قضت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بالسجن مدى الحياة بحق سليم عياش، الذي ينتمي إلى "حزب الله" وأدين بالمشاركة شخصياً في جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005، وقال القاضي الرئيس في المحكمة ديفيد ري أثناء النطق بالحكم، "الدائرة الابتدائية ترى وجوب فرض العقوبة القصوى لكل من الجرائم الخمس، وهي السجن مدى الحياة يتم تنفيذها في الوقت نفسه".
النطق بالحكم النهائي بحق عياش البالغ من العمر 57 عاماً، يتزامن مع استمراره طليقاً، إذ يرفض الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله تسليمه للقضاء، وأعلن في سلسلة تصريحات علنية رفضه الاعتراف بالمحكمة الدولية وقراراتها، الأمر الذي دفع كثيرين إلى تشبيه المحكمة الدولية بـ"عملاق بلا أذرع أو أرجل" لأنها تعتمد على الدولة في اعتقال المجرمين، وفي لبنان يمتلك الحزب المقدرة على تقويض أي جهد لمنع تنفيذ الحكم.
التهم الخمس
في ختام المحاكمة التي استمرت ست سنوات، أكد قضاة المحكمة الدولية، أن هناك أدلة كافية لتحديد أن عياش كان في قلب شبكة من مستخدمي الهاتف المحمول، تجسست على الحريري في الأشهر التي سبقت اغتياله، وقالوا في حكمهم إن عياش "مذنب على نحو لا يشوبه أي شك معقول" بالتهم الخمس التي وجهت إليه، وهي "تدبير مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي، وارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجرة، وقتل الحريري عمداً باستعمال مواد متفجرة، وقتل 21 شخصاً آخرين عمداً باستعمال مواد متفجرة، ومحاولة قتل 226 شخصاً عمداً باستعمال مواد متفجرة".
وذكر بيان صادر عن القاضي ديفيد ري أن "غرفة الدرجة الأولى أصدرت مذكرة توقيف جديدة، ومذكرة توقيف دولية، وقرار نقل واحتجاز بحق السيد عياش، ودعت أولئك الذين يحمون سليم جميل عياش من العدالة إلى تسليمه للمحكمة الخاصة بلبنان"، موضحاً أنه "يجوز استئناف الحكم أو العقوبة في غضون 30 يوماً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت المحكمة قد برأت في 18 أغسطس (أب) الماضي المتهمين الثلاثة الباقين أسعد صبرا وحسين عنيسي وحسن حبيب مرعي، الذين ينتمون إلى "حزب الله" وحوكموا غيابياً لعدم تمكن السلطات اللبنانية من إلقاء القبض عليهم وتسليمهم للمحكمة، وبسبب رفض الحزب تسليم أي من عناصره إلى محكمة يعتبرها "مسيّسة" ويرفض الاعتراف بها، وقالت المحكمة في بيانها حينذاك، إن "غرفة الدرجة الأولى ستفرض الآن عقوبة في ما يتعلق بكل تهمة أدانت بها عياش، أو ستفرض عقوبة واحدة تشمل سلوكه الجرمي بأكمله. ويمكن أن تصل العقوبة المفروضة على شخص مدان إلى السجن مدى الحياة".
تعايش "مستحيل"
فور صدور الحكم النهائي بحق عياش، دعا الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية سعد الحريري، السلطات القضائية والأمنية اللبنانية إلى القيام بواجبها وتنفيذ الحكم بحق المدان في قتل والده رفيق الحريري، وقال، "العدالة الدولية أصدرت حكمها في قضية الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، والعقوبة التي أنزلت بسليم عياش يجب وضعها موضع التنفيذ، وعلى السلطات القضائية والأمنية اللبنانية القيام بواجبها في هذا الخصوص".
وفي السياق ذاته، أشارت مصادر قيادية في "تيار المستقبل" إلى أن صدور حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بحق عياش، يؤكد دور "حزب الله" المباشر في الاغتيال، "لأنه من المستحيل أن يكون عياش قرر قتل الحريري بقرار فردي بمعزل عن قرار إستراتيجي اتخذته قيادة الحزب بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني"، مؤكدة أنه منذ صدور الاتهام رسمياً في 18 أغسطس الماضي، سقطت نظرية حكومات "الوحدة الوطنية"، لأنه "من المستحيل الجلوس مع القاتل على طاولة واحدة في ظل استمرار بحماية عياش ومنع اعتقاله".
الفصل السابع
أثار الحكم بحق عياش سلسلة تساؤلات عن دور مجلس الأمن الدولي، لا سيما أن قرار إنشاء المحكمة صدر بموجب القرار رقم 1757 بتاريخ 30 مايو (أيار) 2007، استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بالتالي دوره في تطبيق الحكم إذا ما تعذرت الحكومة اللبنانية في تسليم عياش، ويوضح الباحث في القانون الدولي أنطوان صفير، أنه في حال تلكأت الحكومة اللبنانية في واجباتها تجاه تسليم المتهم عياش، فيُمكن للمحكمة الدولية أن ترفع الموضوع إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وإبلاغ مجلس الأمن الدولي لاتخاذ القرار المناسب تجاه لبنان.
