قال وزير الإعلام السوداني فيصل محمد صالح، إن حكومة بلاده بدأت منذ اندلاع القتال بين السلطة الفيدرالية وإقليم تيغراي في إثيوبيا مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، اتصالاتها السياسية والدبلوماسية مع القيادة الإثيوبية بهدف الوساطة، لوقف الاقتتال بين أبناء الشعب الواحد، للوصول إلى حل عبر الحوار. لكن، موقف قيادة حكومة أديس أبابا المعلن برفض أي تدخل ووساطة إقليمية ودولية ومن دول الجوار الأفريقي حال دون ذلك، بالتالي أصبح التواصل والاتصال القائم بين القيادتين السودانية والإثيوبية ينصب حول التهدئة.
وأضاف، السودان تابع باهتمام تحرك الاتحاد الأفريقي بإرساله بعثة إلى أديس أبابا تضم ثلاثة رؤساء سابقين، لكن رفضت إثيوبيا التعامل معها كلجنة وساطة، وأطلعتها على الأوضاع وما يدور من أحداث، ولم تقبل أن تكون هناك وساطة لوقف القتال بين الجانبين الإثيوبيين.
أزمة اللاجئين
وأوضح صالح،"نحن في السودان متابعون ومهتمون بما يدور من تطورات وأحداث على صعيد جارتنا إثيوبيا، وذلك من منطلق ومعرفة أن أياً كانت طبيعة الأوضاع في أي من دول الجوار، خصوصاً إثيوبيا ستؤثر في بلادنا سلباً وإيجاباً، فالمعارك الدائرة الآن في إقليم تيغراي سيكون تأثيرها بالغاً علينا بأشكال كثيرة ومختلفة، خصوصاً أن هذه المنطقة هشة جداً، وفيها مشكلات عديدة، مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار فيها بشكل كبير".
تابع، "كذلك مسألة تدفق اللاجئين من إقليم تيغراي على حدودنا بأعداد كبيرة ومستمرة ستؤثر في السودان، إذ بلغ عددهم عشرات الآلاف، بيد أن تقديرات منظمات اللاجئين العاملة في هذه المنطقة تشير إلى أن عددهم سيصل إلى 200 ألف لاجئ، الأمر الذي يجعل وضع الخرطوم حرجاً للغاية، لأنه يمر بوضع اقتصادي صعب وبالغ التعقيد، ناهيك عن أن البلاد في مرحلة انتقال".
وواصل الوزير السوداني "صحيح أن الخرطوم لها تجربة سابقة في سبعينيات وثمانينيات القرن الـ20 باستقبالها أعداداً من اللاجئين الإثيوبيين والإريتريين الذين دخلوا البلاد بكميات هائلة، في وقت كانت الظروف أفضل والعالم كان كريماً في تقديم المساعدات، لكن الآن الكل منشغل بجائحة كورونا، وما خلفته من آثار اقتصادية ضاغطة ومتلاحقة، ولم يعد الكرم الدولي وصرف وتمويل اللاجئين موجوداً، وهذا هو العامل المؤثر الأكبر".
واستكمل "جاء منذ أيام المندوب السامي للاجئين، وكذلك أرسل الاتحاد الأوروبي وفداً إنسانياً رفيع المستوى برئاسة المفوض الأوروبي لإدارة الأزمات بالاتحاد جانيز لينارتشيتش للتعرف على الأوضاع الخاصة باللاجئين الإثيوبيين من حيث أعدادهم واحتياجاتهم ومعاناتهم الإنسانية، وبالتأكيد ستناقش معهم الحكومة متطلبات هؤلاء اللاجئين ونوع المساعدة التي ستقدم لهم، والبرنامج المتعلق بفترة وجودهم وغير ذلك من القضايا، وبلا شك فإن ما يجري الآن في الحدود السودانية الإثيوبية يمثل أكبر أزمة تواجه بلادنا، خصوصاً في ولاية القضارف وإقليم شرق بوجه عام لما يواجهه من مشكلات داخلية سيكون لها قطعاً انعكاسات سلبية".
