عاد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى بلاده بعد شهرين من وجوده في ألمانيا للعلاج من مضاعفات صحية نتجت من إصابته بفيروس كورونا، ليضع حداً للإشاعات التي سيطرت على المشهد العام في البلاد في ظل شح المعلومات الرسمية.
ويتساءل مراقبون عن تزامن عودة الرئيس تبون ورجوع وزير الدفاع الأسبق الجنرال خالد نزار اللاجئ إلى إسبانيا من المتابعات القضائية، إذ حكمت المحكمة العسكرية عليه بـ 20 سنة سجناً، وأصدرت أمراً دولياً بالقبض عليه.
وفي حين ترفض أطراف ربط الحادثتين، تقول جهات إن غياب الرئيس فتح المجال لإعادة النظر في قضايا كان قائد الأركان الراحل قايد صالح فصل فيها، وأهمها متابعته خصومه العسكريين.
2021 سنة خير وقضاء الحاجة
وظهر تبون على التلفزيون الحكومي خلال النشرة الرسمية التي تأخرت خمس دقائق، وهو في مطار "بوفاريك" العسكري، وحوله مجموعة من كبار مسؤولي الدولة، يتقدمهم رئيس مجلس الأمة بالنيابة صالح قوجيل، ورئيس البرلمان سليمان شنين، ورئيس الحكومة عبدالعزيز جراد، وقائد أركان الجيش الفريق سعيد شنقريحة، ورئيس المجلس الدستوري كمال فنيش.
واكتفى تبون الذي ظهر بصحة جيدة، بالقول إن "البعد عن الوطن أمر صعب في ظل تراكم المسؤولية"، متمنياً أن "تكون 2021 سنة خير وقضاء الحاجة". وهو ما يشير إلى توقف عدد من المشاريع والملفات بسبب غياب الرئيس، وكان يُراهن عليها لتحريك عجلة التنمية وتحقيق مطالب المواطنين.
أما أبرز القضايا العاجلة، فهي قانون المالية لعام 2021، والدستور الجديد، إضافة إلى تسلم نسخة عن التقرير النهائي الخاص بالقانون الجديد للانتخابات.
أولى الأولويات
وفي السياق، يلاحظ أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، سمير محرز، أن "سنة 2020 كانت صعبة على الجزائريين بسبب أزمة كورونا، وكانت أصعب على السلطة القائمة نظراً لانعكاسات الملف الصحي على الاقتصاد، مع تذبذب أسعار النفط في الأسواق العالمية، إضافة إلى الملف الأمني مع التوتر الإقليمي في دول الجوار، مما جعل الرئيس وطاقمه الحكومي يركزان بشكل كبير على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والصحية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتقد محرز أن "غياب الرئيس مدة شهرين أحدث نوعاً من الارتباك، خصوصاً بعد تمرير قانون المالية لعام 2021، ودستور نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي من دون التوقيع عليهما، مما جعل السلطة في حرج"، مشدداً على أن "التوقيع على قانون المالية أولى الأولويات، ثم التوقيع على مشروع التعديل الدستوري، والتحضير لقانون الانتخابات الجديد وإصداره في القريب العاجل".
وتوقع محرز أن "يدعو الرئيس تبون إلى اجتماع وزاري في القريب العاجل، وآخر عسكري مع قائد أركان الجيش سعيد شنقريحة، لمناقشة الوضع الأمني على الحدود خصوصاً في الجنوب الغربي بعد التوتر الذي تشهده الصحراء الغربية، إضافة إلى اجتماعه مع وزير الداخلية كمال بلجود من أجل متابعة نشاطات المحافظين في الفترة الماضية".
فمحرز يعتبر أن "الملفين الأمني والسياسي، ومتابعة الوضعية الوبائية، وحصيلة الطاقم الوزاري، أولويات الرئيس خلال الشهرين المقبلين".
ويتقدم المهمات الموضوعة على مكتب الرئيس تبون، وفق محرز، "التوقيع على قانون المالية والدستور الجديد، وقد يكون ذلك الخميس أو مطلع الأسبوع المقبل، كأقصى تقدير، كون هذين الملفين لا يمكن أن ينتظرا أكثر". ويعتبر محرز أن "عدم التوقيع على قانون المالية معناه أنه لن يتم فتح مشاريع تنموية جديدة، وتجميد كل النشاطات الاقتصادية لعام 2021، ما يؤثر في المواطنين بشكل مباشر نظراً لارتباط ذلك بالعلاوات والأجور، أما عدم التوقيع على مشروع التعديل الدستوري فسيجعل البلاد تواصل الالتزام بأحكام دستور ما قبل 1 نوفمبر 2020".
ارتياح واحتقان
وعلى الرغم من أن عودة الرئيس أشاعت أجواء مريحة لدى فئات واسعة من المواطنين، فإن "الاحتقان" قد يقطع الشعور بالسعادة، بسبب تضرر مواطنين من تأخر المشاريع، وتوقف نشاطات اقتصادية وتجارية بسبب الأزمة الصحية التي أنتجت وضعية اجتماعية متأزمة تتخوف السلطة من انفجارها في أي وقت، ما لم يتم الإسراع في معالجتها. فوجود الرئيس في الجزائر، بخاصة إذا ما وقّع على الدستور الجديد وقانون المالية، قد يدفع البلاد إلى مرحلة جديدة من الحريات وتخفيف الضغوط الاجتماعية والاقتصادية.
ومما يُطرح شعبياً، من أجل إعادة الثقة إلى المواطنين، إجراء تغيير حكومي، بخاصة بعد الأداء الضعيف لعدد من الوزراء، واللغط والغضب اللذين أحدثتهما تصريحات عدد منهم.
ويأمل أستاذ الاقتصاد، أحمد الحيدوسي، أن يكون الرئيس تبون "أدرك أنه بات من الضروري القيام بتغيير عميق على مستوى الجهاز التنفيذي نظراً لمتطلبات المرحلة الحرجة، على اعتبار أنه كان وضع تصوراً لبناء جزائر جديدة، لكن الظروف أجلت انطلاق القاطرة بعد ما تم وضعها على السكة من خلال إصلاح مؤسساتي وسياسي، سواء في الاستحقاقات السابقة أو اللاحقة".
ويضيف الحيدوسي أن "تقويم الرئيس للجهاز التنفيذي سيكون بعد سنة من تعيينه في 2 يناير (كانون الثاني) 2020، وقد أخذت الحكومة الوقت الكافي، وإذا نظرنا إلى سنة عمل سنجد أن ملفات كثيرة لم يتم حلها نهائياً أو لم يتم فتحها أصلاً، خصوصاً في الشق الاقتصادي، ومنها ملف المؤسسات العمومية التي ما زالت تتخبط في المشكلات نفسها". ويختتم كلامه بأن "التغيير بات ضرورياً من أجل نَفس جديد للاقتصاد في ظل ظهور بوادر انحسار جائحة كورونا محلياً، وتحسن طفيف لأسعار النفط دولياً".