Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يدير الكاظمي مواجهة مع السلاح المتفلت؟

لا تبدو مساعي إطلاق سراح المعتقلين ناجحة حتى الآن

ويبدو أن الكاظمي عمل على اكتشاف مواطن الخلل في المنظومة الأمنية للمنطقة الخضراء وبغداد (غيتي)

بعد ليلة توتر شديدة عاشتها العاصمة بغداد في 25 ديسمبر (كانون الأول) الحالي كادت أجواؤها تشعل حرباً بين الحكومة العراقية والفصائل المسلحة، تتزايد التساؤلات في شأن احتمالية الصدام بين الدولة والسلاح المتفلت، خاصة مع حديث رئيس الوزراء العراقي عن استعداده للمواجهة الحاسمة مع الخارجين عن القانون.

وتأتي تلك التطورات بعد أيام قليلة على اعتقال قائد القوة الصاروخية التابعة لـ"عصائب أهل الحق"، بزعامة قيس الخزعلي، والتي زادت مناسيب التوتر إلى أعلى مستوياته، فضلاً عن إعادتها إلى الأذهان حادثة اعتقال خلية الكاتيوشا التابعة لـ"كتائب حزب الله"، وما تلاها من توترات.

عملية مغايرة لحادثة "البوعيثة"

ربما لا تبدو الحركة التي قامت بها "عصائب أهل الحق"، مشابهة لما حصل في اعتقال ما عرف بـ"خلية الكاتيوشا" التابعة لـ"كتائب حزب الله"، في يونيو (حزيران) الماضي، وما جرى حينها من أحداث اقتحام المنطقة الخضراء والتسريبات التي تحدثت عن وساطة قام بها كل من هادي العامري رئيس "منظمة بدر" ونوري المالكي زعيم "ائتلاف دولة القانون"، لإنهاء الحصار مقابل إطلاق سراح المعتقلين.

وتسربت أنباء عن تدخل مستشار الأمن القومي والقيادي السابق في منظمة بدر، قاسم الأعرجي للتهدئة بين الأطراف، إلا أن مراقبين يرون أن التهدئة هذه المرة فرضت على الفصائل الولائية، ولم تتمكن من تسليط الضغط على رئيس الوزراء كما حصل في مرات سابقة.

ولعل ما منع حدوث تصعيد مشابه لما حصل في قضية خلية الكاتيوشا، كان بسبب أن الكاظمي عمل طيلة الفترة الماضية على تفكيك وجود الفصائل داخل المنطقة الخضراء، لمنع تكرار ذات السيناريو.

ويبدو أن الكاظمي بعد تلقيه ضربة بحادثة "خلية الكاتيوشا" في منطقة البو عيثة، عمل على اكتشاف مواطن الخلل في المنظومة الأمنية للمنطقة الخضراء والعاصمة بغداد، حيث أجرى تغييرات في المناصب الأمنية المخصصة لحماية المنطقة الحكومية. ويرى مراقبون أن خروج الكاظمي للتجول في شوارع بغداد في ذروة التصعيد، كان بمثابة رسالة أجهضت محاولات الضغط عليه عسكرياً باستخدام ميليشيات مسلحة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وربما يكون الهاجس الكبير لدى طهران من احتمالية أن يشن الرئيس الأميركي دونالد ترمب هجوماً عليها في الأيام الأخيرة لولايته، عاملاً آخر صب في صالح رئيس الحكومة العراقية، ومن المحتمل أن يكون قد دفع إيران للضغط على الفصائل والسعي نحو التهدئة في المرحلة الحالية، لدرء أي سيناريوهات قد تتسبب في تصعيد كبير.

وتكشف مصادر، عن ضغوط كبيرة تعرض لها الكاظمي خلال اليومين الماضيين لإطلاق سراح المتهمين، فضلاً عن وساطات من قادة سياسيين كبار إلا أنها لم تنجح، في حين تشير المصادر إلى أن إيران رفضت التدخل في هذا الأمر على الرغم من محاولات حلفائها دفعها نحو ذلك.

في السياق ذاته، يقول الكاتب هشام الموزاني إن "طهران لا تريد إعطاء ذريعة لواشنطن تحديداً خلال الأيام الأخيرة لولاية ترمب لشن هجمات عليها، وهو الأمر الذي دفعها في الكثير من الأحيان إلى الضغط على الجماعات الموالية لها للتهدئة".

ويضيف أن ما جرى من عدم تسليم للمتهم حتى الآن يعزز سيناريوهات عدة برزت خلال الفترة الأخيرة، أبرزها أن "العديد من الفصائل باتت تتمرد على الضابط الإيراني، الأمر الذي تسبب بخسارتها دعامة رئيسة في الداخل العراقي، إضافة إلى الحديث المتكرر عن انشقاقات داخل تلك المنظومة".

ويشير الموزاني إلى أن تلك العوامل أسهمت إلى حد ما في "تقوية الكاظمي مقابل تلك الجماعات، فضلاً عن استغلاله حالة الاصطفاف السياسي الجديدة مع الصدر والحكيم لتعزيز قوة منظومته".

اشتعال الأزمة والفصائل تتوعد

وعلى أعقاب الهجمات الصاروخية الأكبر على السفارة الأميركية في بغداد، الأحد 20 ديسمبر الجاري، والتي استخدمت فيها 21 صاروخاً من نوع كاتيوشا، وفق البيانات الرسمية، أعلنت الحكومة العراقية اعتقال مجموعة منفذي الهجمات، الذين وصفتهم بـ"المغامرين الفاسدين"، الأمر الذي أشعل وتيرة التوتر إلى أعلى مستوياته بين الحكومة والجماعات المسلحة الموالية لإيران.

وبحسب مصادر أمنية فإن "قائد القوة الصاروخية" في حركة العصائب حسام الزيرجاوي، اعتقل في مدينة الصدر ببغداد، ما حفز انتشار مسلحين من الحركة في عدة مناطق شرق العاصمة بغداد.

وأظهر عديد من المشاهد المصورة، عناصر مسلحة تعلن الولاء للخزعلي وتتوعد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، فضلاً عن تصعيد من قبل قيادات في الحركة بينهم جواد الطليباوي.

في المقابل، نفى المتحدث، باسم المكتب السياسي لحركة "صادقون"، محمود الربيعي، وجود استعراض عسكري في العاصمة بغداد، لعناصر "العصائب"، مشيراً إلى أن "كل ما ينشر إما مقاطع فيديو قديمة أو لأشخاص لا نعرفهم، هناك من يريد إثارة فتنة وضجة إعلامية فارغة".

وأضاف "‏نحن نحترم القانون وندعو لتطبيقه بكل حزم وشفافية، وندعو وسائل الإعلام المحترمة إلى توخي الدقة في نشر الاخبار".

وبالتزامن مع تصاعد حالة التوتر، اجتمع الكاظمي بقادة أمنيين معبراً عن استعداده لما سماه "المواجهة الحاسمة إذا اقتضى الأمر".

وقال الكاظمي في بيان مقتضب، على أعقاب التوتر الأمني الذي شهدته العاصمة بغداد، إن "أمن العراق أمانة في أعناقنا، لن نخضع لمغامرات أو اجتهادات، عملنا بصمت وهدوء على إعادة ثقة الشعب والأجهزة الأمنية والجيش بالدولة بعد أن اهتزت بفعل مغامرات الخارجين عن القانون".

وبعد ساعات قليلة على بيان الكاظمي، نشر الإعلام الحكومي، مشاهد تظهر الكاظمي يراقب مناطق في العاصمة عبر كاميرات المراقبة، ومن ثم أظهرت صور أخرى رئيس الحكومة وهو يقود سيارته إلى رئيس جهاز مكافحة الإرهاب عبد الوهاب الساعدي، في جولة مع ضباط أمنيين، كرد على استعراض القوة من قبل مسلحين.