ولفت إلى أن القرار عندما يصدر مع العقوبة الواجبة بحق شخص، تستصدر المحكمة مذكرة توقيف، وفي هذه الحال، ستكون مذكرة توقيف غيابية باعتبار أن المتهم لم يمثل أمام هيئة المحكمة إلا بواسطة المحامي الذي عينه فريق الدفاع، بالتالي عندما تصبح المسألة بهذا الوضوح، فإن السلطات اللبنانية تتبلغ الحكم والعقوبة وفقاً لمدرجات النظام الأساسي للمحكمة وقواعد الإجراء والإثبات إضافة إلى الاتفاقية الموقعة بين المحكمة والسلطات اللبنانية بشأن التعاون وتسهيل هذه المهمة.
واستبعد المرجع القانوني اللبناني بول مرقص، إمكانية تسليم لبنان المتهم سليم عياش للمحكمة الدولية مشيراً إلى أنه "على الأرجح أن الدولة اللبنانية ستتصرف كما السابق عندما صدر الاتهام بحقه وأعلنت أنها لم تتمكن من العثور عليه"، لافتاً إلى أن "المحكمة ستبلغ الحكم إلى لبنان كما مجلس الأمن، ويمكن أن يتحرك الأخير ضمن الفصل السابع، أي يعتبر أنه تهديد للأمن والسلام الدوليين، ومن ثم إلقاء القبض عليه بالقوة، لكن هذا الأمر يبقى مستبعداً نظرياً".
قضيتا حمادة وحاوي أيضاً
سيكون عياش في قلب محاكمة أخرى في المحكمة نفسها، تتعلق بثلاثة اعتداءات دموية أخرى ضد سياسيين لبنانيين في العامين 2004 و2005، فقد كشف النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، عن تلقي النيابة العامة التمييزية كتابين من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، تطلب بموجبهما إبلاغ عدد من الشهود اللبنانيين للاستماع إلى أقوالهم أمام قاضي الإجراءات التمهيدية في جريمتي محاولة اغتيال النائب المستقيل مروان حمادة، واغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي، في وقت تبين أن الوزير السابق الياس المر كان قد أسقط حقه الشخصي، وكان تعرض لمحاولة اغتيال في 12 يوليو (تموز) 2005.
وفي بيان سابق، أعلنت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، أنها وجهت إلى سليم عياش، الذي أُدين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الاتهام بالمشاركة في ثلاثة هجمات أخرى، استهدفت كلاً من حمادة، والمر وحاوي، موضحة أن قاضي الإجراءات التمهيدية قرر توجيه تهمتي "الإرهاب والقتل" إلى عياش، وأصدر بحقه مذكرة توقيف موجهة إلى السلطات اللبنانية لتنفيذها، وأخرى دولية، وأشارت إلى أنه "بتصديق قرار الاتهام بحق عياش، تُفتح قضية جديدة أمام المحكمة، وتُسنَد في قرار الاتهام خمس تهم إلى عياش: مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي، واستطراداً من تهمة المؤامرة بهدف ارتكاب عمل إرهابي، تهمة الانضمام إلى عصابة أشرار، وارتكاب أعمال إرهابية، وقتل السادة غازي أبو كروم وجورج حاوي وخالد مورا عمداً، ومحاولة قتل إلياس المر ومروان حمادة، و17 شخصاً آخرين عمداً".
المخبأ السري
على الجهة المقابلة، يؤكد مصدر في "حزب الله"، أنه لن يتم اللجوء إلى استئناف الحكم خلال فترة الـ 30 يوماً كون الحزب لا يعترف أصلاً بوجود المحكمة، ورأى المحلل السياسي المقرب من الحزب قاسم قصير، أن الحزب يعتبر أنه غير معني بالمحكمة بشكل عام، وهو لا يثق بها، مشيراً إلى أن المحكمة الدولية هي مجرد أداة سياسية بيد الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.
وتتردد معلومات أن سليم عياش يتنقل بحرية بين لبنان وسوريا والعراق وإيران، وهو يلعب دوراً بارزاً على المستوى الأمني في الحزب، مرجحة أن يكون قد خضع لعمليات جراحية لتغيير ملامحه، وأنه قد يمتلك بسهولة جوازات سفر بأسماء مستعارة لمنع التعرف عليه بسهولة، إلا أن مصادر مقربة من "حزب الله" تنفي هذه المعلومات، وتشير إلى أن قلة من قياديي الحزب على دراية بمكان تواجد عياش ويتمتع بحماية خاصة كونه ملاحقاً "من الأدوات الأميركية".