Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فيلم لماكوين يرسم صورة قاتمة للعنصرية في بريطانيا

يؤدي جون بوييغا دور ليروي لوغان، الشرطي الأسود الذي يحاول إدخال التغيير من داخل مؤسسة الشرطة في هذا العمل الذي يرصد على نحو مؤثر مظاهر التمييز المؤسسي في المملكة المتحدة

ستيف ماكوين يسلط الضوء من خلال فيلمه المثير للجدل، على العنصرية داخل مؤسسة الشرطة اللندنية (غيتي)

إذا اعتبرنا أن "مانغروف" (Mangrove)، العمل الأول لستيف ماكوين ضمن سلسلته المعنونة "سمول أكس" (Small Axe)، أظهر كيف يمكن للمرء أن يكون ضحية لنظام عدالة عنصري، فإن عمله "أحمر، أبيض، وأزرق" (Red, White and Blue)، اليوم، يكشف التواطؤ. والفيلم المذكور، الذي يعد الحلقة الثالثة من السلسلة الأنطولوجية لقناة "بي بي سي وان" (BBC One) عن البريطانيين ذوي الأصول الكاريبية في حقبتي الستينيات والثمانينيات، يروي قصة تقني مختبرات أسود، في رحلته وتجربته الساذجة داخل مؤسسة الشرطة الميتروبولية (شرطة العاصمة) البريطانية.

وبالمناسبة يمكن هنا التحذير: الفيلم لا يمثل رحلة سهلة، خصوصاً إذا كان رأيكم تجاه الشرطة، مثل رأيي، يختلف عن موقف بطل الفيلم، ليروي لوغان (جون بوييغا)، في هذا الأمر. إذ إن لوغان هذا، الذي يقوم بتبديل عمله في مطلع الثمانينيات، إثر تعرض والده كينيث لهجوم على يد مجموعة من رجال الشرطة، يعتنق إيماناً راسخاً بقدرته على تغيير مؤسسة الشرطة من داخلها. وبناءً على إيمانه ذاك، يبدأ بمواجهة التداعيات الكارثية لقراره على عائلته، ويباشر أيضاً بمواجهة سياسات التمييز العرقي المذهلة داخل مؤسسة الشرطة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على أن مشاهدة كل تلك الأمور التي تحدث داخل الدوائر المغلقة للشرطة، تبدو غير طبيعية. إذ إنه نادراً ما حظينا بتلك النظرة القريبة والصادمة تجاه مظاهر التمييز العرقي السائدة داخل هذه الدوائر (دوائر الشرطة). بيد أن بوييغا، الذي بكى خلال إلقائه كلمة بإحدى تظاهرات "حياة السود مهمة" (Black Lives Matter) الصيف الفائت، ينزلق اليوم بسلاسة في شخصية لوغان المتماسكة. إذ إن لكل من ماكوين (الذي حاز على جائزة تيرنير لمجمل أعماله سنة 1999)، والمصور السينمائي شابير كيرشنير، طريقته لإقحام المشاهد في صلب شقاء لوغان ومعاناته، وذلك عبر أسلوب سينمائي تأملي واختباري.

فعندما تعرض كينيث للهجوم بداية، مثلاً، نتبع لوغان إلى غرفة والده في المستشفى عبر كاميرا نقالة ومتحركة، وهناك نكون غير قادرين تماماً في بداية الأمر على معاينة مدى تضرر وجه أبيه. لكن، عندما يمشي لوغان داخل قاعة تبديل الملابس في المركز (مركز الشرطة) حيث يعمل، فإنه يعاين خزانة أغراضه الواطئة، ويفتح بابها ببطء باتجاه الكاميرا، فتظهر لنا عبارتا "ن...رو قذر" (ن...رو، كلمة يهان بها السود) محفورتين بقسوة على باب الخزانة.

غير أن النزاع الذي لا ينفك ماكوين عن العودة إليه مراراً وتكراراً، يتمثل في ذاك النزاع القائم بين إيمان لوغان بإمكانية الإصلاح من الداخل وواقع التمييز العرقي الذي يواجهه يومياً خلال عمله في قوى الشرطة. "أفكر أحياناً في أن هذه الأرض ينبغي أن تحرق"، يقول لوغان لوالده كينيث معترفاً، وهما يحتسيان كأس رم "راي أند نفيو" Wray and Nephew (نوع من مشروب الرم الجامايكي). بيد أن هناك أمراً كان يعيد لوغان باستمرار إلى مركز الشرطة، وهو يتمثل ربما بسعيه الدائم خلف "النجاح"، هذا الأخير الذي يبدو له وامضاً إذ يرى صورته ضمن ملصق إعلاني للشرطة يظهر تعدد الخلفيات العرقية لأفرادها، أو ربما هو مجرد إيمانه بالسلطة.

من جهة أخرى، وإذ نشاهد "أحمر، أبيض، وأزرق"، فإن هناك صعوبة تكمن في تصديق أن أحداث هذا الفيلم تدور بحقبة الثمانينيات عينها التي تدور فيها أحداث الموسم الرابع الضخم والباذخ من مسلسل "التاج"، الذي يعرض على "نتفليكس" منذ نحو أسبوعين فقط. إذ على الرغم من حضور صورة الملكة (إليزابيث الثانية) على جدران غرف الاجتماعات وقاعات مركز الشرطة المتروبولية (شرطة العاصمة) المهيبة، فإن بريطانيا الثاتشرية (إشارة إلى مارغريت ثاتشر رئيسة الوزراء البريطانية في الثمانينيات،) تبدو مختلفة تماماً في هذا الجانب الآخر (خارج القصور والحياة الملكية).

وبرسم ماكوين ملامح بريطانيا هذه، عبر أجواء رمادية قاتمة، ومشاهد مشوشة، ومبان قاسية فظة، وموسيقى "سول" سوداوية حزينة. وتلك الأجواء تحديداً هي ما تمنح النجاح لفيلم "أحمر، أبيض، وأزرق". وأنا في الماضي كنت انتقدت ظاهرة الـ"كوباغاندا" (Copaganda) (ظاهرة تقوم فيها وسائل الإعلام وغيرها من المؤسسات الاجتماعية، بالترويج للشرطة وتصوير عناصرها بمظهر النجوم والأبطال)، لكني اليوم أعتقد أن هذا الفيلم نجح في الالتفاف على تلك الظاهرة وتجاوزها، وذلك ببساطة من خلال الصورة الشديدة القتامة التي يرسمها.

وما يجعل الأمر أكثر سوداوية وسوءاً بالنسبة لنا، هو أنه، وعلى الرغم من مرور 40 سنة على زمن تلك الوقائع المصورة في الفيلم، فإن العالم الذي يرسم لوغان ملامحه بعمله هذا، لا يبدو مختلفاً كثيراً عن عالمنا اليوم. من هنا، ومع اقتراب انقضاء سنة 2020، وتصاعد النقاش حول الممارسات العنصرية التي تقوم بها الشرطة، النقاش الذي ما كان لماكوين قدرة على استشرافه، فإن "أحمر، أبيض، وأزرق" يأتي اليوم بمثابة تذكير قيم لنا بأن عنصرية الشرطة ليست ظاهرة من وقتنا الراهن فحسب، بل هي جزء من قضايا التاريخ البريطاني.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من سينما