أنباء عن تسليم المعتقلين

وفي ذروة أجواء التوتر تلك تسربت أنباء عبر مصادر سياسية بأن وساطة أنهت الأزمة من خلال تسليم المتهم إلى هيئة الحشد الشعبي، وهو الأمر الذي أدى إلى تغير في منسوب التصعيد من قبل قيادات في العصائب، حيث دعوا إلى "تغليب لغة العقل والابتعاد عن الفتنة".

في غضون ذلك، تم تداول تقرير سري نسب إلى مديرية الاستخبارات، يؤكد تسليم المتهم إلى مدرية أمن الحشد الشعبي، وانسحاب تجمع حركة "عصائب أهل الحق".

وعلى أثر تلك التسريبات، كتب زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي تغريدة على "تويتر" قال فيها، إن "ما حصل من اعتقال أحد أفراد الحشد الشعبي بتهمة كيدية جرت معالجته بالعقل والحكمة"، مردفاً "نجدد التزامنا بالدولة ومؤسساتها، وفي الوقت نفسه نؤكد حق المقاومة في إنهاء وجود القوات العسكرية الأميركية مع الحفاظ على هيبة الدولة بعدم استهداف البعثات الدبلوماسية".

لكن وزارة الداخلية العراقية نفت تسليم المتهم، مشيرة إلى أن البيان الذي تم تداوله "مزور".

في المقابل أكدت مصادر سياسية عدم صحة المعلومات التي تشير إلى تسليم المتهم، لافتة إلى أن الجهات القضائية ستتولى تلك المهمة.

مساعٍ لم تنجح حتى الآن

لا تبدو مساعي إطلاق سراح المعتقلين ناجحة حتى الآن، خصوصاً مع تصعيد لهجة فصائل ولائية أخرى وتوعدها رئيس الحكومة، الأمر الذي يعزز إلى حد ما الرواية الحكومية بعدم إطلاق سراح المتهمين حتى الآن.

ولم تقتصر لهجة التصعيد على قيادات في "عصائب أهل الحق"، إذ بادرت "كتائب حزب الله" هي الأخرى إلى استخدام لهجة تهديد ووعيد مع الكاظمي، حيث هدد القيادي في الفصيل المسلح أبو علي العسكري رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بـ"قطع أذنيه".

في المقابل، استخدم العسكري لهجة أقل حدة في الحديث عن العلاقة بواشنطن، حيث دعا إلى ضبط النفس، معبراً عن تخوفه من احتمالية "نشوب حرب شاملة".

ووصف الناطق العسكري باسم الكتائب عمليات القصف بأنها تصب في صالح الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مشيراً إلى أنها "لا يجب أن تتكرر".

وعلى الرغم من إدارة منصات على صلة بالفصائل المسلحة حملات إعلامية، فإن التسريبات تشير لعدم تسليم أي متهم إلا للجهات القضائية.

 

أكباش فداء كبيرة

يشير متابعون إلى أن الكاظمي بات أمام خيارات محدودة جداً بما يتعلق بحسم ملف السلاح المتفلت في العراق، حيث يقع تحت ضغوط محلية ودولية من جهة، والتزامات وتعهدات قطعها لتلك الفصائل من جهة أخرى.

ويصف الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي، ما جرى بأنه "مناورة من الكاظمي الذي يقع تحت ضغوط شديدة بما يتعلق بهذا الملف، سواء ضغط الشارع والمرجعية الدينية أو ضغط الولايات المتحدة".

وفي مقابل تلك الضغوط، يرى الشريفي أن "لدى الكاظمي التزامات ضمنية مع الفصائل المسلحة بعد الصدام معها، وهو الأمر الذي يحد من حجم الضغط الذي سيسلطه عليها"، مشيراً إلى أن "تلك المناورة لن يكتب لها النجاح، ومن المرجح أن تنتهي على غرار ما جرى في حادثة خلية الكاتيوشا".

