Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الإبل" فخر قبيلة الكبابيش في السودان

تتعدى الجانب الاقتصادي كنشاط مرتبط بالربح والخسارة إلى مكانة اجتماعية يتباهى به

تربية الإبل مدعاة لفخر أهل البادية في السودان  (حسن حامد – اندبندنت عربية)

غذت الطبيعة البدوية المظاهر الحياتية لديار قبيلة الكبابيش في السودان الذين يعدّون أنفسهم امتداداً للقبائل القديمة في الجزيرة العربية. ومن هذا الاعتقاد، إضافة إلى عوامل البيئة، نشأ ارتباطهم الوثيق بتربية الإبل ورعايتها والإكثار من أعدادها بالدوافع والأسباب ذاتها.

يسرّ أهل البادية مشاهدتها في مُراحها (مأواها) وهي مدعاة لفخرهم واعتزازهم. وفي حياة البادية تتوزع الأدوار، فالرجل قائد المسيرة وكان للمرأة دور في تربيتها كشريكة حياة فاعلة. توجد الإبل في حزام الصحراء وشبه الصحراء والسافانا خفيفة الأمطار، ولقدرتها على التأقلم أصبح وجودها مألوفاً في مناطق السافانا غزيرة الأمطار. وتصنّف الإبل في السودان عامة إلى أنواع رئيسة هي البشاري والعنافي كأفضل هجن الركوب، والرشايدي والعربي كإبل حمل. ويقع الكباشي ضمن أنواع الإبل العربي ويربيه عرب الكبابيش فى شمال كردفان، كما يُربّى بواسطة عرب الهواوير والكواهلة والشنابلة والمجانين والحمر. وللإبل عند الكبابيش مكانة يندر أن تجد لها نظيراً إلا في البادية بالجزيرة العربية، إذ يعتزون بامتلاكها ويمنحونها قدسية تعادل قدسية العرض عندهم، مما جعلهم يستسهلون الموت في الدفاع عنها أمام أي معتدٍ أو أذى أو ضرر يلمّ بها، فهم يصونونها كما يصونون عروضهم ويعتبرون التفريط في حمايتها من أكبر العيوب، يجلب العار والذم لمن يفعله، تهجوه الحسان بألسنة حِداد ويلفظه المجتمع، ومعظم أغاني الحماسة عندهم تمجّد أولئك الفرسان الذين تصدوا للدفاع عن إبلهم وتخليصها من الهمباتة (قطّاع الطرق) أو غيرهم ممن تسوّل لهم أنفسهم بأخذها عنوة أو سرقة.

اهتمام متجذر

وهذا الاهتمام المتجذر يعبّر عنه شعر الدوبيت (وهو ضرب من ضروب الشعر الشعبي المحلي لأهل البادية)، ملخّصاً ومختصراً العلاقة الحميمة بين الكباشي وما يمتلكه من قطعان الإبل، كما أنه يلخّص الدور والمهمة التي تؤديها الإبل له مما عزّز عنده ضرورة اقتنائها. وغالبية الأشعار تضيء كثيراً من المعاني المقصودة وتكشف القناع عن حالة تعلّق وهيام تجعل تربية وتملّك الإبل عند الكباشي تتعدى الجانب الاقتصادي كنشاط معيشي مرتبط بالربح والخسارة، إلى جانب اجتماعي معقد، يشكّل التفاخر والنظرة المجتمعية ذروة سنام هذا الاهتمام. 

وللإبل أنواع وسلالات اختصت بها كل بقعة توجد فيها، وفقاً للطقس والمناخ. والإبل الكباشية لها صفات وسمات حصرية، فهي على الرغم من أنها تعدّ لاحمة (غير تلك التي تصلح لمضمار السباق كما إبل قبائل البشاريين والبجة في شرق السودان)، فهي تصلح أكثر لحمل الأثقال وللذبيح والحليب، إلا أنها في معظمها صغيرة الحجم وقصيرة نوعاً ما، مقارنة ببعض الإبل ذات المراعي في نطاق السافانا الغنية، ويرجع ذلك إلى أن الإبل الكباشية ترتاد المراعي في مناخ صحراوي أو شبه صحراوي، درجت على التعود عليه والتأقلم معه بحسب قانون الانتخاب الطبيعي.

