نجح فريق من الباحثين من جامعة "بون" الألمانية بالتعاون مع وزارة الآثار المصرية، في فك رموز أربعة حروف هيروغليفية منحوتة منذ أكثر من خمسة آلاف سنة على حجر كبير كتب عليه ما معناه "نطاق حورس الملك العقرب"، بحسب ما نشر على موقع الجامعة، ويعتقد أنها تمثل أقدم علامة (لوحة تعريفية) تدل على اسم مكان في التاريخ.
وبحسب العلماء، فإن ما يجعل هذا الاكتشاف مذهلاً هو الرمز الدائري الموجود أعلى يمين الحجر، الذي يشير إلى أن الصخرة كانت علامة على منطقة الحاكم. النقش الصخري اكتُشف في منطقة وادي أبو صبيرة في شرق أسوان جنوب مصر.
وقد كشف عالم المصريات لودفيغ مورينز من جامعة "بون" أن هذا الحاكم المسمّى "العقرب" كان شخصية بارزة في مرحلة ظهور أول دولة إقليمية في تاريخ العالم، غير أن الفريق لم يحدد بعد تواريخ دقيقة تخص فترة حكمه والمدة التي قضاها في الحكم.
ويلاحظ علماء الآثار أن مثل هذه الكتابات كانت غير مألوفة لمن يعيشون في الألفية الرابعة قبل الميلاد، خصوصاً أنها كانت في منطقة تعتبر نائية، لكنها تسلّط الضوء على امتداد الدولة المصرية في هذه المرحلة، فهناك القليل من المصادر حول الأوضاع السياسية والاجتماعية التي عاش في ظلها الناس خلال هذه الفترة، وهذا هو سبب أهمية الاكتشاف الجديد لهذه النقوش الصخرية. فيرى الباحثون أن هذه فرصة لإلقاء نظرة فاحصة على ظهور أول دولة في العالم، بما تشمله من توسيع وتأمين السيادة على أطراف وادي النيل وتوطيد الملكية في المنطقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الملك "العقرب"
كيف كان شكل الكتابة في هذه المرحلة؟ وهل تختلف عن عصور لاحقة في التاريخ المصري القديم؟ ومن يكون الملك "العقرب"؟ ولماذا سُمّي بهذا الاسم؟ يجيب عن هذه الأسئلة خالد غريب، أستاذ الآثار المصرية في جامعة القاهرة، قائلاً "الكتابة في هذه المرحلة تمثل الأبجدية المصرية القديمة في بداياتها، التي بالطبع تطورت مع الزمن. ففي هذا العصر القديم الذي يُطلق علية العلماء عصر ما قبيل الأسر، كان الاعتماد بشكل أساسي على الإشارات والرموز كشكل مبكر من أشكال الكتابة، قبل أن تأخذ طابعها المعروف في العصور اللاحقة".
ويضيف "العقرب هو رمز للملك وليس اسمه الحقيقي الذي لم يتم اكتشافه، فالملوك الأوائل كانوا يمثَّلون برموز، ولا يقتصر هذا الأمر على حضارة مصر القديمة وحدها، فالعقرب هو رمز ملكي لهذا الملك، ولهذا استخدم عند الإشارة إلى منطقة من المفترض أنها تقع في نطاق حكمه. والعقرب هو رمز معروف في مصر القديمة، إذ مثّل في مراحل لاحقة إحدى الربات الحاميات للميت التي كانت تسمّى الآلهة سرقت".
استخدام المصري القديم للافتات
وإذا كان الاكتشاف الأخير يعرّف إلى أقدم علامة تمثل مكاناً في العالم، فهل اعتاد المصري القديم استخدام ما يمكن أن نطلق عليه الآن اللافتات؟ وهل كان من الشائع وضع إشارات أو علامات تدل على مكان أو ترمز إليه؟ وهل الإشارة للإله حورس تحديداً لها دلالة معينة؟ في هذا الشأن، يوضح غريب "المصري القديم اعتاد أن يحدد الأماكن ويرمز إليها بمثل هذه النقوش، وواجهات المعابد فيها فتحات كان الغرض منها وضع ساريات الأعلام التي تحمل رموز الأقاليم. فكل إقليم كان له رمز خاص به يميّزه عن غيره، فمثلاً منطقة دندرة حيث كان يعبد الآلهة حتحور، كان يوضع على العلم رمز التمساح، وهكذا بالنسبة إلى كل الأقاليم المصرية".
ويضيف "حورس هو رمز للملكية في مصر القديمة فهو يساوي الملك، وهو مرتبط بالأسطورة الشهيرة الخاصة بأيزيس وأوزوريس. فحورس هو ابن أيزيس وأوزوريس وله أشكال كثيرة في الحضارة المصرية القديمة، مثل حورس الطفل وحورس المنتقم لأبيه، وأقدم لقب وجد على الآثار المصرية القديمة كان مرتبط بحورس".
أهمية الاكتشاف الأثري
وحول قيمة مثل هذا الاكتشاف الأثري، الذي يعود إلى عصور لم تكن الكتابة والتدوين فيها قد اتخذا شكلهما المعتاد عند المصري القديم، وكيف يفيد في دراسة التاريخ بشكل عام، يقول غريب "مرحلة ما قبل الكتابة الصريحة هي من أهم المراحل في التاريخ، وميزة البحث في هذه الحقبة هي أنها تفتح المجال لدراسة الإنسان في هذه العصور، فمثل هذه الاكتشافات الأثرية يمكن أن تغيّر المفاهيم وتعيد كتابة التاريخ".
ويتابع "الاكتشافات الأثرية التي تعود إلى مثل هذه الحقبة تفتح باباً كبيراً للخيال عن طبيعة حياة الناس في هذا العصر، كما تسهم في فك رموز الإشارات والعلامات التي تأتي إلينا من خلال هذه الاكتشافات، للوصول إلى معلومات يمكن الاستناد إليها للتعرف إلى طبيعة هذا المرحلة على مستويات عدة، ما يشكل أهمية كبيرة وتحدٍّ للعلماء".