استمرار المعارك على ابواب العاصمة الليبية طرابلس بين قوات الجيش الوطني الليبي والميليشيات المتمركزة فيها، والمخاوف من تمدد رقعة الصراع المسلح وتوسعه لمناطق تقترب اكثر من الحدود مع تونس، دفع بالرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لبدء اتصالات وجهود مع الأطراف الليبية ومع دول الجوار واطراف اقليمية خصوصاً دول جنوب أوروبا لمحاولة إيجاد صيغة تضمن وقف إطلاق النار بدرجة اولى، ومن ثم بدء محادثات تمهد للعودة للحوار بين الأطراف المتنازعة وأساساً بين رئيس حكومة الوفاق الوطني في طرابلس فائز السراج والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي.
تحرك الرئيس التونسي جاء بعد وضوح انعدام امكانية وقف الحرب وتأجيل موعد اللقاء الوطني الجامع الذي كانت الأمم المتحدة دعت إلى عقده في مدينة غدامس 15 من أبريل (نيسان) الجاري، والذي أعلن غسان سلامة الممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا تأجيله لموعد لم يحدد بعد.
اتصالات وتحركات دبلوماسية متسارعة
اتصالات أجراها الرئيس الباجي قائد السبسي مع رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج ومع الممثل الخاص للأمم المتحدة الموجود في طرابلس لبحث الأوضاع والسعي لإيجاد أرضية تقود لوقف الاعمال العسكرية بدرجة أولى، وتهدف لحماية ارواح المدنيين ومنع مزيد من التدهور في الميدان الذي قد يقود لتوسع الصراع وانتقاله لمناطق أخرى ما يزيد في خطورة الأزمة.
وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي سافر الى نيويورك لدعم ترشيح تونس لنيل مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي للدورة المقبلة، وسيستغل هذه الزيارة لبحث سبل تفعيل وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة واعادة إطلاق الحوار الذي رعته الأمم المتحدة، وكان مقرراً عقده الأسبوع المقبل في مدينة غدامس الليبية، والذي دعمته الدبلوماسية التونسية بشكل فاعل في كل مراحل اعداده، وكانت تونس مقراً لكل الحوارات التي جرت بين الاطراف الليبية برعاية اممية لإنجاحه.
قلق من مخاطر استمرار الحرب
المخاوف التونسية المبررة من تواصل المعارك واتساع رقعتها الجغرافية يعيد لأذهان التونسيين المرحلة التي تلت سقوط النظام الليبي ومرحلة الفوضى التي شهدتها في تلك المرحلة، وما نتج عنها من مشاكل بسبب الانفلات الذي شهدته المناطق الحدودية في وجه المتطرفين والجماعات الارهابية من البلدين.
مصدر رسمي مسؤول من رئاسة الجمهورية التونسية تحفظ عن ذكر اسمه قال لـ "اندبندنت عربية" إن موقف تونس المبدئي هو ان لا حل عسكرياً للازمة الليبية، وأن الأزمة تحل في اطار التفاوض والحوار السياسي بين كل الاطراف من دون اقصاء باستثناء الجماعات المتورطة في الارهاب
تونس ودعم الخطة الأممية
أضاف ان تونس تدعم الجهود والخطة الاممية لحل الأزمة التي يقوم بها سلامة لأنها تنسجم مع مبادرة رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي التي دعا فيها إلى الحوار بين كل الطراف الليبية من اجل السعي لحل الأزمة من دون تدخل في الشأن الداخلي أو تفاصيله.
وتابع ان هذا الموقف التونسي الثابت، امام تطورات الاحداث الاخيرة، فإن تونس تطالب بوقف فوري لكل الاعمال العسكرية، ودعوة جميع الاطراف للعودة لاستئناف الحوار من دون شروط مسبقة، وبحسب الخطة الأممية ووقف القتال بين ابناء الشعب الليبي الواحد، حقناً للدماء وحفاظاً على مقدرات الشعب الليبي وعدم تدمير ما تبقى على الأرض بعد سنوات طويلة من الدمار والحرب.
لا أجندة في ليبيا
واوضح أن الرئيس الباجي قايد السبسي قالها بوضوح، ومنذ استلامه السلطة بعد انتخابات 2014 أن تونس ليس لها أجندة في ليبيا، ولم تتدخل في الشأن الليبي، واستقبلت كل الاطراف الليبية، وفي هذا الاطار، لا يستبعد، لو كانت هناك رغبة ليبية صادقة بالحوار، أن تكون تونس وعبر دبلوماسيتها الهادئة أرضاً للقاء، يجمع كل الأطراف الليبية، إذ إن أبواب تونس مفتوحة وستقدم كل ما تملك لإنجاح كل الجهود للحوار للتوصل لوقف اطلاق النار وعودة الحوار بين الاشقاء.
الدبلوماسية التونسية الهادئة
وفي ظل عملية الاصطفاف وتقاسم الدعم لكلا الطرفين من القوى الاقليمية والدولية، بقي الموقف السياسي التونسي محافظاً على توازن نادر بعدم التدخل في الشؤون الداخلية الليبية، على الرغم من التشابك في المصالح والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية التي تربط بين الشعبين والبلدين، وهذا يمكّن تونس القيام بدور مهم في وقف الصراع بين الاطراف المتحاربة.
الاعلامي كمال بن يونس قال إن موقف تونس وقدرتها على التدخل والسعي لوقف الحرب والعودة للمفاوضات بين الاشقاء الليبيين تتراوح بين نعم ولا، لأن الاطراف الرئيسية الممولة التي تدعم الطرفين المتنازعين بالمال والسلاح، تونس ليست بينها، بينما لها نقطة قوة رئيسية تمكنها من لعب دور ديبلوماسي كبير، وهو أن 80 في المائة من الليبيين يقيمون في المنطقة الغربية المحاذية لتونس والتي هي رئتهم الرئيسية في كل المجالات الحياتية.
أوراق ضغط "ناعمة"
أضاف بن يونس أن الجميع ما زال يذكر، وخلال الأزمة التي عصفت بليبيا منذ سنة 2012 وحتى 2014، فإن أكثر من ثلث عدد المواطنين الليبيين نزحوا الى تونس، وهي الدولة الوحيدة التي لم تفرض تأشيرة دخول لأراضيها عليهم،إنما كانت ملجأ كل الاطراف منذ بداية الازمه، وهذا يعطيها اوراق ضغط "ناعمة" اذا عرفت توظيفها، ودفع الاطراف الليبية للجلوس على مائدة المفاوضات .
وفي انتظار ما ستفرزه الايام المقبلة من تطورات ميدانية في ظل تقدم الجيش الوطني الليبي وتحقيقه تقدماً ملموساً على كل الجبهات، يزداد مستوى القلق السياسي والأمني في تونس من توسع رقعة المعارك وانتقالها إلى مناطق قريبة من الحدود، في موازاة مخاطر عمليات نزوح جماعية كبيرة وتهديدات قد تكون خطيرة من عناصر وجماعات إرهابية تتواجد في هذه المناطق.