Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الوجه القبيح" رواية فيكتور هوغو في حي شعبي بالقاهرة

تجارب مسرحية مفتوحة أمام الفنانين الشباب في المدن والقرى

من العرض المسرحي المصري "الوجه القبيح" (الخدمة الإعلامية للفرقة)

"نوادي المسرح" واحدة من التجارب المهمة في المسرح المصري، إذ تقوم على الهواة من الشباب في مدن وأحياء وقرى مصر، وتعتمد على ميزانيات بسيطة لا تتجاوز ما يوازي مئة وخمسين دولاراً أميركياً لكل عرض. وعلى الرغم من ذلك تقدم عروضاً ملفتة، وتفصح عن مواهب إخراجية وتمثيلية يُستعان بها بعد ذلك في العروض الاحترافية، فهي بمثابة "مفرخة" للمسرح المصري تعمل على تجديد شبابه دائماً.

التجربة تبنتها الهيئة العامة لقصور الثقافة (مؤسسة رسمية تابعة لوزارة الثقافة المصرية)، وتقدم كل عام نحو ثلاثمئة عرض مسرحي، تتيح الفرصة لمجموعة كبيرة من الشباب هواة المسرح، للتجريب واكتساب الخبرات واكتشاف المواهب وصقلها. فالعروض في أغلبها تميل أكثر إلى التجريب والمغامرة، والقائمون عليها يوفرون قدراً كبيراً من الحرية لممارسيها من دون اشتراطات بعينها، تقف حائلاً أمام أفكارهم الطازجة التي تحاول شق طريق يخصها بعيداً عن أي حسابات تتعلق بمكسب أو خسارة. فحتى في حال فشلت التجربة، فإن شرف المحاولة هو ما يبقى لصناعها، خصوصاً أن الفرص أمامهم متاحة دائماً، فمن يفشل في تقديم عرض تتوافر فيه الحدود الدنيا من الجودة، يمكنه أن يعيد الكرة مرة واثنتين وعشراً. ويقول أحدهم، إن "هؤلاء الممثلين والمخرجين حتى في حال فشلهم تماماً في الالتحاق بقافلة صناع المسرح، فإننا سنكسبهم على الأقل كجمهور للمسرح".

 فريق نادي مسرح "مدينة السلام" (واحد من أحياء القاهرة الشعبية) قدم عرضاً على مسرح المركز الثقافي بالجيزة بعنوان "الوجه القبيح" عن رواية "أحدب نوتردام" للفرنسي فيكتور هوغو (أعده وأخرجه إسلام محمد سعيد).

لم يلتزم الإعداد بمجريات الرواية بشكل صارم، وإن حافظ على الرؤية التي حاول هوغو إيصالها، تفاصيل كثيرة وتفريعات عدة تحفل بها الرواية، كان على المخرج تكثيفها والتقاط جوهرها الأساسي الذي يخدم عرضه من دون تشويه للأصل.

دفء إنساني

كوازيمودو الأحدب مشوه الوجه مجهول النسب، قارع الأجراس في كاتدرائية نوتردام، المنعزل عن العالم بسبب عاهته، عندما يخرج في عيد المهرجين وينصب ملكاً للمهرجين استناداً إلى هيئته ويتعرض لقسوة وسخرية المجتمع، لا أحد يحتويه سوى إزميرالدا الراقصة الغجرية الفاتنة التي يتصارع الجميع للفوز بها، ولأول مرة يشعر بالدفء الإنساني ويتحرك قلبه تجاهها. وهي أيضاً تكتشف فيه جمالاً إنسانياً خلف هذه الهيئة القبيحة وتميل إليه، عندما استشعرت أنه الوحيد من بين المتصارعين عليها الذي لا يشتهي جسدها بقدر ما يبحث بداخلها عن الدفء الإنساني الذي يفتقده وسط عالم قاس لا يرحم.

جسدان متناقضان في كل شيء، لكنهما يأتلفان كتأكيد على بعد فلسفي، فالتنافر البيّن بينهما لا يحول دون التواصل الروحي، والهيئة الخارجية ليست الفيصل ولا المقياس للجمال. الجمال يكمن في الداخل، وحتى إزميرالدا التي يتصارع الجميع عليها، تميل بحسها الأنثوي إلى صاحب الوجه القبيح الذي اكتشفت جماله الداخلي وترفض بيع جسدها لآخرين أكثر جمالاً وسلطة ومالاً، لأنهم لا يشتهون سوى الجسد، ولا يخاطبون فيها الروح التي استطاع الأحدب أن يمسها. ويحدث أن يقتل القائد "فرولو" الراقصة "إزميرالدا" عندما ترفض أن تكون عشيقة له وتميل إلى الأحدب، ويُتهم كوازيمودو بقتلها بتدبير من فرولو، وممثل الادعاء بالكنيسة.

نهاية مفتوحة

لا يغلق العرض على إدانة كوازيمودو أو تبرئته، وإن كانت كل السياقات تؤكد براءته، لكن المخرج ترك النهاية مفتوحة للاحتمالات، واكتفى بأغنية كنسية مؤثرة وشجية، أنهى بها عرضه "المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور". العرض الذي بدأ بمشهد محاكمة الأحدب "كوازيمودو" داخل كاتدرائية نوتردام، استغنى عن كثير من أحداث الرواية وشخصياتها، ولم يحفل بأصل الأحدب أو "إزميرالدا" الراقصة التي فتنت الجميع، وأضاف من عنده بعض الأحداث التي لم ترد في الرواية، لكن ذلك كله مقبول خصوصاً أنه لم يخل بالرؤية الكلية للعمل الأصلي.

