارات يحتاج إلى وقت"، متوقعا "زيادة معدلات استيرادها خلال العام المقبل بعد نشر حملات توعية وترويجية لمثل هذا النوع الجديد على المواطن المصري".
أتوبيسات بالغاز أو الكهرباء بالقاهرة
مصدر مسئول بالشركة القابضة للنقل المصرية أكد لـ"اندبندنت عربية" أن "خطة الدولة لا تنطوي فقط علي السيارات الكهربائية الجديدة المستوردة"، مؤكدا أن "جزءاً من هذه الخطة يستهدف استبدال كل أتوبيسات النقل القديمة والمتهالكة التي تعمل بالسولار، بما فيها أتوبيسات السياحة والمدارس، بأتوبيسات أخرى تعمل بالغاز الطبيعي أو الكهرباء خلال السنوات الخمس المقبلة"، لاسيما أن هذا سيحقق مردوداً اقتصادياً كبيراً من خلال توفير نفقات شراء السولار، فضلاً عن المردود الإيجابي لتسيير أتوبيسات جديدة تعمل بكفاءة لتحل محل الأتوبيسات القديمة".
وكشف المصدر أن "وزارة الدولة للإنتاج الحربي المصرية تفاوضت خلال الفترة الأخيرة مع نحو 12 شركة عالمية متخصصة في صناعة الأوتوبيسات الكهربائية"، مؤكدا أن المفاوضات أسفرت عن "استعداد إحدى الشركات الصينية للتصنيع المشترك للأتوبيسات الكهربائية في مصر، وسيتم إحالة تفاصيل العرض الصيني إلى اللجنة التي شكلها رئيس الوزراء لدراسته من كافة الجوانب، تمهيداً للمضي قدماً في إجراءات التنفيذ".
واقترب عدد السيارات المرخصة في مصر إلى نحو 10 ملايين سيارة، وفقا لإحصاء رسمي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء من عام 2012 إلى 2017 في بلد يتعدى تعداده 100 مليون نسمة.
مذكرة تفاهم للشراكة مع نيسان اليابانية
وزير قطاع الأعمال المصري هشام توفيق أكد لـ"اندبندنت عربية" أن وزارته وقعت مذكرة تفاهم مع شركة "نيسان" اليابانية في شهر مارس (آذار) الماضي تمهيدا لشراكة مع شركة النصر للسيارات التابعة للوزارة، لتصنيع وتجميع السيارات محليا، وتطوير الشركة مؤكدا أن بعد توقيع المذكرة مباشرة بدأت دراسة جدوى فنية واقتصادية لبدء التنفيذ تستغرق نحو 3 أشهر.
بينما أعلن رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة نيسان موتورز إيجيبت "كوهي مائدة" في تصريحات سابقة أن إجمالي حجم الاستثمارات التي ضختها الشركة بالسوق المصرية منذ عام 2005 حتى الآن يبلغ نحو 200 مليون دولار، وأن شركته تمتلك حصة داخل السوق المصرية تصل حالياً لنحو 15%، مقارنة بـ3.8% كانت تمتلكها في بداية وجودها في مصر عام 2005، مشيراً إلى استهدافه إتاحة فرص عمل جديدة لنحو 350 شخصاً خلال العام المقبل، ليبلغ إجمالي العمالة بالشركة نحو 1300 عامل.
ولفت كوهي إلى أن الشركة تستهدف التوسع في مجال تصنيع السيارات الكهربائية عالمياً، وكذلك بالسوق المصرية خلال الفترة المقبلة في ظل امتلاكها العديد من التقنيات التكنولوجية والخبرات التي تؤهلها لمواصلة النمو خلال الفترة المقبلة، منوها إلى أن شركته تعد أحد رواد مصنعي السيارات الكهربائية على مستوى العالم، حيث أطلقت لأول مرة سيارة كهربائية في اليابان عام 2010، ليصل حجم مبيعاتها حتى الآن نحو 400 ألف سيارة كهربائية على مستوى العالم.
2030 لن نجد سيارة تعمل بالبنزين
من جانبه، قال رئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات المصرية تامر أبو بكر "إن السيارات الكهربائية نمط استهلاكي جديد وليست رفاهية، مؤكداً أن السيارات باتت أمراً واقعاً سيحدث قريبا".
وتوقع أبو بكر "أنه في عام 2030 لن نجد سيارة في العالم يمكن تسييرها بمنتجات البترول مثل السولار أو البنزين"، مؤكدا "المستقبل لسيارات تعمل إما بالغاز الطبيعي أو الكهرباء"، وأشار إلى "أن البترول سينضب لا محالة في السنوات المقبلة، وبالتالي يجب أن نستعد للبدائل بكل جدية، وتهيئة بنية تحتية جيدة للتعامل مع الواقع الجديد"، موضحا "أن البنية التحتية في مصر تحتاج إلي التوسع في إنشاء وزيادة محطات شحن السيارات بالكهرباء".
الرئيس التنفيذي لشركة "ريفولتا مصر" محمد بدوي، الشركة المتخصصة في إنشاء البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية، قال "إن شركته انتهت من إنشاء 65 محطة شحن في 8 محافظات، بينها القاهرة، والإسكندرية، والسويس، والإسماعيلية، والبحر الأحمر، والجيزة"، والتي تمثل المرحلة الأولى من البنية التحتية للمشروع".
وأضاف بدوى لـ"اندبندنت عربية"، "نستهدف الوصول بعدد هذه المحطات إلى 320 محطة مطلع العام الجديد 2020، ونخطط لتغطية منطقة الدلتا بالكامل بمحطات شحن السيارات الكهربائية قبل منتصف العام الحالي"، لافتا إلى أن "الخطة تستهدف تغطية نقاط الشحن ما يقرب من 90% من مدن وطرق جميع المحافظات قبل نهاية 2020".
وبشأن طرق وتكلفة الشحن قال بدوي "إن شحن السيارة الكهربائية أسهل من نظيرتها التي تعمل بالبنزين أو الغاز الطبيعي حيث يمكن شحنها في المنزل أو الجامعة من خلال شاحن سيارات يتم صرفه عند بيع السيارة".
وأوضح أن سعر شحن السيارة يختلف بحجم البطارية، حيث يتراوح قيمة الشحن من 50 إلى 100 جنيه، مضيفا "أن السيارة الكهربائية موفرة، وأفضل أداءً من سيارات البنزين، لافتا إلى أنه تم إنشاء محطة شحن على الطرق السريعة، والعمر الافتراضي للبطارية يصل إلى 10 سنوات".
السيارة الكهربائية على الطرق العالمية
العديد من التقارير العالمية رصد التطور الكبير المتوقع أن تشهده سوق السيارات الكهربائية خلال السنوات المقبلة، فوكالة بلومبرج توقعت في تقرير لها أن عام 2040 سيشهد تطوراً ملحوظاً في إنتاج وبيع هذا النوع من السيارات، وأنه خلال السنوات المقبلة ستسجل مبيعات هذه السيارات 60 مليون سيارة سنوياً.
وأكدت بلومبرج أن دولا مثل الصين، وألمانيا، والولايات المتحدة هي الأكثر جاهزية خلال الفترة الحالية لانطلاق هذه السيارات، ومن المتوقع أن تستحوذ الصين على 40% من سوق إنتاج السيارات، وألمانيا على 25%، والولايات المتحدة على 20%.
مصر على الطريق
قائدو السيارات المصريون تعرفوا إلى السيارات التي تعمل بالكهرباء منذ سنوات قليلة، فطبقا لتقرير مجلس مبيعات سوق السيارات "أميك" في ديسمبر (كانون الأول) الماضي فإن بيع أول سيارة مزودة بمحرك كهربائي بالكامل في مصر، كان في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي 2018.
ووفقًا لبيانات "أميك" فالسيارة المباعة هي T300 التي تحمل علامة زوتي التجارية الصينية، وتنتمي إلى فئة السيارات الـSUV الرياضية متعددة الاستخدامات.
خط إنتاج مصري
في يوليو (تموز) 2018 أعلنت الشركة الهندسية لصناعة السيارات المملوكة للحكومة المصرية الشراكة مع شركة درشال للسيارات، والتي تقضي بتدشين أول خط لتجميع السيارات الكهربائية في مصر، وتشغيل خط إنتاج تصنيع وتجميع الشواحن الكهربائية، وأكدت في بيان آنذاك، أن الشركة لديها خطة استثمارية واسعة، وتستهدف الوصول بصناعة السيارة الكهربائية إلى نسبة تصنيع 70% خلال 5 سنوات، وبطاقة إنتاجية تصل إلى 10 آلاف سيارة في حلول 2023، و2000 شاحن، و3000 محطة شحن.