والكبابيش عادة لا يحبون بيع الإبل على الإطلاق أو إخراجها من ملكيتهم إلا للضرورة، بل يستهجنون من يفعل ذلك ويعتبرونه غير جدير بسعايتها، هم يربونها ويعتنون بها للتفاخر والادخار وجلب المكانة الاجتماعية، فإن كان الإبل هجيناً يسمونه "التلب" وإن كانت ناقة يسمونها "فاطر".

 ويوسم الكبابيش الإبل مثل كل أصحاب هذا النوع من الحيوانات بوضع علامات على مختلف أجزاء جسمه، بحسب ما ورثوه من أسلافهم. وجميع الكبابيش يختارون لذلك الجانب الأيمن من جسد البعير كنوع من التمييز وهم يستخدمون لهذا الغرض القوالب الحديدية المصهّدة بالنار على الطبقة العليا من جلد الإبل.

 

حكاية البادية

أوضح الكاتب الصحافي محمد المبروك أن "الإبل هي رواية البادية وفصولها وأبطالها، ولكل بادية إبل ذات مواصفات خاصة. وإبل بادية الكبابيش أنواع تسمّى بألوانها شقر ودبس، أما لغة الإبل فهي لغة خاصة يفهمها أهل البادية. وبطبيعة الحال، يفخرون بها وبكثرتها وجمالها ويتغنون بها وبالأماكن والفلوات الخصبة. وغناء البدو عن الإبل هو كتاب تاريخها، إذ لا حديث عن الإبل من دون التغني بمآثرها ومآثر رعاتها، كما يُنشد ويُحدى لها بأنغام تذهِب عنها مشقة الطريق، خصوصاً إذا كانت تسير لمسافات طويلة. ويعبّر الحداء أحياناً عن حالة الألم للفراق والنأي عن الديار".

وأضاف أن "للإبل أسماء صريحة وأحياناً كنايات، مثل الناقة والحنّانة والرزّامة وجاليقة وجقلة وشرمة ولباعة وأم زور. إلخ. أما رحلة الإبل نحو الأسواق البعيدة، إلى الخليج العربي أو مصر أو ليبيا، فتلك حكاية طويلة يؤرخ لها خبراء الجلب وهي (رحلة الإبل في الصحراء نحو الأسواق) بمثل ما أورده الشاعر ود قدال، وهو خبير في شؤون رحلات الإبل التجارية إذ قال "متين يا حالة الصحراء العلينا تزولى؟، وانفْس حاسبى ياروح لى جماعتك طولى، الخلا دايرلو ولداً ما بتمسكوا الهولى، سمتان كيف أخونا مُحُمَّد الجــَلــّولى".

وهو هنا ينقلنا إلى مسرح مكشوف على قطعان الإبل وهي تسير في الصحراء في طريقها نحو الأسواق الكبرى. ويقول إن سبيل الصحراء ممتد وطويل لا يزول، وعلى راعي الإبل أن يلزم الصبر مثل محمد الجلولي وهو رجل صلب لذا ضرب به المثل في الصلابة والقدرة على مجابهة الصحراء".

يوميات راعي الإبل

 وعن الحياة اليومية لرعاة لإبل، قال المبروك، "يصحو راعي الإبل مع الفجر (يسمّى بلغة البادية البيّاح) ويقوم بحلب النياق ويتزامن هذا مع إرضاع الحشي الصغيرة، ثم يجهز إفطاره وشاي الصباح ثم تطلق الإبل من العُقال، فتنتشر في المراعي والفلوات. وعند الأصيل، تبدأ رحلة العودة للمراح مرة أخرى. وقبل صلاة العشاء، تحلب النياق ومن حليبها يصنع العشاء الذي يكون عادة عصيدة أو فطير بحليب النياق. وإجمالاً، فإن حياة الإبل منذ لحظة ميلادها ثم حياتها طولاً وعرضاً في الفلوات ثم لحظة مغادرتها مجلوبة إلى الأسواق وعبورها الصحراء، تعدّ حياة كاملة لها ولأصحابها وهي حياة ثرية وفخمة على الرغم مما قد يترآى للبعيد بأنها حياة قاسية وجافة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"ومن جانب آخر هناك حكايات عدة عن غضب الإبل التي تنطوي على تقديرات معينة يعرفها الراعي وإبله، وأن غضبها لسوء المعاملة غير محمود العواقب، فتحفظها للراعي سنوات ثم تنتقم منه. وفي الوقت ذاته نجد أن الإبل وفية جداً لأصحابها وحين يموت سيّدها تحنّ حنيناً يقطع نياط القلوب، والحنين هو صوت الإبل حين تفقد حاشيّاً أو حين تفقد سيّدها".

سير القافلة

 في المقابل، ذكر الريح محمود، عضو صالون الإبداع والثقافة بحزب الأمة القومي، أن "الإبل تمتاز بمكانة كبيرة وخاصة في المجتمع الكباشي اجتماعياً واقتصادياً، وهي مصدر الدخل الأول إذ يسهم عائدها المادي في حلّ مشكلات القبيلة المالية من ديّات وغرامات أو زيارات المسؤولين في الدولة وإكرام الضيوف. ومن أسواق الكبابيش في المنطقة هي حمرة الشيخ وسودري وأم بادر وحمرة الوز والمزروب، وأبرز أسواقهم خارج كردفان هي أم درمان ودنقلا، أما خارج السودان فهي مصر وليبيا والخليج العربي. وطريقها إلى الخليج العربي قديماً كانت تستخدم كوسيلة لنقل الحجّاج، والآن تصدّر بصورة أساسية إلى هناك بحراً لأغراض عدة، جزءٌ قليل منها لسباق الهجن، إذ إن قليلاً من إبل الكبابيش يصلح لمضامير السباق، ويسمى هذا النوع ود المُراح، أما للسباق والمناسبة التي تتطلب نوعاً من السرعة وتحمّل المشاق، فإنهم يستعينون بالهجن التي يجلبونها من شرق السودان ويسمّونها الصهب. وتبدأ الرحلة من ديار الكبابيش برّاً في شكل قوافل إلى الخرطوم، حيث تشحن في القطار إلى بورتسودان، ثم بالبواخر إلى السعودية والإمارات".

أدوار مشتركة

  وأضاف الريح محمود، "يقوم جميع أهل البيت الكباشي بالتعاون على تربية الإبل، وهم في ذلك لا فرق بين الرجل والمرأة، إلا من حيث ما تفرضه ضرورة توزيع العمل، ففي أوقات الغيط وندرة المراعي، حين يضطر البدو للذهاب إلى الأماكن البعيدة التي يوجد بها المرعى الوافر، تكون مسؤولية الاهتمام بالقطيع على الرجال، أما غير ذلك في أوقات الدعة والظروف الطبيعية، فإن جميع الأسرة تكون في خدمة القطيع والاهتمام به. وعموماً كان دور المرأة في السابق أكبر من الآن في مشاركتها المباشرة للرجل في كل الأعمال من رعيّ وحلب وسقيا وأثناء الترحال إلى الجنوب صيفاً، وإلى الشمال في الشتاء حيث ينبت نبات الجزو دائم الخضرة. أما الآن فقد انحصر دور المرأة في صنع الطعام وتجهيز الزاد للرعاة، وصناعة بعض الأدوات المساعدة في ركوب البعير. وتعدّ الإبل من أفضل وأجمل ما ترتحل عليها النساء، إذ يوضع على ظهرها "الهودج" المغطى بالقماش من جميع الجهات. وفي تراث المنطقة ومناطق أخرى من السودان كانت تنقل فيه العروس إلى بيت زوجها مع أدوات منزلها الجديد من أمتعة وخيام وفرش وآنية وغيرها".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات