بعد فقدان قطعة أثرية مصرية "بالغة الأهمية" يُعتقد أن عمرها يزيد على 5000 عام، لأكثر من 70 عاماً، عُثر عليها داخل صندوق "سيجار" في جامعة أبردين في اسكتلندا. فخلال مراجعة القطع الخاصة بمجموعة آثار آسيا، لفت انتباه عبير العداني، الأمينة المساعدة في الجامعة، صندوق "سيجار" يحتوي على قطع صغيرة من الخشب التي يبدو أنها لا تنتمي إلى المجموعة.
وقامت العداني، المصرية الأصل التي عملت لـ10 سنوات في المتحف المصري في القاهرة، بمقارنة محتويات الصندوق مع السجلات الأخرى. وروت أنها بمجرد فحص التفاصيل في سجلات مصر في الجامعة عرفت "ما هي، وأنه تم إخفاؤها فعلياً على مرأى من الجميع في المجموعة الخطأ". وأضافت "أنا عالمة آثار وعملت في الحفريات في مصر، لكنني لم أتخيل أنه سيكون هنا في شمال شرقي اسكتلندا، حيث أجد شيئاً مهماً جداً لتراث بلدي".
آثار ديكسون
القطعة الخشبية التي تعد جزءاً من قطعة أكبر من خشب الأرز، هي واحدة من ثلاثة أجزاء عثر عليها المهندس واينمان ديكسون في غرفة الملكة في الهرم الأكبر عام 1872، داخل الهرم الأكبر– ضمن مجموعة تعرف باسم "آثار ديكسون".
وفي عام 1946، تبرعت ابنة جيمس غرانت، صديق ديكسون الذي درس الطب وقصد مصر في منتصف الستينيات من القرن التاسع عشر للمساعدة في مواجهة تفشي الكوليرا، بالقطعة الخشبية إلى الجامعة. ففي مصر تعرف غرانت على ديكسون وساعده في استكشاف الهرم الأكبر حيث اكتشفا الآثار معاً. وعثر الرجلان على قطعتين أثريتين أخريين داخل الهرم، وهما كرة وخطاف موجودان حالياً في المتحف البريطاني. وبحسب الجامعة، فإن ديكسون أخذ الكرة والخطاف، بينما أخذ غرانت قطعة الخشب التي اختفت لاحقاً بعد إهدائها إلى الجامعة.
وقالت العداني إن مجموعات آثار الجامعة ضخمة وتصل إلى مئات الآلاف من القطع، لذا فإن "البحث عنها كان بمثابة العثور على إبرة في كومة قش". وأضافت "لم أصدق ذلك عندما أدركت ما كان في داخل علبة السيجار هذه التي يبدو شكلها عادياً".
خشب الأرز
وقال نيل كورتيس، رئيس المتاحف والمجموعات الخاصة في جامعة أبردين، إن التأريخ الكربوني للخشب كان كشفاً كبيراً. وأشار إلى أنه "أقدم مما كنا نتخيله". ووفقاً للجامعة، كشفت نتائج الاختبارات التي أجريت على الشظايا أن الخشب ربما يعود إلى الفترة بين عامي 3341 و3094 قبل الميلاد، أي قبل 500 عام تقريباً مما هو مذكور في السجلات التاريخية التي تعيد تاريخ الهرم الأكبر إلى عهد الفرعون خوفو بين عامي 2580 و2560 قبل الميلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال كورتيس إن التاريخ ربما مرتبط بعمر الخشب الذي قد يكون من شجرة معمرة، أو ربما يعود الأمر إلى ندرة الأشجار في مصر القديمة. وهو ما جعل الخشب شحيحاً وثميناً. لكن، في أي حال، تعتقد الجامعة أن هذا الكشف يدعم الفكرة القائلة إن آثار ديكسون - بغض النظر عن استخدامها - كانت أصلية في عملية بناء الهرم الأكبر وليست مجرد قطع أثرية تركها أولئك الذين سعوا لاستكشاف الغرف.
وأشار رئيس متاحف أبردين إلى أن "الأمر الآن متروك للعلماء لمناقشة استخدامه (خشب الأرز) وإذا ما كان قد تم وضعه عمداً، كما حدث لاحقاً خلال عصر الدولة الحديثة، عندما حاول الفراعنة تأكيد استمرارية الماضي من خلال دفن الآثار معهم".
وهناك نظريات مختلفة في شأن الغرض من قطعة الخشب. ويعتقد باحثون أنها جزء من أداة قياس أكبر وربما توفر أدلة حول كيفية بناء الأهرامات.
حجر هرم خوفو
وقطعة خشب الأرز ليست الوحيدة من مقتنيات الهرم الأكبر التي تستحوذ عليها متاحف اسكتلندا. ففي يناير (كانون الثاني) 2019، كاد أن ينشب خلاف دبلوماسي بين القاهرة وأدنبرة بعدما كشفت الأخيرة عن عرض حجر جيري من الهرم الأكبر "خوفو" في معرض خاص يستضيفه المتحف الوطني لاسكتلندا في مناسبة الذكرى المئوية الثانية لولادة العالم الإيطالي تشارلز بيازي سميث، الذي رتب عملية نقل الحجر إلى المملكة المتحدة قبل نقله إلي العاصمة الاسكتلندية عام 1872.
وأعربت الحكومة المصرية عن اعتقادها أن الحجر ربما تم تهريبه بشكل غير قانوني إلى المملكة المتحدة. وبحسب تقارير صحافية وقتها، اتصل مسؤولون في السفارة المصرية بالمتحف الوطني الاسكتلندي في أدنبرة للمطالبة بإثبات أنه يملك القطعة الأثرية النادرة بشكل قانوني.
الحجر الجيري الأبيض الضخم هو واحد من عدد قليل من أحجار الغلاف المتبقية من الهرم الأكبر للملك خوفو. شكلت الحجارة الجيرية السطح الخارجي للأهرام. أما اليوم، فكل ما يظهر من الهرم هو الطبقة المتدرجة أسفل الطبقة الملساء. ففي عام 1300 تراخت كميات كبيرة من حجارة الغلاف الخارجي نتيجة زلزال عنيف، ليتم بعدها استخراج تلك الحجارة واستخدامها في بناء الحصون والمساجد في القاهرة.
وأجرى تشارلز بيازي سميث، وهو عالم فلك، وزوجته جيسي، أول مسح دقيق للهرم الأكبر عام 1865 وعرضا القطعة التي نقلوها من طره، أولاً إلى منزلهم في أدنبره.