انطلق المخرج من مشهد محاكمة الأحدب متهماً بقتل الراقصة، وجعله أساساً لعرضه، ومنه تنطلق الأحداث عن طريق "الفلاش باك" وتعود إليه مجدداً. واستخدم ما يشبه المونتاج السينمائي في ترتيب أو ربط المشاهد وتسليم كل منها للآخر في سهولة ويسر، من دون أي فجوات يمكنها التشويش على المشاهدين الذين أحاطوا بمنطقة التمثيل. فالعرض قدم للجمهور فوق خشبة المسرح، مما أتاح نوعاً من تماهي الجمهور معه وكأنه جزء أصيل منه، ومشارك في أحداثه ومتفاعل معها.

قسم المخرج الخشبة إلى ثلاث مناطق، الأولى، يمين الخشبة تمثل الكاتدرائية. والثانية، في مواجهتها يسار الخشبة، بيت إزميرالدا. أما الثالثة، في المنتصف فهي الساحة أمام الكاتدرائية التي شهدت الاحتفال بعيد المهرجين وتنصيب الأحدب ملكاً لهم.

في مشهد عيد المهرجين اكتفى المخرج بدراما حركية تظهر مجموعة من الراقصين المقنعين الذين يلتفون حول الأحدب، ويفاجأون أن وجهه قبيح وأنه غير مقنع مثلهم، ومن هنا تبدأ السخرية والقسوة وعملية النبذ حتى تظهر إزميرالدا وتعطف عليه من دون الجميع وتبدأ قصة حبه لها، ليكون الوحيد الذي يشتهي قلبها وليس جسدها.

نجح المخرج بشكل لافت في استخدام تقنيات السينما، وخصوصاً المونتاج، مما سهل له عملية القطع والانتقال من مشهد إلى آخر، ثم العودة مجدداً إلى نفس المشهد، وذلك كله في سلاسة ويسر، نقلات لم تكن فجائية أو مربكة، لعبت الإضاءة فيها دوراً مهماً، وتطلبت مهارة خاصة للانتقال من هنا إلى هناك من دون تشتيت للجمهور الذي يحيط بالعرض ويمكن لأي هفوة إرباكه وإخراجه من الحالة التي وضعه بها المخرج.

جمال خاص

ديكورات العرض، التي جمعت بين الواقعي والرمزي، صُممت من خامات رخيصة وغير مكلفة، لكن المصمم كريم خالد أضفى عليها جمالاً خاصاً من خلال الإضاءة التي صممها هو أيضاً، ولم يرهق نفسه بكتل كبيرة ترفع من التكلفة المادية أو تعيق حركة الممثلين، وكانت عنصراً فاعلاً في العرض متوخياً البساطة والاقتصاد قدر الإمكان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في العرض مشاهد تعبير حركي (صممها أحمد محمد إسماعيل) اختزلت هي الأخرى مساحات كبيرة من الدراما وابتعدت عن المجانية أو كونها مجلوبة كحلية داخل العرض.

في مثل هذه العروض التي يؤديها ممثلون من "أبناء الحي" هواة المسرح، ربما تتفاوت قدرات الممثلين وتحدث بعض المشكلات البسيطة. لكن المخرج الذي يبدو أنه أجرى كثيراً من التدريبات، بدا مسيطراً على فريق عمله موجهاً كل منهم إلى "سكة الأداء" التي تناسب طبيعة دوره، واستطاع الوصول بهم إلى الحد المعقول من التناغم، ليشكلوا معاً فريقاً جيداً، خصوصاً أنهم أمام عمل قدم كثيراً في السينما والمسرح، أي أن المقارنة تكون حاضرة دائماً في ذهن المشاهد المتمرس.

شارك في التمثيل بالعرض "إبراهيم أحمد علي، وعمر حسين مراد، وعبدالله خالد محمد، وأحمد سمير أحمد، ودنيا حجاب، ونعمة طلعت، وشروق إبراهيم، وعلي سعيد، وجنة حجاب، وغناء مختار سعيد، وإعداد موسيقي علاء الدين قطب".

أن تقدم عرضاً مسرحياً عن رواية شهيرة، وما يتطلبه ذلك من إمكانات مادية وفنية كبيرة، في حين أن إمكانياتك المادية محدودة للغاية، ولديك بعض وليس كل العناصر الفنية الجيدة. وتنجح في جعله منضبطاً وأشبه بالطلقة السريعة المصوبة نحو هدفها بدقة، وتستطيع التواصل مع جمهور بسيط في حي شعبي ربما لم يدخل أغلب مواطنيه المسرح من قبل، فهذا في حد ذاته أمر جيد يحسب للتجربة، ويشير إلى أهمية مشروع "نوادي المسرح"، وضرورتها لجعل المسرح على أجندة البسطاء من الناس، خصوصاً أن مشاهدة هذه العروض متاحة بالمجان.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة