مثـّـل قرار الرئيس الأميركي ترمب بتسمية فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني منظمة إرهابية، أحدث حلقات سلسة الضغط لأقصى درجة في مواجهة النظام الإيراني. ويعد القرار المرة الأولى التي تحدد فيها الولايات المتحدة كياناً حكومياً أجنبياً كمنظمة إرهابية.
أهمية ورمزية القرار الأميركي، حتى وإن كانت سياسية، تنبع من طبيعة الحرس الثوري، الذي أنشئ بعد الثورة الإيرانية مباشرة، لحماية النظام الوليد. وقد حددت المادة (150) من الدستور الإيراني واجبات الحرس الثوري بأنها حراسة الثورة ومنجزاتها، ويعد الأكثر تأثيراً سياسياً عن الجيش النظامي. ويعد المرشد الأعلى الإيراني هو القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني ويـُـعيّن قائده، مما يبسط سلطته على قيادة الحرس الثوري لتقييد أي محاولات للتصرف وفق أجندة تختلف عن توجهات المرشد الأعلى. ويرجع تعاظم نفوذ الحرس الثورى سياسياً لاعتماد النظام عليه لقمع المعارضة منذ بدايات تأسيس النظام الإيراني. وقد تطور دور الحرس الثوري الإسلامي (IRGC) إلى ما هو أبعد من دوره الأصلي كحارس أيديولوجي للنظام الثوري الوليد، فحضوره قوي في النظام السياسي الإيراني الفصائلي، فبشكل عام يؤيد التيار المتشدد، كما يأتي العديد من الشخصيات البارزة من بين صفوفه. وقد امتد نفوذ الحرس الثوري في مجال السياسة الخارجية من خلال قوة القدس، حيث يقوم بممارسة التأثير في جميع أنحاء المنطقة من خلال دعم الحركات والقيادات المؤيدة لإيران، فقد درّب الكثير من الميليشيات في الدول العربية كالعراق واليمن. وسيلعب دوراً حاسماً في عملية اختيار خليفة المرشد الإيراني الحالي. كما أنه مسؤول عن الصواريخ الباليستية الإيرانية والبرامج النووية. فضلاً عن سيطرته على قطاعات كبيرة من الاقتصاد الإيراني، في مجالات البناء، والكهرباء، والهندسة، والاتصالات السلكية واللاسلكية والإعلام، ويرتبط العديد من الشركات الكبيرة بأفراد في الحرس أو يديرها أعضاء سابقون.
ولا تعد تلك المرة الأولى التى يكون فيها الحرس الثوري في بؤرة العقوبات الدولية، لكن كان من قبل يتم فرض العقوبات على الأفراد والوحدات داخل الحرس الثوري الإيراني المسؤولين عن النشاط الذي يتعارض مع القانون الدولي، وقد أدرجت الولايات المتحدة بالفعل عشرات الكيانات والأشخاص في القائمة السوداء للارتباط بالحرس الثوري الإيراني. لكن هذه المرة الأولى التى يتم فيها تسمية الكيان العسكري الرسمى كله. ففى 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، أعلن ترمب عن إستراتيجيته لإيران، معلنا أنه سيتم فرض عقوبات قاسية على الحرس الثوري الإيراني، كما سمح الرئيس لوزارة الخزانة بمزيد من العقوبات على "الحرس الثوري الإيراني" بأكمله "لدعمه للإرهاب". وفى 21 مايو (أيار) 2018، أعلن بومبيو الشروط الـ12 بشأن إيران. وكان أحدها أنه يجب على إيران أن تنهي دعم قوة القدس التابعة للحرس الثوري للإرهابيين والأطراف المتشددين في جميع أنحاء العالم.
وقبل ساعات من قيام الولايات المتحدة بإعلان قرارها، أثارت المخاوف من تجدد الضغوط الاقتصادية انخفاضاً جديداً في قيمة العملة الوطنية الإيرانية. في غضون 24 ساعة، فقد الريال حوالي 7.5% من قيمته. تحوم حول 145000 ريال مقابل الدولار الأميركي؛ أي أن القرار وضع القليل من الضغوط الاقتصادية الجديدة على إيران.
كما أن القرار يجعل التعامل مع الحرس الثوري جريمة فيدرالية يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 20 عاماً لأي شخص أميركي قام بتوفير الدعم المادي للحرس الثوري الإيراني. ومن ثم فأي تعامل مع الحرس الثوري الإيرانى ينطوي على مخاطر واتهام بتمويل الإرهاب. ونظراً لأن العديد من الشركات مرتبط بـالحرس الثوري، ويُعتقد أن له علاقات مع شركات تقوم بأعمال تزيد قيمتها على 20 مليار دولار سنوياً. وفقاً لتقديرات مجموعات الأبحاث البريطانية والأميركية فإن العقوبات قد تمس العديد من الشركات خارج إيران.
لكن التأثير الأقوى للقرار سيكون على الدول الإقليمية التى لها علاقات جيدة بإيران، كالعراق، فتزيد التعقيدات على السياسة الخارجية العراقية التي تحاول أن تموضع نفسها باعتبار أنها قوة موازنة بين إيران والولايات المتحدة وإيران ودول المنطقة. فكيف سيتعامل العراق مع القرار الأميركي ولديه من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران؟ من جهة أخرى هناك الاعتماد العراقي على إمدادات الطاقة والتجارة والمساعدات الأمنية.
وتظهر ردود الفعل الإيرانية تجاه القرار، أنه ساعد في توحيد الجبهة الداخلية بإيران حتى لو مؤقتاً. لاسيما أن الفترة الماضية شهدت توترات عدة بين القوى الداخلية، والتي كان آخرها تبادل الاتهامات بشأن التعامل مع كارثة الفيضانات الأخيرة بين الحكومة والقوات البرية في الحرس الثوري. وقد وقّع مائتان وخمسة وخمسون عضواً في البرلمان الإيراني بياناً دعماً للحرس الثوري الإيراني، كما هدد قائد الحرس الثوري الإيراني الولايات المتحدة بأنه لن ينعم الجيش وقوات الأمن الأميركية في غرب آسيا بالهدوء اليوم، "وأن إيران ستقوم باتخاذ تدابير مضادة مماثلة. كما أدان إبراهيم الريسي، رئيس القضاء وأحد من يتداول اسمهم لخلافة خامنئي، القرار الأميركي، وطلب من وزارة الخارجية والمجلس الأعلى للأمن القومي الرد بتدابير مماثلة. واتهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف نتانياهو بأنه من دفع ترمب إلى القرار، وأنهم يسعون لجر الولايات المتحدة لمستنقع بالمنطقة. كما وصف الرئيس المعتدل حسن روحاني الحرس الثوري الإيراني بأنه "المدافع عن الحرية والأمن في المنطقة".
وقد أدانت إيران القرار وأعلنت عن تدابير متبادلة، من بينها أن اعتبر مجلس الأمن القومي الأعلى في إيران القيادة المركزية الأميركية وجميع القوات المرتبطة بها ككيان إرهابي، أي أن جميع قوات الجيش والأمن والاستخبارات الأميركية العاملة في غرب آسيا وجميع الأشخاص الحقيقيين والاعتباريين الذين يمثلونهم في منطقة غرب آسيا سيُعلن أنهم إرهابيون".
فى النهاية يمكن القول أن قرار تصنيف الحرس الثوري الإرهابي قرارٌ سياسيٌّ ورمزيٌّ، لممارسة ما يكفي من الضغط الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري لإجبار النظام الإيراني على الاستسلام للمطالب الأميركية أو الانهيار. لكن انعكاساته ستكون على توحيد الجبهة الداخلية بإيران، وبعض التعقيدات بالنسبة للعراق، فضلاً عن عدم وضوح كيفية إمكانية التعاون مستقبلاً بين الولايات المتحدة وإيران أو الحرس الثوري في بعض المناطق على غرار التعاون الأمني أثناء إدارة بوش في أفغانستان وغيرها، أو سماح أوباما لإيران بمحاربة داعش في العراق.