Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب تيغراي ترسم واقعا سياسيا جديدا في منطقة القرن الأفريقي

آبي أحمد عازم على "إنفاذ القانون" في الإقليم المتمرد الذي لم يلق السلاح بعد

يُرسَم واقع جديد في منطقة القرن الأفريقي مع قرب انتهاء الحرب في إقليم تيغراي ونجاح القوات الحكومية الإثيوبية في دخول العاصمة ميكيلي وبدئها ببسط سيطرتها على الإقليم. هذا ما تقوله مؤشرات التحديات، فهل انتهت الحرب وأغلق باب النزاع مع التيغراي نهائياً؟
تقول الحكومة الإثيوبية إن الحرب انتهت، وأعلن رئيس الوزراء آبي أحمد، يوم السبت 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وقف العمليات العسكرية في إقليم تغراي شمال البلاد بعد اكتمالها بالسيطرة على مدينة ميكيلي (أو مقلي)، عاصمة الإقليم. وهنأ رئيس الوزراء الشعب الإثيوبي بمناسبة استكمال عملية "إنفاذ القانون" في الإقليم.
ويعتبر نجاح القوات الإثيوبية في السيطرة على الإقليم الشمالي انتصاراً عسكرياً على قوات "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، ويمنح الحكم في أديس أبابا سطوة بعد تمرد الإقليم الذي ظل يمارس أعمال خارج السلطة الفيدرالية للحكومة المركزية. لكن ماذا بعد وقد وضعت الحرب أوزارها؟ ما هو مستقبل الصراع السياسي الذي تحوّل إلى عسكري بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والحكومة الفيدرالية المركزية والآن يبقى كتحدٍّ يواجهه النظام؟
يرى مراقبون أن بسط الحكومة سيطرتها على الإقليم يعدّ دلالة على عزم آبي أحمد على "إنفاذ القانون"، وهو المصطلح الذي سارت على وقعه الحرب. ويعتبر هذا الانتصار تمكيناً للسلطة الفيدرالية، ورسالة واضحة لآخرين مفادها حرص الحكومة الإثيوبية على مجابهة أي انحرافات قومية تهدد وحدة البلاد.
من جهة أخرى، يعتقد متابعون أن ما جرى يشكل بداية مرحلة جديدة لصراع تتخطى أرضيته إقليم تيغراي ليشمل المنطقة الإقليمية في ظل مرئيات وحسابات، وتحديات وتحالفات نشأت، وتتجدد شبكتها نتيجة المصالح الإقليمية المعقدة في المنطقة، وفي مقدمتها مشروع سد النهضة الذي لا تزال المفاوضات بشأنه تراوح مكانها، إلى جانب خلافات الحدود مع دول الجوار، وتشابكات قضايا داخلية وإقليمية، ليس أقلها التحديات التي يواجهها النظام الفيدرالي من جهة العصبيات القومية. كما تتربص قوى إقليمية ودولية بتيغراي ترى في مشكلاته فرصاً لتحقيق مصالح ونشر قواعد وتصفية حسابات في مواقع أخرى لا حرج في أن يكون القرن الأفريقي منطلقاً لها.

أسباب الأزمة


وبدأت هذه الحرب بخلاف على موعد إجراء الانتخابات القومية التي ترى "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" في تأخير إجرائها انتهاكاً للدستور. وكانت الجبهة في الماضي من ضمن "ائتلاف الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية"، الحزب الذي رشّح آبي أحمد لاعتلاء سدة رئاسة الوزراء في27 مارس (آذار) 2018، إلا أن الأخير أسس حزبه الجديد "الازدهار" ليشكّل حاضنة سياسية بديلة له، محيلاً في الوقت عينه "ائتلاف الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية" إلى سجلات التاريخ.

ومن هذه النقطة، تفرقت الصفوف ليتحوّل حزب "جبهة تحرير تيغراي" إلى خانة المعارضة بعدما كان القائد الفعلي للتحالف السابق خلال ما يقرب ثلاثة عقود من الزمان، منذ طرد الرئيس الاشتراكي منغستو هيلا مريام عام 1991 وتولّي رئيس الوزراء الأسبق ميلس زيناوي السلطة.
واعتبرت الجبهة تأجيل الانتخابات القومية التي ينص الدستور الإثيوبي على إجرائها كل 5 سنوات، تحايلاً للبقاء في السلطة. ووصف قادة تيغراي التأجيل بـ"إطالة أمد الحكومة بما يناقض الدستور"، وقرروا المضي قدماً في إجراء انتخابات الإقليم في الموعد المحدد.
في المقابل، تفسر حكومة آبي أحمد التأجيل بأنه نتيجة ظروف استثنائية تمثلت أولاً في حالة عدم الاستقرار الذي ظلت تعانيه الساحة الإثيوبية بعد مقتل المغني الشهير هاشالو هونديسا (من قومية الأرومو) في يوليو (تموز) 2020، وما رافقه من أعمال عنف وتخريب واشتباكات أدت إلى مقتل أكثر من 150 شخصاً في إقليم أوروميا وحده. أما السبب الثاني للتأجيل بالنسبة إلى الحكومة، فهو تفشي جائحة كورونا التي أربكت العالم، وما فرضته من إجراءات حظر عالمية.
وعلى الرغم من مصادقة البرلمان الإثيوبي على التأجيل وتمديده ولاية الحكومة، عارضت حكومة إقليم تيغراي وتخطت ذلك القرار وأجرت الانتخابات في سبتمبر 2020 (فازت فيها قيادة التيغراي المتمردة). إلا أن البرلمان الفيدرالي حكم بعدم دستوريتها ورفض الاعتراف بها. ومن هنا تطورت المعركة السياسية إلى معركة عسكرية، بعد معاقبة الحكومة الفيدرالية الإقليم بحجب موازنته، ومن ثم تتابعت الأحداث التي أدت إلى اندلاع الحرب. وكان هجوم "جبهة تحرير تيغراي" على القيادة العسكرية الإثيوبية الشمالية الموجودة في الإقليم وقتل عدد من عناصرها بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير". واختتمت الأحداث بإشعار الحكومة الفيدرالية الإقليم بالدخول إلى بيت الطاعة، الأمر الذي جوبه بالرفض، لتعلن أديس أبابا الحرب لـ"إنفاذ القانون".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


إعادة بناء الإقليم

من ناحية أخرى، أكد رئيس الوزراء الإثيوبي أن المرحلة المقبلة ستركّز على إعادة بناء الإقليم وتقديم المساعدات الإنسانية للسكان. وقال "يسعدني أن أشارك الشعب الإثيوبي بخبر أننا أكملنا عملية إنفاذ القانون، وأوقفنا العمليات العسكرية في تيغراي". وشدد أحمد على ضرورة تركيز الحكومة على "إعادة بناء الإقليم وإيصال المساعدة الإنسانية وتقديم المجموعة الإجرامية من قادة جبهة تحرير تيغراي إلى العدالة".
على مستوى آخر، فإن بسط الحكومة سيطرتها السياسية على الإقليم المتمرد، ونجاحها في تحييد الرأي العام الدولي عن التدخل في شؤونها الداخلية، يُعتبَر مؤشراً إلى الجدية في فرض هيبة الدولة. وتشير دوائر مراقِبة إلى وجود انعكاسات داخلية وإقليمية مترتبة على الصراع الذي يستمر مع إعلان قيادة "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" نيّتها مواصلة القتال. وكان المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية السفير دينا مفتي أوضح خلال مؤتمر صحافي أن "جبهة تحرير تيغراي كانت ترعى وتدعم مالياً مختلف الأنشطة الإرهابية في إثيوبيا، ما أسفر عن أزمات قبلية ودينية في مختلف الأقاليم خلال الفترة الماضية".
ولفت مفتي إلى أن الجبهة سعت إلى تدويل الصراع عبر استهداف إريتريا بإطلاق صواريخ إثر اتهامها قوات إريترية بالمشاركة في القتال، كما كانت ستستهدف السودان أيضاً "لو استطاعت"، بهدف توسيع دائرة الحرب.
ويعتبر التحدي الحقيقي الذي تواجهه حكومة آبي أحمد حالياً، هو استطاعتها حمل القوميات الإثيوبية على نبذ هذه القوميات وإذابتها لصالح بناء الدولة الموحدة.


مؤشرات الصراع

ويشير المراقبون إلى المرحلة المقبلة كونها حبلى بالتوقعات في ظل اختيار "جبهة تحرير تيغراي" طريق الحرب على الرغم من النداءت السلمية للحكومة. ومن المعروف أن قومية تيغراي تمثل القومية الثالثة في البلاد من ناحية تعداد السكان، والثانية لجهة حيثيات الإرث السياسي الحضاري في إثيوبيا. ويصف البعض الحقائق القومية للصراع بأنها "تتحدث عن أبعاد حضارية" لأنه صراع بين قوميتي أمهرا وتيغراي المتنافستين، يتجدد حالياً في نزاعات الحدود المحلية والمكاسب الاستراتيجية والتنافس القومي للسيادة على الدولة من ضمن التحالفات التكتيكية سواء مع قومية الأورومو التي تشكل الغالبية السكانية، أو من خلال تحييد وكسب القوميات الصغرى (عدد القوميات في إثيوبيا يبلغ 83 قومية) ضمن تحالف تقوده جبهة تحرير تيغراي في مواجهة الحكومة في المرحلة المقبلة.
من جانب آخر، فإن اتهام إريتريا بالمشاركة في الحرب إلى جانب القوات الحكومية الإثيوبية الذي نفته أديس أبابا على لسان وزير الدفاع قنا يادتا، يؤشر إلى احتمال وجود أهداف وأطماع لدى رموز إقليمية لتجعل من صراع تيغراي معبراً لتحقيق غاياتها.
وتأتي قضية سد النهضة الذي تعثرت المفاوضات بشأنه، ضمن البعد الإقليمي في عدم الاتفاق على قواعد ملء السد وتشغيله، فضلاً عن الجوانب القانونية في مدى إلزامية الاتفاق وآلية فض النزاعات. وتتخوّف مصر من تأثير سلبي في تدفّق حصتها السنوية من مياه نهر النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب.

رؤى وطنية  

وتسعى الحكومة الإثيوبية في المرحلة المقبلة إلى تحقيق جملة أهداف، أولها إجراء الانتخابات العامة التي صادق البرلمان في سبتمبر (أيلول) الماضي على إجرائها. ويتولّى مجلس الانتخابات، وهو هيئة دستورية مستقلة، تنظيمها وتحديد موعدها وفق الظروف الصحية في البلاد بعد انجلاء جائحة كورونا. ويتوقع ضمن هذه الانتخابات طرح أفكار جديدة يتبناها حزب الازدهار (التحالف الحكومي الجديد). أما الهدف الثاني، فهو تثبيت إثيوبيا كدولة موحدة، بعيدة من عصبيات القومية والشرزمات العرقية والقبلية. وثالث الأهداف هو إنجاز سد النهضة الذي يجسّد غاية تعلو فوق الخلافات الداخلية الإثيوبية لما يمثله من هدف قومي.

المزيد من دوليات