وحول ما يطلبه السودان من المجتمع الدولي في ظل تدفق أعداد اللاجئين، يقول صالح "من ناحية إيواء اللاجئين الإثيوبيين وتوفير الغذاء والرعاية الصحية لهم، فإن الخرطوم لن تقدر على تحمل هذه المسؤولية، لأن البلد يمر بمشكلات اقتصادية كبيرة، مما يجعله لا يستطيع الإيفاء بمثل هذا الالتزام البالغ الصعوبة، لذلك طلبنا من المجتمع الدولي أن يقوم بدوره ومسؤولياته، الخرطوم استقبلت هؤلاء اللاجئين، ولم تغلق حدودها الشرقية المجاورة لإثيوبيا، وهناك دول أخرى لم تسمح بدخول هؤلاء اللاجئين أراضيها، لكننا اعتدنا في مثل هذه الظروف على فتح حدودنا لاعتبار ما يتعرض له أشقاؤنا الإثيوبيون من ظروف إنسانية، وبالفعل تقاسمنا معهم لقمة العيش المحدودة، لكن لا بد من أن ينهض المجتمع الدولي بمسؤولياته من منظمات دولية وأمم متحدة والمفوضية السامية للاجئين لتتولى عملية تسكينهم وتقديم احتياجاتهم من الغذاء والصحة لحين إيجاد حل لمشكلتهم".
حرب عصابات
وعلى الرغم من سيطرة القوات الفيدرالية الإثيوبية، السبت الماضي، على عاصمة الاقليم ميكيلي خلال ساعات، وفرار قادة الجبهة إلى التلال، قائلين إنهم يقاومون ويأسرون جنوداً، لكن ما زالت التقارير تشير إلى وجود اشتباكات بين الجيش الحكومي وقوات الجبهة، رغم أن الاتصالات ما زالت مقطوعة إلى حد بعيد، فضلاً عن منع دخول الإقليم.
في حين قال مراقبون، إن الصراع بين إثيوبيا وجبهة تحرير تيغراي ربما يتحول إلى "حرب عصابات"، وعلى الرغم من إعلان القوات الفيدرالية النصر بعد، فإن القتال بين الطرفين دفع بلاجئين إلى السودان، وجر إريتريا إلى ساحة المعركة، وفاقم الجوع والمعاناة بين سكان تيغراي الذين يربو عددهم على 5 ملايين نسمة.
وفي وقت سابق، قالت الأمم المتحدة، إن العاملين في المجال الإنساني في الميدان، أفادوا بوجود نقص حاد في إمدادات الطوارئ للاستجابة للاحتياجات المتزايدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إن أكثر من 800 ألف شخص في حاجة ماسة إلى المساعدة والحماية في تيغراي. وهذا يشمل ما يقرب من 96 ألف لاجئ إريتري، ونحو 600 ألف شخص يعتمدون على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة، مؤكداً أن المخاوف تتزايد كل ساعة، والمخيمات سوف تنفد الأطعمة منها، مما يجعل الجوع وسوء التغذية خطرين حقيقيين.
وأطلقت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، خطة استجابة للتعامل مع العدد المتزايد من اللاجئين بالسودان، الذي فر إليه أكثر من 46 ألف لاجئ حتى الآن.
وتضم الخطة 30 شريكاً في المجال الإنساني يعملون جنباً إلى جنب مع الحكومة، لتوفير المأوى والمياه والغذاء والإمدادات الأخرى بتكلفة 147 مليون دولار، من أجل تلبية احتياجات ما يصل إلى مئة ألف لاجئ خلال الأشهر الستة المقبلة.
ويتهم آبي أحمد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بالخيانة، خصوصاً بعد هجومها على قاعدة للجيش الفيدرالي. وتقول الجبهة، إنه يريد الهيمنة على جماعتهم العرقية من أجل سلطته الشخصية، ويسخر كل طرف من اتهامات الطرف الآخر. وهيمنت الجبهة على الحياة السياسية في إثيوبيا نحو 3 عقود، قبل أن يصل آبي أحمد إلى السلطة عام 2018، ليصبح أول رئيس وزراء من عرقية أورومو البالغ عددهم نحو 108 ملايين.
حدود مفتوحة
واتسمت العلاقات السودانية الإثيوبية بموجات من المد والجذر، تحركها ملفات داخلية وخارجية متعلقة بالأنظمة الحاكمة في البلدين، وفي هذا يدخل المأزق المزمن حول الحدود، لا سيما في منطقة الفشقة.
في حين تعد الحدود المتداخلة المشتركة بين البلدين الأطول في القارة الأفريقية، حيث تقدر بـ727 كيلومتراً، وتتمتع المنطقة بمزايا عديدة تجعلها دائماً محل أطماع خارجية، لا سيما في ظل غياب أمني حدودي لسنوات تعادل ربع قرن، حيث تتميز بالخصوبة وترويها أنهار عذبة وتتساقط عليها الأمطار في الخريف، وتشتهر بإنتاج الصمغ العربي والقطن والذرة والسمسم، إلى جانب الخضراوات والفواكه.
وظل الإثيوبيون على امتداد التاريخ يلجأون إلى السودان في حالة الحرب، حيث أصبح ملاذاً آمناً لهم ساعدهم في ذلك طول امتداد الحدود.