ويلفت الشريفي إلى أن "الكاظمي بات أمام خيارات محدودة جداً، خصوصاً أمام الإدارة الأميركية التي تبدو متحمسة في الفترة الحالية لتوجيه ضربات عسكرية"، مبيناً أن "احتمالية فشل الحكومة العراقية من إدارة الصراع ستدفع واشنطن إلى اتخاذ تلك الخيارات التصعيدية، الأمر الذي سيؤزم المشهد محلياً وإقليمياً بشكل كبير".

ويشير الشريفي إلى أن "مشهد الاصطفافات الجديدة داخل القوى السياسية الشيعية، وتحديداً بين الكاظمي والصدر والحكيم، ينذر باحتمالية صدام وشيك، لكنه من حيث التقييم ربما يكون مجرد مناورة من قبل الحكيم والصدر للخروج بصورة أخرى أمام الجمهور العراقي والقوى الدولية للتكيف مع الاستحقاقات المقبلة".

ولعل ما يجري داخل مشهد الفصائل الولائية يعطي انطباعاً بأنها باتت أجنحة بلا مركزية قرار وغير مسيطر عليها من قبل صانعي القرار في طهران، بحسب الشريفي، الذي يوضح أن تلك المجاميع باتت "سائبة ومتفلتة، الأمر الذي ربما يدفع إيران إلى تقديم أكباش فداء كبيرة، لكن ليس دون صفقة مربحة".

احتكاكات محدودة

في سياق متصل، يرى مراقبون أن ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية لا ينذر باحتمالية نشوب صدام مسلح صريح بين الحكومة والجماعات المسلحة، إلا أن الاحتكاكات المحدودة بين الأطراف ربما تستمر في الفترة المقبلة، خصوصاً بعد النبرة المختلفة التي أظهرها الكاظمي في التعامل مع هذا الملف.

ويعتقد رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن المواجهات المتوقعة "ربما لا تتجاوز حدود الاحتكاكات المحدودة بين الحكومة والفصائل المسلحة، خصوصاً مع إيصال الكاظمي رسالة إلى تلك الجماعات بأنه قد يضطر إلى المواجهة للنهاية"، مبيناً أن هذا الأمر "يحدث للمرة الأولى بعد أن كان رئيس الحكومة يدفع للتهدئة في أكثر من مناسبة".

ويوضح أن "المواجهة المفتوحة مستبعدة في الفترة الحالية، مع محاولات إيران تحاول فرض أجواء التهدئة على الفصائل"، مشيراً إلى أنه "على الرغم من وجود خلافات بين الفصائل وتمرد داخل منظومتها على القرار الإيراني، فإن قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني تمكن من تهدئة تلك الأطراف، ومنع أي إرباك في الأمن الداخلي قد يتسبب بإظهار تلك الفصائل على أنها أعلى من الدولة".

ويستبعد الشمري أن تدير الفصائل الولائية أي صدامات مع الحكومة في الفترة الحالية، وما جرى من تصعيد "كانت غايته الضغط على الحكومة وليس الذهاب إلى منطقة الصدام"، مبيناً أن أي "مواجهة تديرها تلك الجماعات مع الدولة ستكلفها الكثير في المرحلة الحالية".

ويبدو أن مشهد الاصطفافات السياسية الجديدة بين الكاظمي والصدر والحكيم يعد عاملاً إضافياً أدى إلى تأزيم موقف الفصائل فيما يتعلق بالصدام مع الحكومة، كما يعبر الشمري، الذي يبين أن "لدى الصدر حسابات تتعلق بعدم التخلي عن حكومة الكاظمي، إذ يعتبر تياره ركناً رئيساً فيها، فضلاً عن كونه يعمل على تعزيز صورة توجهاته بأنه داعم للدولة وتثبيت القانون".

وتبقى الأيام الأخيرة لولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب عصيبة جداً تحديداً على منظومة الميليشيات الولائية، خاصة بعد تلويحه في أكثر من مناسبة باحتمالية توجيه ضربات إلى إيران، الأمر الذي يجعل المشهد العراقي بوصفه ملعب المناورة متحركاً فوق صفيح ساخن من احتمالات عديدة للتصعيد والتوتر.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي