Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تراجع أم حذر: كيف يفهم الموقف المصري من الحرب في إثيوبيا؟

5 أسابيع بلا تعليق رسمي من القاهرة ومصدر: نلتزم مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول

أعلن رئيس الوزراء الإثبوبي انتهاء عمليات القتال أواخر شهر نوفمبر لكن الأمم المتحدة تقول المعارك مستمرة على الأرض (أ ف ب)

مع مرور نحو 5 أسابيع على المعارك العسكرية بين قوات الحكومة الفيدرالية الإثيوبية، وجبهة تحرير شعب "تيغراي"، شمال البلاد، لا تزال القاهرة تلتزم الصمت رسمياً إزاء تصاعد التطورات، على الرغم من "محورية واستراتيجية" قضية الأولى بالنسبة للأخيرة، لا سيما فيما يتعلق بملف سد النهضة المثير للخلاف بين البلدين.

وعلى مدار أيام "الصراع الإثيوبية" المستمرة، لم يصدر المسؤولون المصريون أي مواقف "علانية"، سواء بالدعوة للتهدئة، أو دعم مواقف أحد الأطراف، أو حتى عرض الوساطة، باعتبار عضويتها في مجلس السلم والأمن الأفريقي، ووجودها ضمن مجلس الترويكا للاتحاد (يضم الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي جنوب أفريقيا، والرئيس السابق مصر، والقادم الكونغو الديمقراطية)، ما يثير التكهنات في شأن الموقف المصري الرسمي، في وقت تترقب فيه الأوساط غير الرسمية تطورات الصراع الداخلي في إثيوبيا واحتمالات خروجه عن السيطرة وتمدده إلى منطقة القرن الأفريقي المضطرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشهد إثيوبيا معارك عسكرية بين قوات الحكومة الفيدرالية برئاسة رئيس الوزراء آبي أحمد الحائز جائزة نوبل للسلام العام الماضي، وقوات "تيغراي" منذ الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بهدف معلن، وفق أديس أبابا هو إطاحة الحزب الحاكم في منطقة "تيغراي"، وهو جبهة تحرير شعب "تيغراي"، الذي اتهمته السلطات بتحدي حكومتها والسعي لإسقاطها وهو ما نفته سلطات الإقليم. ووسط صعوبة التحقق من روايات طرفي النزاع بسبب انقطاع الاتصالات عن المنطقة، تشير التقارير الأممية والدولية إلى مقتل مئات الأشخاص ونزوح عشرات الآلاف إلى السودان المجاور، فضلاً عن احتمالات ارتكاب "جرائم حرب".

ترقب وصمت "استراتيجي" مصري

من خلال رصد لـ"اندبندنت عربية" لم يصدر عن القاهرة أي مواقف سياسية رسمية تجاه تطورات النزاع في إثيوبيا، الأمر الذي أرجعه دبلوماسي مصري مطلع، طلب عدم الكشف عن اسمه، خلال حديثه إلينا، إلى "حساسية القضية الإثيوبية بالنسبة للقاهرة بسبب ملف سد النهضة، فضلاً عن ترديد سلطات أديس أبابا أن ما يحدث هو مسألة داخلية متعلقة بسيادة القانون مع جماعة متمردة (الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي)، وأنهم قادرون على التعامل معه".

المصدر، وإن لم يكشف عن موقف مصر الرسمي إزاء تلك الأحداث ومدى تأثيرها في الأمن القومي لبلاده، سواء على صعيد مياه النيل، أو الاضطرابات الأمنية التي قد تطال منطقة القرن الأفريقي، أو دول الجوار، أضاف "نتابع التطورات الإثيوبية عن كثب وترقب، وفي الوقت ذاته نلتزم مبادئ سياستنا الخارجية المبنية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول".

من جانبه، يرجع السفير أحمد حجاج رئيس الجمعية الأفريقية المصرية، الصمت المصري الذي اعتبره "استراتيجياً"، إلى "حساسية التطورات الراهنة" بالنسبة للقاهرة قائلاً "انحياز مصر لأحد طرفي الصراع يضر بمصالحها، وأي موقف منها في الوقت الراهن قد يفهم منه رسائل خاطئة".

وعلى مدار أسابيع المعارك الماضية في إثيوبيا، اقتصر تعاطي مصر مع الأحداث في أديس أبابا من خلال إرشادات السفر والتنقل لمواطنيها. ففي السادس والعشرين من نوفمبر الماضي، طلبت وزارة السياحة والآثار المصرية من المواطنين المصريين الراغبين في السفر لإثيوبيا بعدم التنقل في الأقاليم، وبخاصة إقليم "تيغراي". كما حذرت المواطنين الموجودين في الإقليم بتوخي الحذر ‏والابتعاد عن أماكن التجمعات. وجاء ذلك بعد نحو أسبوع من إعلان السفارة المصرية في أديس أبابا، عن تنفيذ عملية ناجحة لإجلاء 9 من مواطنيها كانوا عالقين في مدينة ميكيلي عاصمة إقليم تيغراي.

كيف يفهم الموقف المصري؟

في الوقت الذي تركز فيه القاهرة على ملف سد النهضة "المتعثر" على الرغم من رعاية مفاوضاته بين مصر وإثيوبيا والسودان من قبل الاتحاد الأفريقي برئاسة جنوب أفريقيا، ينظر المراقبون إلى تطورات النزاع في إثيوبيا باهتمام لما قد يعكسه من تداعيات على مسألة مياه النيل، والأوضاع الأمنية "الهشة" في منطقة القرن الأفريقي.

وبحسب السفير فرغلي طه، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق "ترتكز أولويات القاهرة بشكل رئيس في إثيوبيا على قضية مياه النيل وإشكالية سد النهضة، لكن فيما يتعلق بموقفها من الصراع العسكري الدائر حالياً داخل ثاني أكبر دولة أفريقية من حيث التعداد السكاني، فهو يخضع لحسابات السلطة السياسية في مصر".

يتابع "هناك بعض الآراء التي تنادي باستغلال مصر للظرف السياسي في إثيوبيا، كما فعلت الأخيرة إبان أحداث يناير (كانون الثاني) 2011 وإطاحة نظام الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، إذ أعلنت في أبريل (نيسان) من ذلك العام البدء في بناء سد النهضة، بينما يفضل آخرون الارتكان التكتيكي بعدم اتباع هذا النهج منعاً لاتهام القاهرة بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول في القارة السمراء". وأوضح "القاهرة حريصة على عدم منح أديس أبابا فرصة لاتهامها بالتدخل في شؤونها الداخلية واحتمالات انعكاس ذلك على مزيد من التعنت والمماطلة في مفاوضات سد النهضة"، مشيراً إلى "ضرورة الضغط والتركيز على ملف سد النهضة الذي قد يتأثر جراء الاضطرابات الداخلية الإثيوبية، سواء عبر بطء وتيرة البناء أو الموقف التفاوضي لأديس أبابا".

من جانبه، يقول السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية "يبدو أن الصراع في إثيوبيا بين الحكومة الفيدرالية وقوات (تيغراي) بالأساس صراع داخلي على السلطة والثروة والسيطرة والهيمنة".

ومنذ أوائل التسعينيات وإثيوبيا مقسمة إلى تسع مناطق وولايتين إداريتين كجزء من نظام فيدرالي مصمم لتوفير حكم ذاتي عرقي واسع النطاق، وتعمقت الانقسامات العرقية في البلاد بعد تولي آبي أحمد السلطة عام 2018.

ويتابع حليمة "قد تكون مصر منخرطة بشكل غير معلن في الجهود السياسية الدولية الساعية للتهدئة في إثيوبيا، لا سيما من جانب الاتحاد الأفريقي"، موضحاً "القاهرة تنتهج موقفاً غير معلن حتى لا تكون هناك ذرائع من قبل إثيوبيا بأن لها دوراً في تأجيج الصراع، وهذا ما تردده أديس أبابا من وقت لآخر".

بدوره، يعتبر هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والمتخصص في الشأن الأفريقي، أن "الانتظار لحين اتضاح الصورة قد يكون أفضل الخيارات في الوقت الراهن". يتابع "هناك احتمالات أن تتمكن القوات الحكومية الإثيوبية من السيطرة على منطقة (تيغراي)، وعليه استمرار حرب استنزاف طويلة الأمد".

وأعرب رسلان عن اعتقاده أن طول أمد الصراع ستنعكس تأثيراته على قدرة إثيوبيا في تمويل بناء سد النهضة، وحال انتشاره جغرافياً داخل الدولة سيزيد من إضعاف البنية الأساسية للدولة وسلطتها الفيدرالية للسيطرة على الأوضاع، وعليه فمصر "تراقب وتنتظر"، على حد تعبيره.

وللمرة الأولى منذ بدء العمليات العسكرية، وصلت أمس السبت، قافلة مساعدات دولية إلى عاصمة "تيغراي"، بعد نحو أسبوعين من إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي، السيطرة على ميكيلي، وانتهاء عمليات القتال في الـ28 من الشهر الماضي، ولكن الأمم المتحدة تؤكد أن القتال مستمر على الأرض وتشعر بالقلق من "الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان"، و"التمييز" الذي يمارس بحق أهالي "تيغراي". وتتحدث أديس أبابا من جهتها عن "تبادل متقطع لإطلاق النار"، في حين يقول زعماء الجبهة الشعبية لتحرير "تيغراي" إنهم يواصلون القتال من الجبال المحيطة بالمدينة.

ويعتقد أن القتال المستمر منذ خمسة أسابيع بين القوات الاتحادية وقوات الجبهة أسفر عن مقتل الآلاف، وفرار أكثر من 950 ألفاً، وفق ما ذكرته الأمم المتحدة، منهم نحو 50 ألفاً فروا إلى السودان. كما ذكرت مجموعة الأزمات الدولية أن النزاع أدى إلى سقوط عدة آلاف من القتلى من العسكريين والمدنيين، كما وثقت منظمات حقوق الإنسان وقائع مذبحة ذهب ضحيتها مئات من المدنيين، لكن ما زال حجم الخسائر في الأرواح والدمار غير معروف إلى حد كبير.

واندلع النزاع إثر إعلان القوات الاتحادية أن الجبهة الشعبية لتحرير "تيغراي" حملت السلاح ضدها، لكنها تمكنت من تفادي حصار واستعادة السيطرة على غرب الإقليم. في المقابل، تتهم الجبهة حكومة آبي بممارسة الاضطهاد الممنهج لـ"تيغراي" منذ أن وصل للسلطة في أبريل (نيسان) 2018، وتصف العمليات العسكرية بأنها "غزو".

وقاد مقاتلو جبهة تحرير شعب "تيغراي" في مايو (أيار) 1991 إطاحة الديكتاتور العسكري منغستو هيلا مريام، وسيطروا على مقاليد السياسة في هذا البلد لثلاثة عقود، وحتى وصول آبي للسلطة.

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات